تحتضن مراكش الحمراء، في الفترة الممتدة من 7 إلى 18 نونبر 2016، القمة العالمية للمناخ “كوب 22″، وهو أضخم حدث عالمي يناقش مختلف التحديات البيئية والتغيرات المناخية، ما سيجعل المغرب محط اهتمام العالم بأسره مع كل ما يفرضه ذلك من مجهودات ورهانات تجعل الجميع، سواء قطاعات حكومية ومكونات القطاع الخاص أو فعاليات المجتمع المدني الوطنية وكذا الفاعلين الإعلاميين، مدعوا إلى إنجاح هذه القمة التي تأتي مباشرة بعد قمة باريس سنة 2015.

 

لا تكمن أهمية “كوب 22” في خلق الحدث على المستوى الإعلامي والاستئثار بالاهتمام على الساحة الدولية، بل هو الإيمان العميق بأهمية الحدث لمستقبل الإنسان، والوعي بخطورة الإشكاليات المرتبطة بالتغييرات المناخية التي تخلف خسائر بشرية ومادية كبيرة يظهر أثرها على المدى القريب بسبب الفيضانات أو ارتفاع مستوى البحر، على سبيل المثال، أو خسائر بعيدة المدى نتيجة ظواهر طبيعية كالجفاف والتصحر والاحتباس الحراري، وارتفاع نسبة تلوث الهواء وتضرر جودة التربية وما له من تأثير على الأمن الغذائي للأشخاص.

 

ومما يزيد من أهمية انعقاد قمة مراكش للمناخ في نظر كافة الخبراء، قتامة الوضع المناخي على الصعيد العالمي، وتداعيات التغيرات المناخية على التوازن الطبيعي لحياة الأشخاص، ما يدفعهم إلى النزوح؛ بحث إن الدراسات في هذا الإطار تشير إلى أنه في سـنة 2012 وحدها، أجبرت الكوارث حوالي 32 مليون شخص على النزوح من مناطق ضربها الجفاف والفيضانات والعواصف الرملية التي زحفت على الواحات الصحراوية. الدراسات نفسها تؤكد على تأثير التغييرات المناخية على صحة الإنسان؛ إذ يلاحظ ارتفاع في نـسبة أمراض الجهاز التنفسي وأمراض الحساسية، دون نسيان ارتفاع معدلات سوء التغذية…

 

ولعل ما يزيد من خطورة الوضع تلوث المياه الصالحة للشرب في الكثير من المناطق وندرة مصادرها، ما سيجعلها، في غضون 25 سنة المقبلة، من أسباب الصراعات والحروب في إفريقيا، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من تدفقات المهاجرين ونزوحهم إلى دول آمنة سياسيا واقتصاديا ومناخيا، إلى درجة أصبح هناك من يُطالـب بمنح حق اللجـوء للنازحين من جراء التغييرات المناخية…

 

من هنا نعتقد، إلى حد الجزم، بأهمية الـ”كوب 22″، التي ننتظر من رؤساء الدول والحكومات ومنظمات المجتمع المدني المشاركين فيها العمل بالدرجة الأولى على التفكير في آليات تنفيذ توصيات “اتفاق باريس للمناخ”، وتبني برامج تنموية وتخصيص ميزانية محترمة لتمويل المشاريع المرتبطة بمحاربة انعكاسات التغييرات المناخية على التنوع البيئي وعلى التوازن النباتي والحيواني، بهدف تشجيع تنمية المناطق المتضررة ودعم سكانها والحيلولة دون نزوحهم الجماعي، حتى لا تُـفرغ إفريقيا أو غيرها من المناطق المتضررة. فلا أحد يُريد رؤية العالم في صور دمار شامل، مثل ما عبرت عنه مشاهـد الفيلم البيئي “الثلج” حول انخفاض درجات الحرارة، وذوبان ثلـوج القطـب الشمالي ونزوح الناس نحو الجنوب، أو فيلم “اليوم الموالي”، أو غيره من الأفلام البيئية الكثيرة التي تحاول التحسيس بمخاطر التغييرات المناخية.

