بقلم / الشيخ الوالي.

 

 

يتميز الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بالأقاليم الصحراوية بنوع من التناقضات التي تحيل طبيعتها إلى عمق الأزمة التي يمر منها مسلسل التنمية و كذلك تسيير الشأن المحلي. و لقد تولد عن ذلك عدة تساؤلات جوهرية انصبت في مجملها حول البحث عن الإجابات الكفيلة بفهم العناصر الداخلية لهذه التناقضات التي أثرت سلبا على  المسار الذي نحثه المسلسل التنموي بالأقاليم الصحراوية.

فعلا لايمكن لنا إنكار المنجزات و كذلك المراحل التي قطعتها هذه الأقاليم في عدة قطاعات اقتصادية و اجتماعية مقارنة مع بعض جهات المملكة، و ذلك بفضل استفادتها من الدعم الذي تخصصه الدولة في سبيل النهوض بالبنيات التحتية التي كانت إلى عهد قريب منعدمة أو شبه مغيبة. غير أن هذه الصيرورة التنموية اعترتها جملة من النواقص والإختلالات البنيوية الناتجة عن عدة أسباب مرتبطة أساسا بطرق تنزيل مفهوم التنمية و وسائل التسيير المتبعة من طرف الفاعلين المحليين. فبدل أن يكون الالتزام بمقتضيات التنمية مساهما في إحداث نوع من التوازن الاجتماعي بالأقاليم الصحراوية، قد أدى إلى استشراء حالات الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي في بنية المجتمع المحلي. كما تفاقمت حالات السخط من عدم قدرة المسؤولين على ملامسة مشاكل الساكنة، و انتقادهم لتبذير المال العام في أمور لا تعتبر من المطالب الأساسية للمواطنين. و نحيل القارئ على الاحتجاجات الشعبية التي واكبت السهرات الرمضانية المقامة مؤخرا بمدينة العيون. هذا الحادث يبين لنا بأن أجندة السياسات العمومية و البرنامج التنموي تم تنزيله بشكل متناقض يعكس عدم احترافية بعض المسؤولين المحليين و طبيعة المسافة التي تفصلهم عن الإحساس بمعاناة شرائح واسعة من المقصيين اجتماعيا من فوائد التنمية.

إنطلاقا من هذا المعطى  ومما سبق يمكن القول على أن المسألة الإجتماعية أصبحت تستدعي نقاشا وتحليلا عميقين بين الدارسين والباحثين بغية خلق أرضية حقيقية للخروج بتصورات معقولة ومنسجمة مع واقع حال المنطقة ، هذه الأخيرة  التي شهدت جملة من التحولات السوسيومجالية السريعة ، وفي ظرف وجيز لعبت فيه الدولة دور الذات المبادرة والمقررة كفاعل تنموي رئيسي يشخص ويقترح المقاربات التنموية، التي غالبا ما ميزها هاجس الراهنية والحلول الترقيعية. الأمر الذي تؤكده محدودية فعالية هذا النوع من المقاربات التنموية العمودية نظرا لارتهانها بمنطق و إستراتيجية في المجال التنموي غير منسجمة مع انتظارات الساكنة و الرهانات المرتبطة بتطور و تحديث آليات إنتاج التنمية.  وهذا ما يستدعي أكثر من أي وقت مضى وضع قراءة نقدية تقييمية لمسببات مفارقات المسيرة التنموية.

لذا فإن الخروج من هذا المأزق الاجتماعي أضحى يقتضي ضرورة الاستعجال في التعامل مع هذه الإشكالية من خلال التشبت بمبدأ الجهوية من أجل إعادة تصحيح المسار المتبع في مجال وضع برامج السياسات العمومية و تسهيل ولادة مجال تنموي جديد مرتكز على مبدأ التضامن المجالي بين الجهات الثلاثة بالنظر إلى قوة الإمكانات والمؤهلات التي تتمتع بها المنطقة والكفيلة في نظرنا بحل الأزمة الإجتماعية. لأن الجهوية قد تشكل مدخلا حقيقيا من أجل تصالح الساكنة مع الشأن المحلي  وفق توجه تنموي يعكس شراكة حقيقية بين الدولة وأبناء الصحراء ليكونوا طرفا في تنمية أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية شريطة أن تكون هذه التنمية الاجتماعية منسجمة مع خصوصيات واقعهم وإمكاناتهم و غير مفروضة عليهم عبر تنزيلات عمودية.

وفي الأخير، يجب إثارة الانتباه إلى مسألة مهمة متجسدة في  دخول مايعرف بالفئة ” الصامتة ” أو الفئة الثالثة من الصحراويين والتي تشكل الغالبية العظمى في اعتقادنا لمعترك التطورات التي تعرفها المنطقة و خصوصا بعد أحداث اكديم إيزيك التي شكلت مرحلة مفصلية لازالت نتائجها تنعكس بشكل أو أخر على المشهد السياسي بالأقاليم الصحراوية. هذه الفئة خرجت من صمتها نظرا لضيق الخناق عليها بسبب استيائها من طرق تسيير الشأن المحلي و عدم واقعية الإحصائيات التي ظلت تصور هذه الأقاليم على أنها نموذج يتحدى به في مجال التنمية.