من هي الجهة أو الجهات التي تريد الإجهازعلى المكتسبات التي تحققت لفائدة الجالية المغربية المقيمة بالخارج؟ وهل مواقف الجالية من عدة قضايا، أضحت تزعج تلك الجهات التي حاولت خلق مبررات لإبعاد الجالية من صناعة القرارالسياسي.

مما لاشك فيه أن تاريخ محاربة مغاربة العالم من المشاركة السياسية مر بمرحلتين:
المرحلة الاولى في عهد وزير الداخلية السابق الراحل إدريس البصري،عندما نعث مغاربة العالم بالتطرف والتشدد في معالجة قضايا المغرب، مسخرا كل الاجهزة المخابراتية لمتابعة ومراقبة تحركات مغاربة العالم خصوصا في عهد الوداديات، هادفا من وراء ذلك استبعاد هذه الفئة من المشاركة والمساهمة في التنمية الوطنية ، وظلت مقاربته الأمنية تعتمد على جلب العملة الصعبة لاغير،في حين بقى التهميش والاهمال من نصيب تلك الفئة التي حرمت من حق ممارسة المواطنة، لكن نضال الاحزاب السياسية الوطنية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الى جانب بعض الفصائل التقدمية بصحبة تنظيمات جمعوية بالمهجر،ظلت تقاوم في سبيل إقرار حق المشاركة، لفائدة مغاربة العالم، كما يتضمنه الدستورالحالي.

إنها ارادتين، الأولى داخلية تتمثل في القوى الوطنية والمجتمع المدني وأخرى خارجية في مقدمتها الوداديات الى جانب دينامية المجتمع المدني بالمهجر ، ناضلتا معا من أجل أن تكون لهذه الفئة نصيب من المشاركة السياسية ، وكذا المساهمة في التنمية الداخلية للوطن، من هنا أتت رغبة ملكية، لتأسيس مجلس الجالية، كمؤسسة استشارية، تحرص على وضع قضايا وإهتمامات مغاربة العالم في صلب القضايا الوطنية.

اما المرحلة الثانية والحالية تزعمها من وضعت فيهم الثقة الملكية، على رأسهم بعض قادة مجلس الجالية، فصار شغلهم الشاغل هو تسخير أقلام مأجورة الى جانب خرجاتهم الاعلامية من حين الى الاخر،بل الاكثر من ذلك، عملت تلك القيادة على خلق جو من التوتر وتزكية الصراعات في جسم مغاربة العالم ، ومناصرة طرف على الاخر، وأصبحت القاعدة القانونية المعمول بها، من يتملق ويخضع لتعليمات قادة المجلس هم فعاليات جمعوية بالمهجر، كما وقع مؤخرا بمنتدى مغاربة العالم الذي خلف غضب وسخط فئة عريضة من مغاربة العالم، نظرا للسرية التي تمت بها عملية التأسيس، ناهيك عن تغييب القضايا الحقيقية للمهاجرين، في ظل أزمة اقتصادية تعيشها بعض الدول، خلفت ضحايا وأسرعرضة للضياع والتشرد ، تعيش على ماتجود به الكنائس… في غياب غير مبرر لمؤسسة من المفروض أن تعمل على اعداد خطة تحفظ كرامة رعايا الملك بالمهجر.

إنها أسئلة حارقة تجد مبرراتها في الوقت الراهن من منطلق محاولة بعض الجهات، تسخيرأقلام مشبوهة للتشويش على تلك المكتسبات، والسعي لعرقلة رهان التمثيلية التشريعية للجالية، ومشاركتها السياسية في الاستحقاقات المقبلة.

وانطلاقا مما سبق ذكره، لا أدري كيف أن بعض أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارجة ممن تصنف نفسها ضمن خانة “النخبة”، لازالت تفضل السباحة ضد التيار الداعي إلى ضرورة تمثيلية هذه الجالية بالبرلمان المغربي في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وذلك بتوجيه سهام نقذها إلى مجموعة من الغيورين على المصلحة العامة للجالية.

