مارية الشرقاوي
جل القضايا سواء كانت سياسية ، اجتماعية ، اقتصادية او ثقافية تتعلق بالمجتمع ،لا يمكن أن تبحث بعيداً عن قضية المرأة ، التي تشكل عقدة مجتمعية على كل الأصعدة ، من الفرد إلى الأسرة إلى السلطة .والمواطنة كموضوع سأناقشه من خلال هدا المقال ، هي في ابسط تفسير لها تعني الانتماء إلى الوطن في ظل حقوق الإنسان ، حيث تلتزم الدولة اتجاه مواطنيها بتقديم الخدمات الضرورية ، من خلال مؤسسات يستحيل على المواطن القيام بها ،في مقابل واجبات يتعين على المواطنين تقديمها خدمة لوطنهم، كالدفاع عن الوطن مثلا .ادن فالمواطنة هي علاقة جدلية قائمة بين المواطن والدولة ،فهي علاقة تتسم بالتداخل والتجاذب كل من موقعه.والمواطنة تقتضي سمو الانتماء الوطني على أي انتماء أخر سواء كان طائفيا أو قبليا أو مذهبيا .مما يقتضي توفر مناخ تسوده الديمقراطية ،( الحرية ،الحوار ،احترام التعددية ،……. إلى غير دلك) . والمرأة المغربية في علاقتها مع الوطن ،عرفت تغيرا ت تدريجية ، فإلى عهود قريبة كانت تابعة و مرتبطة بالرجل مسئولا عنها أبا أو أخا أو زوجاً إلا انه ومند عهد جلالة المغفور له محمد الخامس ، كانت البداية في تحرر المرأة من التبعية للرجل وفك دلك الارتباط المحكم معه ، ليصبح للمرأة موقفها الخاص الذي ستكون مسئولة عنه حتى وصل الأمر فيما بعد إلى مرحلة المساهمة في صنع القرار ولو بشكل خجول ، فصارت اليوم تضحية المرأة بحياتها من اجل قضايا وطنها الكبرى من الأمور الطبيعية وقد تأتت هذه المرحلة بعد اندماجها في الحركات الوطنية وتفاعلها معها وقيامها بدور بارز في الانعطافات الوطنية التي مر بها المغرب ، كدورها في مقاومة الاستعمار ومشاركتها في المسيرة الخضراء بنسبة عشرة في المائة من مجموع المشاركين .ففي هاتين المرحلتين نجد أن المرأة مارست المواطنة في جانبها الخاص بالواجبات في أبهى تجلياتها،حيث شاركت المرأة في مقاومة المستعمر ،بحملها للسلاح وتوزيعه ، وتقديم بيوتها مأوى لرجال المقاومة ،وإسعافها للجرحى ، وانخراطها في معارك التحرير كمعركة الهري و أنوال وبوغافر .واذكر على سبيل المثال أسماء لنساء شاركن في تحرير بلدهن كالسيدة خديجة البلغمي أرملة الشهيد علال بن عبد الله، بريكة بنت العربي زوجة المجاهد عبد الرحمان الروداني ،محجوبة الشدرة زوجة المجاهد الكبير إدريس بن بوبكر، كما أن انخراط المرأة المغربية في المقاومة كلفها أحيانا النفس ، كحال القبطان ثريا الشاوي التي استشهدت في ريعان شبابها ، وقدأفادت إحصائيات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن الحاملات لصفة مقاومة بلغ عددهن 446، 303 منهن نشطن في فترة مقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، 56 شاركن في جيش التحرير بالشمال ، و87 شاركن في جيش التحرير بالجنوب ، ورغم أن المندوبية تؤكد وجود نساء كثيرات شاركن في المقاومة الى جانب الرجال ، إلا أن الإحصائيات التي تتوفر عليها تفيد بأنه وجدت 50 مقاومة بالعيون، 39 بخريبكة ، 37 بأكادير ، 30 بوجدة، 21 بالرباط ،13 بمراكش و11 بفاس، وغيرها من المدن من شمال البلاد إلى جنوبها .
ادن في تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب ، توحدت جهود كل من المرأة والرجل في مقاومة المستعمر فألغي التمييز لأن هدفهما كان واحدا ألا وهو الرغبة في استقلال المغرب.
فباستحضارنا للذاكرة المغربية ،نجد أن المرأة المغربية كانت حاضرة بقوة ،في محطات فارقة من تاريخ المغرب ، من حيث الثقافة والعلوم في تجل واضح لقدراتها ،لكن خضوعها للأفكار البالية التي اختزلت دورها في الإنجاب و خدمة أهل البيت، حرمها من الحق في التعليم والثقافة الدين اعتبرا في تلك الفترة هدرا للمال والوقت . إلى أن تحررت على يد جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه ، الذي أكد على ضرورة ولوج المرأة المغربية للمدارس من أجل التعليم ، إيمانا منه بأهمية تحرير الفكر قبل الأٍرض ، فألقى خطابه التاريخي بجامع القرويين سنة 1943 نادى من خلاله بوجوب تعليم الفتاة المغربية، لأن جلالته كان يدرك إدراكا تاما بأن تحرر المرأة عقلياً ، فكرياً ونفسياً يحررها اقتصادياً من أية تبعية ، مما يؤهلها لبناء ذاتها وأسرتها ، ويعمل على إدماجها في قضايا مجتمعها الكبرى ، مما يهيئها للمشاركة في صنع القرار بعيدا عن التأثيرات التي يمكن أن تحكمها،وبالتالي تستطيع تقديم واجباتها نحو وطنها كمواطنة.
وجلالة الملك محمد السادس ، عمل مند توليه عرش أسلافه المنعمين على تشجيع المرأة للحصول على حقوقها كمواطنة في جميع المجالات ،السياسية منها والاجتماعية والثقافية ،ففتح لها فرصة إثبات الذات ، سواء على المستوى الفكري أو الإبداعي ،كما ولجت المرأة المغربية في عهده مراكز القرار ،حيث مافتئ ينص في مجموعة كبيرة من خطاباته على ضرورة تمكين المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، باعتبارها شريكة للرجل في جميع المجالات . فكانت خطبه تتعرض مباشرة للاختلالات و الأزمات التي يعرفها المغرب في التعاطي مع موضوع المرأة ، ومن جملة الخطب التي أكد فيها على ضرورة إنصاف المرأة وإشراكها في جميع ما يهم بلدها الخطاب السامي الذي ألقاه بمناسبة ثورة الملك والشعب سنة 2003 وفيما يلي مقتطف منه “….. وقد ارتأينا أن يكون أفضل تعبير عن الوفاء لروح ثورة الملك والشعب في عيدها الذهبي، وخير منطلق لمواصلتها، تجسيد إرادتنا الراسخة لإنصاف المرأة المغربية التي لا قوام للديمقراطية وحقوق الإنسان بدون رفع كل أشكال الحيف عنها وتكريمها المستحق……” والخطاب الذي ألقاه بمناسبة إصدار مدونة الأسرة الذي وضع كديباجة لها لما تحمله من رسائل قيمة في حق المرأة والأسرة معا،وكذلك ادكر رسالته السامية التي وجهها إلى المشاركات في القمة العالمية للنساء بمراكش ، التي تلتها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء في مراسيم افتتاح أشغال هذه القمة : “……وإننا منذ تولينا مقاليد الحكم لتسيير شؤون شعبنا ما فتئنا نعمل جادين على النهوض بالمرأة المغربية وصيانة حقوقها التي من خلالها ساوى ديننا الحنيف بينها وبين الرجل مواصلين بذلك السياسة النيرة لأسلافنا المنعمين……” ،واستحضر كذلك مقتطف من الرسالة السامية التي وجهها جلالته إلى المشاركين في الدورة الخامسة للقمة العالمية لريادة الأعمال”….. وإن المجتمع المفعم بروح المبادرة، الذي نتطلع إليه، كفيل بتحقيق تكافؤ الفرص للجميع، من خلال تحفيز وتشجيع النساء والشباب على التحلي بروح المبادرة، لأن دورهم في هذه المنظومة ينبغي أن يكون أكثر تأثيرا، كقوة اقتراحية وعملية، في خدمة النمو الشامل والتشغيل……”
وفعلا ، فقد تحققت للمرأة المغربية في عهد محمد السادس العديد من الحقوق التي تعتبر عنصرا أساسيا في المواطنة ،والتي كانت سلفا ضربا من الخيال ادكر منها:
*مدونة الأسرة التي اعتبرت مقتضياتها حداثية ترنو إلى تأسيس مجتمع متوازن يحفظ لكل فرد حقوقه وواجباته بما يساهم في تكوين نشء سليم يؤمن بالمساواة وقادر على تطوير مؤسسات المجتمع،فمدونة الأسرة أنصفت المرأة التي كانت تعاني من الحيف في ظل مدونة الأحوال الشخصية ،وجعلت المسؤولية على الأسرة مسؤولية مشتركة بين الزوجين ، وما جعل جلالته ليوم الإعلان عن تعديل المدونة أمام البرلمان يوما وطنيا يحتفي بالمرأة المغربية (10 أكتوبر من كل سنة) ، إلا تجسيدا لحرص محمد السادس على السير قدما نحو بناء دولة الحق والقانون التي تكرس المساواة بين الرجل والمرأة.
* تعديل قانون الجنسية : ففي خطاب العرش الذي ألقاه جلالته بمدينة طنجة في 30 يوليوز 2005، قرر الملك محمد السادس تخويل الأم المغربية، حق منح جنسيتها لأبنائها من زوج أجنبي، في تعديل تاريخي لقانون الجنسية، لتصبح هده الأخيرة مترتبة على النسب أو البنوة، بعد أن كانت تقتصر على الأب فقط ولتشمل منذئذ المرأة المغربية التي أضحى بإمكانها نقل جنسيتها إلى أبنائها..
*تعديل مدونة الانتخابات حيث أعطيت للمرأة مكتسبات مهمة تتمثل في التمثيلية داخل البرلمان وفي المجالس المحلية والجهوية.فنظام الكوطا وسيلة للتغلب على فجوة التصويت على صعيد الجنس وتشجيع المرأة على المشاركة في الحياة السياسية.
*مدونة الشغل التي نصت على مبدأ احترام حقوق الإنسان ومنع التمييز بين الرجل والمرأة في الأجر، إذا ما تساوت قيمة العمل الذي يؤديانه. كما يمنح هذا القانون من خلال بعض مواده امتياز الأمومة للام الأجيرة بتمتيعها بحق الاستفادة من عطلة قصد التفرغ لتربية مولودها ولو أنها عطلة غير مدفوعة الأجر.
*دستور 2011 الذي منح للمرأة مكانة عالية ومهمة إلى جانب صنوها الرجل،حيث جعلها تتمتع بحقوق المساواة والحريات المدنية بما فيها الاجتماعية،السياسية ،الاقتصادية ،الثقافية والبيئية التي تسعى بها الدولة المغربية إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء،فنص في الفصل 19 على أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء ،كما أتى على ذكر مصطلح المواطنات تصريحا وليس تلميحا في 19 فصلا .
* إعلان جلالته عن سحب المملكة للتحفظات المسجلة بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بمناسبة الذكرى الستينية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة2008.
* تعيين جلالته العديد من النساء في المناصب العليا والسامية حيث عمل على تعيين أول امرأة في منصب عامل (عمالة عيش الشق)، فاتحا بذلك الباب على مصراعيه أمام المرأة لتتقلد مناصب عليا في الإدارة المغربية،و آخرها تعيينه للسيدة زينب العدوي كوالي لجهة الغرب شراردة.وما رمزية تعيينه لزليخة النصري كمستشارة لجلالته إلا دليل على إيمانه بان المرأة المغربية قادرة على تحمل المسؤولية في شتى المجالات .
فبفضل الإرادة السياسية لجلالة الملك محمد السادس أصبحت تكتسي الحركة النسائية في عهده أهمية بالغة من حيث المشاركة في التحولات التي تعرفها وضعية النساء، فأصبحت تشكل قوة اقتراحية وقوة ضاغطة، وغدا عملها أكثر احترافية ، لتطور خبرتها في شتى المجالات.
من خلال ما سبق ذكره،نجد أن المرأة المغربية اختزلت الزمن الضائع في عهد جلالة الملك محمد السادس ،من حيث التشريعات ،وتقلد المناصب العليا التي ظلت حكرا على الرجل لردح من الزمن، لكن وجود دستور متقدم وترسانة قانونية مهمة دون تفعيلهما على الوجه الأكمل تبقى نصوصا يتيمة وعقيمة لا جدوى منها.
فدستور 2011 الذي جاء بعد حراك عرفه المغرب و الذي كان انعكاسا لما يسمى بالربيع العربي الذي اجتاح مجموعة من الدول العربية، نص في الفصل التاسع عشر على السعي للمناصفة،لكن عند تشكيل الحكومة في نسختها الأولى تم استوزار امرأة واحدة ،وضرب الفصل 19 عرض الحائط من حيث التفعيل ،بل تم تسجيل تراجع عن المكتسبات السابقة،أما في النسخة الثانية من تشكيلة الحكومة،نجد وزيرتان و 4 وزيرات منتدبات ناهيك على أن أول وزيرة من حيث الترتيب الوزاري تحتل المرتبة 21.
