بالنسبة للتعويضات  عن أضرار الحرب وجرائم الابادة والقتل باستعمال المواد المحرمة وغيرها من طرف الدولة  المسؤولة على مواطنين في دولة أخرى  , لا أرى أن المطابة بالتعويضات وجبر الضرر تكون من طرف المجتمع المدني ضد الدولة المسؤولة , اٍنما يكون الطلب بشكل رسمي من الدولة المتضررة ضد الدولة المسؤولة , وذالك لاعتبارات عدة في مقدمهتا أن الدولة المتضررة  هي التي ترث حقوق المتضررين وتسهر على اٍدماجهم ومعالجتهم وتأهيلهم واحتوائهم اجتماعيا .

 تعويضات جرائم الحرب لا تكون دائما ناجعة , لآن نتائجها رهينة بالاقرار من طرف الدولة المسؤولة , وبالمناسبة نقف عند مثال من التاريخ المعاصر ,وقع في سنة 1952  عندما جلست الدولة الاسرائلية على طاولة المفاوضات مع دولة ألمانيا , وبعد عروض ومداولات تم الاعتراف مبدئيا  من طرف الدولة الالمانية  بجرائم الحرب التي ذهب ضحيتها اليهود فيما يسمى بمحرقة الهولكست , وتم الاتفاق على تعويض وصل الى 3 مليارات من المارك الالماني , شرط أن تؤدي ألمانيا الشرقية  ثلث المبلغ من الحجم المتفق عليه , اٍلا ان هذه الاخيرة لم تعترف بالاتفاقية , لكن بعد الوحدة في سنة 1991 , وافقت المانيا على تسوية الدفعة المتبقية عن أضرار الحرب للدولة الاسراءلية .

سنة 1912 تم استعمار المغرب من طرف فرنسا بذريعة الحماية , وكانت اسبانيا قد استعمرت الشمال والصحراء فيما فرنسا  استحوذت على ما تبقى من المناطق الاخرى, و بين سنة 1921 و1927 , كانت هناك حرب بين سكان منطقة الريف والاسبان , ونظرا  لضراوة القتال, اضطرت اسبانيا  الى استعمال مواد كيماوية ممنوعة ومحرمة دوليا , أتت على أرواح مواطنين بما فيهم النساء والاطفال والعجزة , علاوة على رجال المقاومة, والغريب في الامر , هناك من عاش لكن بعاهات مستدامة , أو أمراض خبيثة يصعب علاجها .

في غضون بعض السنوات سوف يكون هذا الحدث قد وصل مائة سنة , ولا أظن أن بعد مائة سنة يمكن أن تكون هناك تعويضات عن ما فات ومات .

نحن ككتاب مغاربة ندافع عن المغرب علانية ولا ندخر جهدا في ذالك , لكن وجب الاقرار أن أحزابنا تراجعت الى الوراء كثيرا وفقدت  من لمعانها ومصداقيتها  , بل أكثر مما كان متوقعا , وذالك عندما صعد الى قيادتها أمناء دون التطلعات المرتقبة ودون ثقافة سياسية , أقولها لآنه واجب علينا كأمانة بين أيدينا نظرا لما نحاول أن نقوم به في مجال تخليق الحياة العامة .

لقد كان من الواجب أن تتوحد الاحزاب وتقوم بضغط على الحكومة حتى ترفع الملف الى درجة المطالبة بالعويضات , بل أكثر من ذالك , كان عليها أن تقوم بعملية التحسيس والتوعية في هذا المجال حتى تتكون  لدى المواطنيين فكرة واضحة عن جرائم الحرب التي ارتكبت في حقهم .

دول كثيرة , حاولت المطالبة بالتعويضات ونجحت , وأخرى لم تلو على شيئ يذكر .

 في سنة 2008 قدمت ايطاليا حوالي 5 مليار دولار كتعويض  لدولة ليبيا عن 40 سنة من الاستعمار 1911- 1949. في عهد الزعيم معمر القدافي من الجانب الليبي وسيلفيو برلسكوني من الجانب الايطالي .

دولة اسرائيل قاطعت أكثر من مرة جلسات مجلس حقوق الانسان ومجلس الامن في حربها على فلسطين , بل أكثر من ذالك رفضت تطبيق جميع ما صدر من مجلس الامن كعقوبات او تعويضات .

