الكتالوج المتوارث للعقلية العسكرية لايطور نفسه , ولا يساير حركة الأجرام السياسية , تتعاقب الأزمنة, ويتبدل الأشخاص , وتتقطع الجغرافيات , ومازال على حالة العقيم والمتبلد , والإشكالية ليست في سياساته الرتيبة , بل في غباء المتلقي لهذه السياسة المتكررة , ومازالت ردود الفعل حيال تلك السياسات على حالها بلا أي تغيير أو تطوير , أياترى هو يقين رد الفعل ؟ , أم هو القراءة الحكيمة والرشيدة لأيدلوجية المتلقي ؟ , أكاد أجزم بأنه فقط يدور في فلك واحد , ألا وهو يقين رد الفعل للمتلقي وبحسب نظرية تصنيع الحدث لاإنتظاره .
 
وللتدليل على صحة ماذهبت إليه , سواء في حق العقلية العسكرية وكتالوجها , وكذالك رد الفعل في حق للمتلقي , أرى في بدايات ثورة 25 يناير 2011 وماتلاها , ووصولاً إلى الشكل السياسي المشوه لشبه الدويلة المصرية إثر التعبوية الشعبية المدعومة أمنياً وعسكرياً , ففي تلك الفترة وتعاقبتها مايثبت وحدوية السياسة العسكرية بلا تعددية ومن دون الركون إلى فكرة التنويع أو التطوير .
 
والسياسة العسكرية تعتمد على ركيز العمل المخابراتي محرك كل السياسات , فهو الأداة الوحيدة التي تمسك بكل الخيوط كذكر العنكب يهيمن بخيوطه في محيطه الدائري , فالحراك الشعبي لثورة يناير منزوع الأدلجة ومنزوع الراية ومنزوع القيادة , وهو مايعد في علوم الثورات( الثورة صعبة المراس) , لايمكن تقويضها أو السيطرة عليها أو تجفيفها أو ترويضها , لذالك سارعت أمريكا ودول الإتحاد الأوربي بالإعتراف بها وخلال فترة وجيزة بدأت فاعليتها في25 يناير 2011 وأنتهت بقرار التنحي لرئيس الجمهورية السابق في 11 فبراير من نفس العام , أى خلال ثمانية عشرة يوماً فقط , فهل تسرعت أمريكا بالإعتراف بالثورة ورفعت في ذات الوقت غطاء الحماية السياسية عن حليفها الإستراتيجي ؟ , مستحيل ودرب من جنون أن تقدم أمريكا أو الإتحاد الأوروبي على هذه الخطوة , لاسيما وهي في ظاهرها وباطنها تقوض المصالح الأوروأمريكية بإعتبار محورية مصر ودورها الجيوسياسي في الشرق الأوسط , كوسيط عبرت من خلاله إجراءات التبعية وطبيعية العلاقات الإسرائيلية مع عموم المجتمع الشرق الأوسطي , لكن علة الإعتراف لم تخرج عن كونها حالة من إلتقاط الإنفاس والرجوع إلى الكتالوج القديم المؤصل لكيفية الإنقضاض على الثورات , وخاصة الثورات التي لايتبناها شكل سياسي معين , أو تتبناها قيادة معينة , أو تتبناها أيدلوجية معينة .
 
ومن هنا بدأت فاعليات قديمة تتجدد وتبرز على ساحة التظاهر , وخاصة مع بدأ ماأطلق عليه (الحوار الوطني) بقيادة عمر سليمان رجل المخابرات الغامض , وتشكل على إثره مايسمى (بلجنة الحكماء الأولى), ثم التحول إلى (لجنة الحكماء الثانية) بعد فشل الأولى , فما كان من المتلقي لهذه الفكرة الخبيثة إلا الوقوع في شراك العسكر والقبول بالحوار من خلال اللجنتين , ومن هنا تم إستقطاع فصيل تفاوضي من داخل الثورة , في حقيقتة لايمثل إلا نفسه , أو قدم نفسه متطوعاً لتمثيل الثورة ,  أو تلقاها كغنيمة ثورية , أو إعتبرها إعترافاً صريحاً وضمنياً بدوره المؤثر في الحراك الثوري , وهذه الذلة والسقطة الغبية قضت تماماً على ثورة 25 يناير وقبل قرار التنحي لرئيس الدولة السابق .
والجزم المطلق بالقضاء على الثورة ليس بدعة مني أو إرهاصاً سياسياً , ليقين علمي (لاثورة مع تفاوض ولاتفاوض في ثورة) , فركون النظام العسكري للحوار ظاهره وباطنه محاولة إستقطاع الفصيل المؤسسي الأكثر تأثيراً وعدداً , بل وكان كلمة السر في الإبقاء على الثورة بعد موقفه البطولي في موقعة الجمل.
 
تابعنا في الجزء الثاني