أما إن تحدثنا عن تمثيلية المرأة في البرلمان فتلك معضلة كبرى ، فتواجدها بهذه القبة خجولا جدا ، مقارنة مع النساء الفاعلات سياسيا،وعدد ساكنة المغرب من النساء،فخلال هذه الولاية التشريعية لدينا فقط 67 برلمانية 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة الوطنية “الكوطا” أما البرلمانيات اللواتي مررن عبر الانتخابات فهن سبعة فقط .
وإشكالية ضعف تمثيلية المرأة في المؤسسات المنتخبة لا يقتصر على البرلمان فقط بل أيضا في الجماعات المحلية فقد أشار إلى هده المعضلة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الخطاب السامي الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان حيث قال جلالته : ” ……ومع تهانئنا للمنتخبين الجدد، واعتزازنا بارتفاع نسبة الشباب الأكثر تأهيلا، فإن التمثيل الضعيف للنساء في الجماعات المحلية يجعلنا نتساءل: إلى متى سنستمر في اللجوء إلى التمييز الإيجابي القانوني، لضمان مشاركة واسعة للمرأة في المؤسسات ؟ لا ريب أن الأمر يتطلب نهضة شاملة، وتحولا عميقا في العقليات البالية والوعي الجماعي، وفتح المجال أمام المرأة، بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية، لما أبانت عنه من جدارة واستقامة وتفان، في خدمة الصالح العام.”
وهدا يدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات :
*ما هي الأسباب التي تحول دون تحقيق تمثيلية نسائية مهمة بالمؤسسات المنتخبة تليق بالمرأة المغربية وتتماشى مع دستور 2011 منطقا وروحا ومع الإرادة السياسية لجلالة الملك محمد السادس ؟
*لمن تعطى الأصوات النسائية في الانتخابات؟علما بأن عدد الساكنة من النساء تعرف ارتفاعا مهما ، و أن الحملات الانتخابية تلعب فيها المرأة دورا كبيرا مما يجعل الرجل يعتمد عليها في حملاته؟
هل أحزابنا السياسية عقيمة وغير قادرة على إنجاب نساء باستطاعتهن تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام ؟
إذا كان الجواب نعم، فسيكون دليلا على أن لدينا أحزاب فاشلة ،غير ناجحة في تأطير المواطنين،وتكوين الخلف ،لكن على مستوى الواقع فالنساء فاعلات وحاضرات بقوة في الأحزاب،والنماذج كثيرة ومعروفة ،إلا أن هناك خلل ، فالمرأة المغربية ، لازالت تعاني من سجنها في إطار أنموذج ثقافي يتغذى من فكر ذكوري ، يؤثر على قيم المجتمع باعتباره منتوج الفكر العام المؤسس للعلاقات والمحدد سلفا مسافات التحرك ، مما يحرمها من أهم حقوقها كمواطنة.
فمجتمعنا لازال مجتمعا ذكوريا لا يعترف بقدرة المرأة على تدبير الشأن العام .وليست هناك رغبة داخل الأحزاب في تحقيق المساواة على الساحة السياسية التي لازالت حكرا على الرجل بل وبامتياز، وما يتشدق به الساسة في المنابر الدولية والوطنية ما هو إلا تزويق كلامي لتجميل الصورة للرأي العام الداخلي والخارجي الشيء الذي يحيلنا على تساؤل كبير، كيف لمن يفتقر للديمقراطية أن يعمل على تصديرها وتكريسها؟

وخلاصة القول فمن المعيقات التي تحول دون اكتساب المرأة المغربية لمواطنة كاملة ادكر
* استفحال الأمية وظاهرة الهذر المدرسي في صفوف النساء الشيء الذي يؤدي إلى إبادة الطاقات الكامنة داخلهن مما يحرمهن من التعبير عن دواتهن..
. *الأعراف والتقاليد البالية تحول دون تمكين المرأة من اتخاذ قرارات مصيرية لذاتها،لأسرتها ولمجتمعها ودلك يؤثر على مواطنتها.
*قيود وموانع تنهل من فكر ذكوري تجعل مشاركتها السياسية جد خجولة.
وخير ما اختم به مقتطف من الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس”….وكيف يتصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللائي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما منحهن الدين الحنيف من حقوق هن بها شقائق الرجال تتناسب ورسالتهن السامية في إنصاف لهن مما قد يتعرضن له من حيف أو عنف مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور سواء في ميدان العلم أو العمل……”