مؤخرا تقدمت اليونان بطلب الى الاتحاد الاروبي تطالب فيه بتسديد ما قدره 279 مليار اورو من دولة المانيا , تعويضا عن جرائم الحرب العالمية الثانية التي لحقت بدولة اليونان, لكن ألمانيا لم تعترف بذالك .

بغض النظر عن المنشئات التي يخلفها الاستعمار , فالمطالبة بالتعويضات تبقى من الاوليات , طبعا الدولة هي التي تجند خبراء للقيام بدراسات معمقة معززة بالشواهد والارقام  لمعرفة مدى حجم الخسائر المادية والتاريخية والاجتماعية .

العبرة في المطالبة بالتعويضات عن فترة الاستعمار تبين مدى وعي المجتمع بكل مكوناته , خاصة الاحزاب التي هي صلة وصل بين الحكومة والمواطنين وراعية الوعي والتشبث بقيم المواطنة والوحدة الترابية  والدفاع عن المواطنين في جميع مراحل التاريخ .

الاشكالية الكبرى التي يواجهها المغرب بصدد المطالبة بتعويضات الاستعمار من الدولة الاسبانية والفرنسية هو أن الاولى جزء في منظومة مجلس الامن , والثانية لها حق الفيتو في ذات المجلس .

ربما من  المخاوف التي تجعل المغرب  لا يجرؤ على استعمال هذا السلاح هواحتمال  تحالف الدولتين ,وربما حشد أكبر عدد من الدول ضد المغرب فيما يسمى بقضية الصحراء دوليا  . وهذا الحشد يمكن أن يضم دولا مجاورة وأخرى بعيدة , من قارات مختلفة .

هذا التحايل في التكالب والحشد ضد دولة معينة  ليس جديد علينا حيث شاهدنا تحالف 33 دولة بقيادة الولايات النتحدة الامريكية في بداية التسعينات من القرن الماضي ,حيث تم الاعلان عن حرب ضد العراق دون ترخيص من هيئة مجلس الامن ,  بذريعة امتلاكه – اي العراق –   سلاح الدمار الشامل .

والقصة يعرفها الصغيروالكبير , حيث دمر العراق عن آخره , وأعدم الرئيس  صدام , ولازالت تداعيات تلك المحنة لم يخرج منها العراق الى يومنا هذا .

من هذا المنطلق وجب اتخاذ الحذر ودراسة التداعيات التي يمكن ان ترافق المطالبة بالتعويضات والتي يمكن ان  تأخذ مجرى آخر , غير مألوف وغير منتظر وغير متوقع .

كثير من الناس مثلا , لا يعرفون أن مدينة سبتة ومليلية المحتلتين من طرف الاسبان وهما فوق الثراب المغربي , في قاموس الامم المتحدة والاتحاد الاروبي لا يعترفون أن مدينة سبتة ومليلية  محتلتين , بل هما حدود طبيعية للدولة الاسبانية .

من هنا يجب الاقرار أن المطالبة بحق مهضوم من طرف دولة واحدة ممكن , لكن المطالبة بحق مغصوب تقف وراءه ثلة من الدول , يبقى صعب المنال .

مؤخرا , كثر اللغط عن حقوق الانسان في الصحراء المغربية بالضبط , وبدأت تتدخل اِسبانيا في مساءل تمس سيادة المغرب  من بوابة متابعة مسؤولين مغاربة فيما يخص ما جرى في الصحراء المغربية سنوات خلت, وهو أمر مخالف لطبيعة القانون الدولي, لكن حينما تكون خطة مبيتة , يصبح جائزا ومباحا كل عذر يؤدي الى الهدف المنشود .

يتابع الراي العام عن كثب كل ما يجري في العالم , ورغم وجود  بؤر كثيرة هي بأمس الحاجة الى مبعوثي الامم المتحدة مثل , ما يقع في بورما , والمجازر الدموية في وسط افريقيا و في غزة , وفي منطقة الباسك الاسبانية التي تنادي بالاستفلال الذاتي ونيجيريا وليبيا وسوريا والعراق وافغانستان واكرانيا و..

لكن الاهتمام منصب على الصحراء المغربية , وكأن مخطط يدور في الخفاء , ونحن لا نرى  اٍلا منه اٍلا القليل .

 

محمد بونوار كاتب مغربي مقيم  بالماتي