بعد حادثة شارلي ايبدو الاليمة ، اصبح مفهوم حرية التعبير يتداول بشكل وا فر في كل وسائل الاعلام من طرف المؤسسات الحكومية او الخصوصية.

و في الوقت الذي تستميت فيه الجهات الرسمية في الدفاع عن هذه الحرية الثمينة،فان مؤسساتها تقود حملاتها  القمعية بالإدانة أحيانا و بالسجن احيانا اخرى.  فكل من يعبر عن فكر مخالف للخطاب الرسمي ، يفسر بأنه  تبريرللإرهاب. وقد شاهدنا امثالا كثيرة عن ذلك في الاونة الاخيرة مست طفلا لا يتجاوز سنه ثمان سنوات.

ربما وبحسن نية يتم الدفاع عن حرية التعبير كأداة تدا فع عن مصالح الجميع . لكن سرعان ما يتضح ان هده الحرية لا يستفيد منها الجميع. نرى مثلا بعد الصحافيين ادوي بلينل او المفكرين نوام تشومسكي او حتى الكوميديين الساخرين ديو دوني لا يتم استدعائهم الى البرامج التلفزية التي لها تاثير واضح على الراي العام. في نفس الوقت الذي لا تجد في هذه الاصوات منابر كافية للتعبير عن ارائها بكل حرية، نسمع كثيرا عن برنار هنري ليفي و ايريك زمور لا لشيء،  لان هؤلاء يعبرون  تفكير يساند النخبة الحاكمة. و بالتالي فهو مسموح لهذه النخبة و ممنوع على الأخر. وإلا كيف نفسر هذا الحرص الشديد على خنق صوت كل من يقف ضد التفكير المهيمن. وننظر أي مصيرالنقابيين المعارضين و المثقفين والصحفيين والكوميديين و….

وسائل الإعلام الرئيسية التي لها تأثير كبير على الرأي العام، تتركز في أيدي المجموعات الصناعية والمالية القوية وتستخدم حرية التعبير فقط لخدمة المصالح الاقتصادية والأيديولوجية الخاصة بها. حرية التعبير لا تزال امتيازا لفئة معينة تحظى برضا النخبة الحاكمة.

كل فكر يعبر بشكل مباشر أو غير مباشر  عن المصالح النخبوية يعتبر فكرا حرا و على العكس كل فكر مختلف او معارض ينظر اليه كفكر مشبوه بل  يجرم  أحيانا. حتى الأطفال والمراهقين لا يعفون من هذا المنطق  القمعي حين يعبرون عن افكارهم ولو بعفوية ما دام هدا التعبير لا يتماشى مع الحقيقة الرسمية . والسؤال المطروح هنا اليس هذا القمع هو في حد ذاته إنكار صارخ لحرية التعبير؟

ترى كيف يمكن ايجاد حل لهده المعادلة المستحيلة خاصة داخل اطار المدرسة التي تخول مبدئيا طرح كل الاسئلة و الاطروحات حتى تلك التي تعارض الخطاب الرسمي بدون رقابة. ولقد سمعنا جميعا البعض يصرح “نعم أنا أؤيد شارلي ، ولكن … ”  هذه الجملة لا تطاق بل ترفض رفضا باتا و بلا نقاش.  لماذا الدفاع عن حرية التعبير هنا وليس هناك؟ لا مجال اذن للاسئلة و النقد للجميع في ظل الممارسةو الرقابة من طرف الإدارة والشرطة والمدعي العام.

يجب الا كتفاء بترديد انا شارلي وهو الخطاب المسموح من طرف النخبة الحاكمة . اي تساؤل عن علاقة هدا الحادث الارهابي و الجدور العميقة التي ادت اليه لا يسمع.  لا يسمح لاي مواطن ان يجرا  ان يتسائل  عن دور الولايات المتحدة ، بعض الدول الاوروبية  ،السعودية ، قطر، وتركيا في خلق تلك المجموعات المسلحة التي تنشر الرعب في جميع أنحاء المعمورة. لا يسمح لهم الا بشيء واحد فقط تكرار الخطاب الرسمي و اي تساؤل عن الاسباب الداخلية و ا الخارجية المعقدة للارهاب سيسلط الضوء على الروابط الوثيقة بين الحكومات الغربية والإرهاب.

هذه الأسئلة لا تقبل من طرف الجهات المسؤولة ودلك لان هده الاخيرة  ليس من مصلحتها دعم حرية التعبير الحقيقية اي الدفاع على الراي الاخر ايضا. و لتحقيق اغهراضها فهي تعتمد قوانين جديدة بشكل مستمر،قوانين قمعية تحمي حريتها المطلقة في التعبير، وبالتالي مصالحها الخاصة ولا ادل على دلك من المادة الجديدة 421- 2-5 من القانون الجنائي الفرنسي مثلا. وهكذا فإن مصطلح«تمجيد الارهاب» الوارد في قانون 13 نوفمبر 2014 يشير إلى اي قول أو رأي  يمجد الإرهاب. ارى هنا ان هدا القانون يخلط بين الرأي و الفعل اي ان كل راي يبرر الإرهاب هو مشابه لعمل إرهاي وهدا يعتبر تقييدا لحرية التعبير كما نصت عليه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

والى جانب  القانون ، تستغل الاجهزة الحاكمة البعد السياسي والأيديولوجي لترسيخ مفهوم حرية التعبير اللدي يخدم المصالح النخبوية ، كل هدا تحت  عنوان النضال ضد الإرهاب. هدا يسهل بالطبع تحقيق هجمات مستمرة ضد  الحريات الفردية و تنفيذ سياسات التقشف التي تفتك بشعوب الاتحاد الاوروبي.

حالة والغضب والسخط التي أثارتها حادثة شارلي ابدو، حالة عاطفية  يجب أن  تهيمن على النفوس  لأطول فترة ممكنة لان  ذلك يخدم مصال  النظام الحاكم . “روح التعاطف ليناير 2015 يعتبر في حد داته وحدة جمهورية […] هذا التعاطف، لا بد ان يستمر”  كما قال فرانسوا هولاند في خطابه بعد فاجعة شارلي ايبدو.

مفهوم حرية التعبير يعتبر سلاحا أيديولوجيا خطيرا في أيدي الاجهزة الحاكمة لمحاربة الراي الآخر واسكات الاصوات المخالفة

بقلم : مينة لعرابي