 

وإذا كانت تداعيات التغيرات المناخية توجه التفكير، بشكل تلقائي، نحو الدول الفقيرة التي يصعب على سكانها مواجهة ظواهـر التغييرات المناخية لأسباب سياسية واقتصادية وتقنية، إلا أنه لا ينبغي أن يُفهم أن للتغييرات المناخية انعكاسات على الدول الفقيرة فقط. فالكل، يتذكر فيضانات انجلترا في فبراير 2014، وفيضانات فرنسا، وسيول إيطاليا، إضافة إلى الحرائق المتكررة في غابات إسبانيا، كما أن سلسلة الأعاصير التي تضرب القارة الأمريكية بشمالها وجنوبها، مثل إعصار كاترينا، وإعصار سـانـدي بأمريكا الذي اضطر حوالي 800 ألف شخص إلى مغـادرة بيوتهـم، كلها ظواهر تدق ناقوس الخطر على المستقبل البيئي للعالم بأسره، وليس فقط دول الجنوب.

 

إن مفهـوم المجتمع الدولي أو المنتظم الدولي، جاء ليعبر عن الانشغالات المشتركة والانتظارات المشتركة، وبالتالي يفرض نوعا من التضامن الأخلاقي بين جميع الشركاء والفرقاء. وانطلاقا من هذا تأتي ضرورة توفر إرادة حقيقية لدى الدول المصنعة للمساهمة في الدفع بآليات تنفيذ اتفاق باريس للمناخ، وتنزيل مضامينه على أرض الواقع وتشـجيع الدول على الانضمام إليه، وتنبني توصياته بشكل يجعل احترامها أمرا ملزما، لأن هذه الدول تعتبر، بكل بساطة، المساهـم الأكبر في الاحتباس الحراري وفي ارتفاع درجات حرارة الأرض وتلوث الهواء.

 

أما فيما يتعلق بالمغرب، فإن قمة مراكش المناخية تشكل واجهة جديدة تعرض فيها المملكة نموذجها التنموي واستقرارها السياسي، وتؤكد على مكانة المغرب كواحد من أكثر البلدان تأثيرا والتزاما بالمحافظة على الأمن الغذائي العالمي. فالمغرب باعتباره أكبر منتج للفوسفاط في العالم، فهو في قلب السلسلة الفلاحية العالمية؛ حيث يساهم في إنتاج الأسمدة الفلاحية والمواد الحيوية الضرورية لجودة التربة والمواد الزراعية، وهو بالضبط ما تحتاجه العديد من الدول الإفريقية، خاصة دول جنوب الصحراء ودول الساحل المتضررة من التغييرات المناخية، ما يجعل جزءا مهما من أمنها الغذائي في المستقبل مُرتبطا بالنموذج المغربي السباق إلى تجارب ومشاريع رائدة في المجال الفلاحي، كمخطط المغرب الأخضر على سبيل المثال.

 

لذلك فإن مراكش ستكون خلال أيام انعقاد قمة المناخ وجهة لمنظمات المجتمع المدني الدولي، وللمؤسسات الحكومية، ولقادة الدول الذين سيحضرون بقوة للمشاركة في الـ”كوب 22″؛ وهو ما سيجعل عدسات الإعلام العالمي تتركز على المغرب وتنقل صورة عنه إلى العالم، لذلك فإن من بين الرهانات المطروحة علينا لإنجاح هذه القمة، هو تقديم صورة مشرقة عن المغرب الذي نُحب، مغرب التنمية والتغيير والطموح والحداثة والتنوع الحضاري والثقافي، مغرب الانفتاح على قضايا العالم والالتزام بالمشاركة في إيجاد أجوبة لها. لكل هذا وذاك فقمة مراكش المناخية لا يمكنها إلا أن تنجح نظرا لقيمة الحدث ولتشعب إشكالية التغييرات المناخية.

 

الدكتور عبدالله بوصوف

لأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج