مقدمة افتراضية..  
 فتحت باب هذا العالم الإفتراضي المجنون علني أجد متنفسا لهواء طلق ، بعد ان إمتطى صدري تموجات إختناق لم اعهده ..
فصادفت أصدقاء وزملاء ..جمعتني بهم ايام وذكريات جميلة.. أسماء تفاجئني كل مرة .. وكأنني لست من اختارها.
عمدة في قلب الحدث.. 
 فجأة و جدت السيد ” أحمد بوطالب ” و قد أصبح في قلب الكثير من النقاشات .. 
 أحمد بوطالب عمدة مدينة روتردام الهولندية .. ذاك الإبن الأكبر لأب من قرية صغيرة في جبال الريف ركب يوما ما رحلة لم يكن يعرف وجهتها .. بدأت بالجزائر ومرت بفرنسا قبل أن تنتهي إلى روتردام . 
كان عمره خمسة عشر عاماً عندما نزل في يوم من ايام منتصف السبعينات في محطة قطار في مدينة لاهاي . لم يكن يملك شيئاً إلا جيوبا خاوية من كل شيء ورأس صغير يحمل هموم كبيرة وأحلام صغيرة .. لم يكن يحمل حتى لغة يستطيع التخاطب بها، بل ولا “حتى دراجة بحسب التقليد السائد في هولندا”، كما قال ذات يوم مازحاً.. 
فهل من حقهم بأن يمروا هكذا
سمعت “أصدقائي الإفتراضيين” يتهامسون … ينقرون بالسبابة والوسطى من أصابعهم لوحة مفاتيح حاسوباتهم وهواتفهم المحمولة يبحثون عن حرف ما.. ليجمعوه حروفا وكلمات يرسمونها على صفحاتهم الفايسبوكية..
كم منـ….ــا حمَّلوه أساً وجرحا قاسيا ببضع نقرات على لوحة مفاتيح حاسوباتهم . من تكلم بكلمة بريئة عادية .. وجدها أمامهم وكأنهم “المحققين”… 
فهل من حقهم بأن يمروا هكذا دون ان يكون” لصاحب الأمر” معهم كلمة فصل…؟
الأمر يكاد يبدو مؤلما خاصة لصعوبة “استيعابه”… اوحتى شرحه .
 
 وابتدأت.. الحكاية. 
أصل الحكاية أن صفحات بعض الناشطين الريفيين على مواقع التواصل الإجتماعي شهدت فى الأيام القليلة الماضية جدلاً واسعا حول بعض التصريحات التي ادلى بها  أحمد بوطالب )عمدة مدينة روتردام الهولندية( عبر حوار كان قد خصَّ به موقع هسبريس الإخباري … والذي أثار ضجة وجدلا “عنيفا” بسبب جملة جاءت في سياق الحوار وهي قوله : ” (…) أنا اول مغربي عربي يتقلد منصب عمدة مدينة ..”.
من بعض ما أثار انتباهي بعض الإتهامات الصادرة من بعض” الأصدقاء الإفراضيين” التي كانت موجهة للسيد أحمد بوطالب في شخصه ، ربما كانوا سيكونون محقين إن كان الأمر انتهى عند الرأي والرأي الآخر.. ولكن ما اثار إنتباهي هو تلك العفوية في الإتهامات المجانية التي خرجوا بها وكأن الأمر اتفاق مسبق…!!
ذكرني الأمربتلك “الشكوك” التي انتشرت في وقت سابق في صفوف المهاجرين خاصة منهم المغاربة . بعد اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان كوخ و خاطبهم أحمد بوطالب وقتذاك ، “من لا يريد المشاركة في قيم مجتمع مفتوح مثل المجتمع الهولندي عليه أن يتحمل النتائج أو ان يحزم حقائبه ويرحل “. وقتذاك قالوا عنه : “إنه ليس منا”. 
عدت الى ” اصدقائي الإفتراضيين” وجدت الحديث ازداد وتشعب… وزادت الإتهامات ، اتسمت بعضها بالعقلانية والشرعية والأخرى بالسطحية وبالطعن بالأعراض حاملة مقدارا لا بأس به من انحدار لفظيي اخلاقي .. غير معهود. 
وبرأي ذات النشطاء أنه بهكذا تصريح يتنكر عمدة روتردام لأصله وجذوره و كان عليه أن “يدرك” أنه أمازيغي ريفي قبل ان يكون شيء آخر..”.
وكتب آخر: “بالقطع هو حر أن يكون حرا في مواقفه وحرا في ان يكون من يكون ولكن عليه تبني موقفا متسقا.!”
وبرأي ناشط فيسبوكي آخر يقول ” مثل هذه “الشيزوفرينيا” المؤذية أضحت، للأسف أفكارا شائعة واعتيادية ،لدى بعض الريفيين ولا تجلب الخجل لأصحابها..والعمدة مصاب بها .”
وبرأي أحد الناشطين ما معناه ‘أنه في الوقت الذي يعاني فيه أمازيغ الريف التهميش والإقصاء .. تبرز من بعض الأشخاص مجموعة من المؤشرات السلبية تنذر بتراجعات جد خطيرة تمس و تهدد في الصميم الوضع الراهن ..منها تنكُّر بعض الريفيين لأصولهم …’ وهو طبعا لا يقصد سوى ” العمدة” السيد بوطالب.  
ومن جهة أخرى قرأت تعاليق أخرى مؤيدة لناشطين آخرين معروفين بجديتهم ، كما لزملاء في عدة جمعيات ومؤسسات تعبر عن استيائها لتردي مستوى النقاش الذي وصل الى هذا الحد … كما اعتبر عدد آخر لهم صفحاتهم في الموقع الاجتماعي عن صدمتهم لما وصفوه : “الصبيانية في النقاش “. 
 ورأوا أن ” العمدة” شخص فوق كل الشبهات..واكدوا ان “كلامه لم يمس شخص “أي أمازيغي” بسوء وهو شخصية فوق الشبهات ولايمكن لاحد ان يشكك “بأمازيغيته” كما بنزاهته او استخدامه اساليب خارج المالوف كما اعتقد البعض “.
وتابع آخر ان “الحوار واثناء الحديث عن كونه (اول عربي) ..تحدث ” العمدة” بكلام لم يقصد غير “ملاطفة” مُحاور حاوره بالعربية… وان التعبير عن “الإنتماء” له تعابير أخرى واماكن اخرى  .. مفسرا ذلك  بقوله : “الم يذكر هو بنفسه وفي نفس ذات الحوار أنه رجل بسيط “من مواليد بني شيكر، و ترعرع  ببني سيدال بإقليم الناظور، ويحب أن يشم رائحة البلد وأكل خبز الشعير و قضم كسراته المغمسة  بزيت الزيتون،” .. ألم يذكر في حديثه أنه “يتذكر كيف كان يعيش في تلك البوادي الريفية ، و كيف كان يمشي بدون حذاء، وانه كان إذا تناول وجبة الغذاء لا يتعشّى”  ..
“هل من اعتراف بالأصل والفصل اكثر من هذا.” .علق آخر .
قبل أن يرد متدخل آخر :
– لم يتنكر لأصله ولم يتنكر لمدشره ولا لمن علمه الحروف الأبجديّة الأولى كما يفعل الكثيرون .. الم يعترف قائلا أن :“النضج الذي وصلت إليه و الحكامة التي منحني الله إياها كانت بفضل الحروف الأبجديّة لمحمادي الصقلي، في مدرسة ولاد سيدي محمد بنحدو بقرية أغيلو مدغار بجماعة بني سيدال، ولا يمكن للإنسان أن ينسى ذلك لأنه أذا فعل فسيكون قد اتبع أهواءه بأن يرى للأمام و ينسى تاريخه.”
