عبد القادر الحيمر.

 

 

قدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون يوم الجمعة 22 أبريل 2016 تقريرا حول تطور الوضع في الصحراء الغربية، وبغض النظر عن الجانب السردي الذي خضع بدوره للانتقائية بهدف إخفاء وقائع هامة لها علاقة مباشرة بما تحدث عنه من مآسي إنسانية في الضفة الشرقية للجدار الأمني وتدهور الوضع الأمني والفشل في إنجاز المهام المرسومة وتخلف الدول عن تسديد المساعدات التي وعدت بها، فإن الاضطرار إلى الاعتراف بالتقدم الذي تحقق في المناطق الخاضعة للسيادة المغربية على مستوى شفافية الانتخابات والاستثمار في البنيات التحتية والمرافق الاجتماعية وغيرها، لم يستحضره الأمين العام في توصياته وكأنه على غير علم بالتقارير الدولية التي تربط بين هيمنة الإرهاب وبين الطرح الانفصالي في المنطقة، أو كأنه على جهل تام بأن الجزائر التي تعتبر محور المشكل لا يتردد الكثير من مسؤوليها في التأكيد على أنها صارت بدورها مهددة بالإفلاس وبالسقوط ضحية خياراتها الانفصالية.

من المحقق أن التقرير لم  يتضمن نفس المسطلحات المنحازة التي أدلى بها بان كيمون أثناء زيارته للجزائر ولكن الانتقائية التي اعتمدها في سرد الوقائع حملت ما يؤكد انحيازه للطرح الانفصالي الذي تتبناه الجزائر، فحتى على مستوى القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان فإنه تعمد التمطيط والتهويل في الفقرات المرتبطة بحقوق الإنسان داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة المغربية حتى يتسنى له تبرئة ذمة السلطات الجزائرية وقادة البوليساريو من جريمة تحويل المساعدات الدولية إلى الحسابات البنكية الخاصة التي لولاها لما صار السكان المحتجزون في مخيمات تندوف يعانون من الجوع والمآسي التي تحدث عنها الأمين العام الأممي، ولولاها لما تردد العديد من المانحين في تسديد ما بذمتهم وفي تقديم المزيد من العون بغض النظر عن الموقف السياسي لكل منهم بشأن هذا الملف.

لقد لجأ بان كيمون إلى استعمال ورقة الإرهاب من أجل تحفيز المانحين على تسديد ما بذمتهم غير أن انحيازه الواضح لأطروحة قادة الجزائر أوقع به في تناقض صارخ، فرغم أنه يخاطب المجتمع الدولي المؤهل للتمييز بين الصواب والخطأ، اعتبر أن القوات الأممية المتواجدة بالمنطقة قادرة على محاربة الإرهاب في حالة الرفع من عددها وتوفرها على الدعم المالي واللوجستيكي الكافي، والحال أن مجموع هذه القوات انحصر عند 31 مارس 2016 في 232 منهم 205 مراقبون عسكريون ينتمون ل 34 بلدا  و27 من القوات وكلهم من بنغلاديش، فإذا كانت جيوش نظامية قوية مثل الجيوش الفرنسية والبلجيكية والتركية والجزائرية وغيرها قد عجزت عن القضاء على الإرهاب فكيف للقوات الأممية أن تؤدي هذه المهمة التي ستزداد صعوبة إذا لم يعمل خاف بان كيمون على تصحيح الوضع والتوجه بشكل جدي نحو توفير شروط بناء وحدة المغرب العربي التي تمر بالضرورة عبر صلح سياسي بين المغرب والجزائر، وإذا كان الخيار الانفصالي بالمنطقة يوفر المناخ المناسب لازدهار الإرهاب في المنطقة فإن فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر هو المخرج الأقل كلفة، ليس فقط لتأمين بسط سيادة المغرب على كافة أراضيه الصحراوية، ولكن كذلك لتمكين الجزائر من تفادي مخاطر النزعة الانفصالية التي اتسعت في ولاية تيزي وزو  ومن تفادي مخاطر الإرهاب الذي يرتقب أن تتزايد في واجهتيها الشرقية والجنوبية، فالأمين العام الأممي الحالي لا تعوزه الوسائل والكفاءات للحصول على التقارير التي تؤكد هذا الطرح، ولكن تنقصه الموضوعية وتغليب منطق الحياد، فلو توفرا فيه لما وجد نفسه اليوم في نهاية عهدته يتحدث عن فشله وعن مخاطر اندلاع الحرب من جديد بالمنطقة.

لقد عبر المغرب في أكثر من مناسبة عن استيائه من التحيز الذي تتسم به تقارير بان كيمون، ومع ذلك فإنه حافظ على علاقات جيدة مع الأمم المتحدة ومع مجلس الأمن، وقد تأتى له ذلك باعتماد نهج سياسي أهله لاستقطاب الرأي العام الدولي الذي لم يعد يكتفي بتصنيفه بالدولة النموذجية في المنطقة، وإنما صار يرى فيه المعبر الضروري للاستثمار في القارة الإفريقية، بل إنه وضع ثقته فيه وجعله، عن جدارة واستحقاق يستعد لاحتضان الدورة 22 للمؤتمر الدولي حول التقلبات المناخية، كوب 22، فلو توجهت الجزائر بدورها نحو تسخير مؤهلاتها المادية وكفاءاتها البشرية في تطوير وتنويع اقتصادها الوطني لما وجدت نفسها اليوم مضطرة إلى المراهنة على تقارير مسؤولين دوليين من أجل إخفاء المشاكل الحقيقية للجزائريين، وفي مقدمتها المشاكل الناتجة عن تدهور الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفبيقة وتراجع موارد المحروقات وتعدد ملفات الفساد، فهذه القضايا وغيرها لم يعد بالإمكان إخفاءها بالتركيز على نزاعات خارجية من قبيل ملف الصحراء أو نشر الصحافة الفرنسية لصورة الرئيس بوتفليقة وهو في حالة تثير الشفقة.