مناسبة حديثي عن موضوع “الجدل” الدائر حول ضرورة تمثيلية الجالية المغربية داخل قبة البرلمان المغربي، نابعة من قناعات شخصية لا محيد عنها، المتمثلة أساسا: الانخراط في كل المبادرات التي تدافع عن حقوقنا كمغاربة نمثل بلادنا في ديار المهجر،ودعم جهود الأحزاب السياسية والقوى الحية التي بدورها تعمل على تحقيق المزيد من المكتسبات التي من شأنها خدمة المصلحة العامة لأفراد الجالية المغربية، تماشيا مع روح الدستور الحالي للمملكة لاسيما فصله 17، علما أن الأحزاب المغربية، تسير في اتجاه ضرورة تمتيع مغاربة العالم بحقوقهم كاملة خاصة منها حق التصويت والترشح، وصولا إلى تمثيليتهم بالبرلمان،وذلك من خلال دعم مبادرة نشطاء من أفراد الجالية الذين كانوا وراء طرح فكرة (التمثيلية التشريعية) في العديد من المناسبات، قبل أن تزداد هذه الفكرة نضجا مع مرور الوقت، وتتحول إلى مطلب لامحيد عنه، خاصة بعد تدخل جمعيات المهاجرين المغاربة، والأحزاب السياسية على الخط، حيث أفضت هذه الجهود إلى تقديم فرق برلمانية لمقترحات قوانين للجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة،بهدف تعديل القانون التنظيمي الذي من شأنه تمكين مغاربة العالم من التوفرعلى تمثيلية داخل المؤسسة التشريعية،وفق مقتضيات دستور 2011 المعمول به حاليا.

لذلك أستغرب لبعض المفارقات التي تأتي على لسان بعض من أفراد الجالية، تهدف إلى معاكسة التوجهات العامة، ومحاولة الإجهاز على مكتسب التمثيلية السياسية بالبرلمان المغربي على أرض الواقع والممارسة الفعلية، متناسين أن أهمية روح المواطنة تكمن في دعم سيرورة البناء الديمقراطي الذي تشهده بلادنا، على اعتبار أن مفهوم المواطنة التي يتمتع بها المغاربة سواء في الداخل أو الخارج،هو مرتبط أساسا بتمتع أفراد الجالية بالمشاركة السياسية، من خلال الحق في التصويت والترشيح، تماشيا مع مضامين الدستور، وأن أي رأي مخالف لذلك، يعتبر ضربا للمسار الديمقراطي، الذي لم يتأت إلا بفضل نضالات القوى الحية بالمغرب الممثلة داخل الأحزاب، إلى جانب شرفاء أفراد الجالية المغربية، لذلك فإن المكاسب التي حققتها الجالية المغربية بمعية الأحزاب السياسية،في انتظار تحقيق التمثيلية بالبرلمان، التي يجب استثمارها في أفق ضمان مشاركة فعالة ومؤثرة في صنع القرار السياسي بالمغرب، خدمة للمصلحة العليا للبلاد والعباد، علما أننا نعي جيدا أن بعض أفراد جاليتنا، تحولوا بين عشية وضحاها إلى أشخاص يتكلمون باسم الجالية، ويتبنون مواقف معاكسة لتطلعاتها ومصالحها، وذلك بسبب محاولتهم البحث عن موطأ قدم بالمؤسسة التشريعية خارج القواعد الديمقراطية، بعد فشلهم في إثبات ذاتهم في ديار المهجر في المجال العلمي والثقافي والسياسي، والاقتصادي….، بل أكثر من ذلك، فإن الجالية المغربية المقيمة بالخارج بمختلف شرائحها، وتوجهاتها الفكرية والسياسية، تجمع اليوم على أن لديها قناعة راسخة وإيمانا قويا، بأن السياسة المغربية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، تضع نصب أعينها مصلحة مغاربة العالم بما فيها التمثيلية التشريعية، وما يكرس هذا التوجه، هو تغيير النظرة حول المهاجرين المغاربة بكونهم مجرد “بقرة حلوب” يساهمون في جلب العملة الصعبة فقط، بل أصبحوا اليوم شركاء حقيقيون في مخططات التنمية بالمغرب، من خلال سياسة الاعتناء بالعنصر البشري الذي قال عنه الملك محمد السادس في إحدى المناسبات، إنه يمثل الرأسمال الحقيقي للمملكة المغربية، بدليل تشبث مغاربة المهجر بوطنهم الأم، وملكهم .

لذلك كفى من المزايدات السياسوية التي لا تخدم مصلحتنا كأفراد نمثل الجالية المغربية بديار المهجر، علما أن المشاركة السياسية للجالية، من شأنها المساهمة في تجديد شرايين المشهد السياسي،والاقتصادي والثقافي،وزرع روح الثقة في مؤسسات الدولة، واستقطاب رؤوس أموال خارجية قصد تعزيز فرص الاستثمار،وما يحمله ذلك من ايجابيات على الاقتصاد الوطني، وفرص التشغيل، لأننا نؤمن بقدر ما لدينا حقوق، هناك واجبات تتمثل في الدفاع عن الوطن والتصدي إلى كل المحاولات الرامية إلى التشويش على المسلسل الديمقراطي الذي قطعته بلادنا عكس دول عربية أخرى تعيش اليوم على إيقاع الانفلات الأمني وعدم الاستقرار.

عبد المولى البصراوي / إيطاليا