حاول آخر أن يشرح الأمر وبطريقته الخاصة لأحد ” المتموقفين” من “العمدة” كاتبا على حائطه الشخصي :  لكي نحلل بعض الأمور ، خصوصاً  منها المرتبطة بالسياسة يجب أن نفهم لعبة السياسة اولا لفهم الأشياء الأخرى .. والمسؤول يجب ان يتجرد من ” ذاته” للحكم على الأشياء تماما كما القاضي في المحكمة  .
هذا قبل ان يختم عزيز صديق “مفترض” آخر من روتردام التعاليق كاتبا تحت صورة لبوطالب وضعها مع التعليق : “من جهتي ، أجدني أنحني له احتراماً وأرفع قبعتي تحية لرجل من الريف … لأنه عن طريق صعوده الوظيفي صنع مجدا و تاريخاً ليس في هولندا فقط  وبل في أوروبا كذلك …” 
 
إشارة على هامش .. الحكاية.
 أحمد بوطالب معروف ودائما  ببعض المواقف التي قد توظف في غير سياقها ..لمواقفه أسباب واحتمالات وتأويلات كثيرة …
 فموقفه من “منع” البرقع مثلا ، هو موقف سياسيين آخرين : “ليس هناك من مكان للبرقع ..عند قيادة السيارة، في المحكمة، في المدرسة، في كل مكان من الضروري أن يرى المرء وجه صاحبه ” .  
وبالتالي فهو يرى ان ” النساء اللواتي يلبسن البرقع من الصعب عليهن العثور على عمل . لذلك عليهن ألا ينتظرن دعماً مالياً من الدولة.”  
وكذلك فهو حين يواجه الشباب قائلا : ” عليكم أن تكفوا عن الصراخ بأنكم ضحايا!”، فهو لا يستثني احدا يقول ذاك لكل الشباب وطبعا خاصة منهم المغاربة !! ، بل ويقولها لهم مباشرة في وجوههم، عندما يزورهم في المدارس أو في المساجد او في نوادي كرة القدم، “على الكل ان يقوم بدوره في المجتمع”. يقول . “ومن في سن  18 و27 عاماً و لا يملك  شهادة مدرسية أو وظيفة عليه أن يقبل أي وظيفة تُمنح له. حتى إذا كانت الوظيفة مسح و كنس الشوارع والأزقة … من يرفض ذلك يفقد حقه بالمساعدات الاجتماعية. “..
كما انه حين يواجه الآباء الذين يغضون الطرف عن تغيب ابنائهم عن المدرسة يصارحهم  مباشرة انه ستُقطع عنهم مخصصات الأطفال. 
هو باختصار يمارس مهامه كعمدة و لا يريد أن يكون رئيس بلدية أمازيغيا او مغربيا أو مسلماً،  هو يريد أن يكون رئيس بلدية للجميع.  
وهو، عندما يصرح بمثل هذه التصريحات، فإنما لأنه يريد أن يؤثر بشكل إيجابي، أن يدفع المجتمع الذي يعيش فيه و”يحكم” جزء منه إلى الأمام . 
و”من يريد اختراق السقف الزجاجي يجرح نفسه”، صرح ذات يوم.. ما.  
 
فلاش بطاقة.. إختياري.
من طفل فقير.. من بلدة بني شيكر ، خجول يعاني صعوبة عيش .. يخفي وراء ابتسامة خجولة ألف دمعة تخنق روحه.الى عمدة لمدينة تعيش وتتعايش فيها مايقارب 170 جنسية أو ربما أكثر .. لمدينة تحتضن كل لغات وثقافات وديانات العالم .. و تتوفر على أكبر ميناء في المنطقة الغربية من العالم …تخطى وبخطوات ثابتة وسريعة، العديد من العراقيل التي وقفت أمام جيله ، تحدى صعاب كثيرة كان همه الوحيد والأكبر ان يتعلم و يدرس لكي يحصل على “الشهادة الثانوية”. رغم شح الحال..وقصر اليد.  
“آسف يا ولدي ، لا أستطيع أن أدفع مصاريفك الدراسية”.كلمات ما تزال ترن حتى اليوم في أذنه كما صرح بذلك مرارا وتكرارا في احاديثه الصحفية ، “كانت تلك أكثر اللحظات الدرامية في حياتي”.     
إنسان بسيط مازال يحافظ على أمازيغيّة الريف ، إنسان لم تغيره المناصب .. لم يتغير، ولم تغيره الألقاب. لا يمكن الفصل بين صفاته العملية والشخصية ، فكل واحدة منها هي امتداد للأخرى، وهذا ما يميزه ..
فهو إنسان قبل كل شيء، راق في تعامله، يجمع بين الشخصيته المرحة والشخصية القوية المؤثرة، بسيط يكره التكلف والتصنع، حتى أن الشهرة لم تغير شخصيته ولم يتعال كما يفعل الكثيرون …لم تغيره الشهرة لأنه صاحب مبدأ وفكر واع اكسبه الجرأة في طرح افكاره و آرائه..  
سيكون من المبالغة  جدا اعتبار ما تفوه به ” كونه اول مغربي عربي” يتقلد هكذا منصب ، موقفا متعمدا ، لكن سيكون من الواقعي جدا اعتباره مجرد كلام يدخل في باب حوار بلغةٍ يفهمها ويحاوره بها محاوره.. و ربما كان سيقول انه “أول أمازيغي يتقلد المنصب” لو كان محاوره أمازيغيا..
قبل ..آخر الحكاية..
من المؤلم حقا أن يصل مستوى النقاش – وإن كان فيسبوكيا – إلى حد لا يمكن السكوت عليه إذ تعدى كل الحدود إلى مرحلة الانتقاص من الأشخاص و التشكيك في الذمم أو بالمختصر المفيد “نشر غسيلنا ” الذي بالطبع لن يفيد أحدا… 
 كم نحتاج – جميعنا-إلى وقفة صادقة مع انفسنا لمراجعتها وإعادة النظر في طرق بعض نقاشاتنا التي كثيرا ما “تفتعل” المشاكل لينقضَّ عليها بعد ذلك بعض “المستصحفين” لاستغلالها ضدنا … 
كم نحن بحاجة إلى فكر نظيف “لتنظيفنا من داخلنا ” من بعض الشوائب التي بدأت تطفو وقد تعصف بأشياء كثيرة جميلة لا زالت فينا إذا لم يتم التدخل الجاد لوقفها…
 بدأت أتذكر رغم  مرور الوقت مقولة لم اعد أتذكر صاحبها ولا اين قرأتها “لا تسأل عن ما يستطيع الآخر تقديمه ، بل اسأل نفسك عن ما تستطيع أنت تقديمه”.
أعتقد أنه آن الأوان اليوم لنسأل أنفسنا ماذا قدمنا نحن حتى نلوم الآخر !!! 
نحب الحرية وننسى الضوابط ، فلا حرية مع سوء الأدب أو عند ايذاء الآخر. لذلك وجب علينا اليوم التوقف عن القاء عبارات الاتهام واللوم على الغير واتخاذ الآخرين أحياناً “كشماعات” نعلق عليها انهزاماتنا وخيباتنا.
فلا تلوموني أصدقائي _الإفتراضيين طبعاً_ إن أنا اليوم أخبرتكم أن فرق كبير بين “نضال” اليوم و”نضال” الأمس القريب ، فلننتبه جميعا !. 
تريد أن تمارس النضال؟
تعال..
إغسل يديك جيداً من ذلة السؤال
وكف عن قتل الناس
في مقصلة قصيدة
أو خجنرٍ مقال….
على حد قول الكبير…أحمد مطر.