في بلاغ ناذر للقنصلية المغربية ببروكسيل تهدف من خلاله ما سمته بخلق “حملة تحسيسية في أوساط أفراد الجالية المغربية..”، وجهت فيه نداء إلى المغاربة المقيمين ببروكسيل من اجل العمل على  ” اجتناب فترات الإجازات المدرسية والعطلة الصيفية للقدوم للقنصلية من أجل إنجاز  الإجراءات الإدارية ، الأمر الذي يحدث اكتضاضا داخل مرافق القنصلية مما ينتج عنه تراجع مستوى الخدمات بحكم العدد الهائل الذي يتوافد يوميا على هذا المركز القنصلي “.

إذا كان البلاغ التواصلي أمر محبذ لدى غالبية المغاربة، ألا أن ما أثار انتباه المتتبعين في بلاغ القنصلية الجديد، هو التصريح لأول مرة ب “وجود ما يزيد عن 6000 بطاقة تعريف وطنية لم يتم سحبها من طرف أصحابها” ، وفي هذا الصدد ذكرت  (ان لم نقل هددت ) القنصلية، بأن القانون المعمول به  ينص “على ضرورة سحب البطاقة الوطنية وكذا جواز السفر في أجل أقصاه 6 أشهر. و أن بانقضاء هذا الأجل، يتم إعادة بطاقات التعريف إلى المديرية العامة للأمن الوطني بالرباط وجوازات السفر إلى المصلحة المختصة بوزارة الداخلية”، على حد تعبيرها.

إن عدم سحب 6000 بطاقة تعريف و طنية في بروكسيل وحدها، بعدما أن أقدم أصحابها طلبات الحصول عليها يطرح أكثر من سؤال و علامة استفهام. أبرزها لماذا أصلا أقدم المغاربة طلباتهم للحصول أو تجديد البطاقة، ان لم يذهبوا لسحبها؟

قد يبقى أهم مبرر هو كون المغرب أقدم على اعتماد البطاقة الالكترونية بدل البطاقة الوطنية القديمة و أن المغاربة غير محتاجين لهذه البطاقة إلا عند دخولهم إلى المغرب. لكن هذين المبررين غير كافين إن لم نقف عند أهم الصعوبات التي يواجهها مغاربة الخارج كلما وضعوا أقدامهم في إحدى القنصليات المغربية ببلدان المهجر.

فحسب الأغلبية المطلقة من المغاربة فإنهم يعبرون في السر و العلن أنهم يكرهون الوصول إلى قنصليات بلدانهم (إلا “بزاز” أو عند الضرورة القصوى)،  لأنهم يحسون بالرعب و الخوف ( وان كان ذلك نفسيا فقط)، كلما دعت الضرورة لزيارتها لقضاء مأربهم الإدارية.

فبالرغم من بعض التغيرات السطحية و المظهرية على بنيات القنصليات فان المغاربة تذكرهم القنصليات المغربية كمرصد للرصد و التصنت و العبودية، و هذا ما يمكن أن يلاحظه أي زائر لهذه المؤسسات إذ كثيرا ما تكثر هناك كلمات “نعام سيدي” ، “نعام لالة” الله يرحم الولدين إلى….”.

 فإذا لوحظ بان  السنوات الأخيرة بدا يتجرا بعض المغاربة نساء و رجالا بالتنديد حتى داخل القنصليات ببعض التصرفات  الزبونية مثلا و  سياسات ” مشي واجي” ، فان اغلب المغاربة بمن فيهم الجيل الثاني  يحنون رءوسهم راجين أن تمر كل زيارة لهم لمصالح القنصلية بسلام، و هذا دليل ساطع على أن المغاربة لا يدقون أبواب القنصليات إلا عند الضرورة القصوى، و هذا ما يفسر أيضا الضغط الشديد الذي تعرفه هذه القنصليات إبان فترات الذروة و فقط.

من هم مغاربة بلجيكا:  أرقام متناقضة؟

– حسب إحدى تصريحات عاهل بلجيكا السابق “الملك البير” فان عدد المغاربة المقيمين ببلجيكا يقارب من 500 ألف.

– حسب تصريح للسفير المغربي سمير الضهر لمجلة لوبيف/ ليكسبريس البلجيكية بتاريخ 29 شتنبر 2009، فان عدد المغاربة المسجلين بالقنصليات المغربية الثلاثة ببلجيكا ( بروكسيل، اونفيرس و لييج )، يصل عددهم 350 ألف و يضيف السفير لكن قائلا ” إن أعددناهم وفق مقاييس أخرى فيمكننا الحديث عن رقم 600 ألف شخص”.

Samir Addahre: “D’après les relevés de nos consulats de Bruxelles, Anvers et Liège, les Marocains ou Belgo-Marocains installés en Belgique sont au nombre de 350.000. Mais, sur la base d’autres critères, on parle de 600.000 personnes”

– حسب إحصائيات مؤسسة الحسن الثاني لسنة 2009، فان عدد المغاربة المقيمين ببلجيكا حدد في 285.000 مغربي (المصدر جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 18 يوليوز 2009).

إن المتتبعين لشؤون الهجرة يجمعون على صعوبة تحديد عدد المغاربة ليس في بلجيكا فحسب، بل في كل بقاع الدنيا و ذلك راجع إلى أن القنصليات و المؤسسات المغربية تعتمد فقط على المسجلين في القنصليات، في حين أن عدد المسجلين لا يعكس بأي شكل من الأشكال العدد  الحقيقي لمغاربة العالم. بحيث هناك آلاف المغاربة غير المسجلين في القنصليات المغربية، و آلاف المغاربة المقيمين بدون أوراق، أضف إلى ذلك أن المصادر البلجيكية و الأوروبية عندما تحصي المغاربة فإنها لا تأخذ بعين الاعتبار الحاصلين منهم على الجنسيات الأوروبية، بما يجعل أن كل الأرقام الواردة  أعلاه تفتقد إلى كثير من المصداقية.

و مع  ذلك، و إن أقررنا أن عدد المغاربة في بلجيكا فعلا لا يتجاوز 350 ألف، فان عدم سحب 6000 مغربي في بروكسيل وحدها لبطائقهم الوطنية دون احتساب الممتنعون عن سحب بطائقهم في قنصليتي “اونفيرس” و “لييج”، يعد كارثة  حقيقة و تعكس الصورة الحقيقية للعلاقات الموجودة بين القنصليات المغربية و مغاربة الخارج المبنية  دائما على الشك و الريبة و عدم الاحترام المتبادل و انعدام الثقة.

فان نظرنا إلى النقطة الأخرى التي أوردها نفس البلاغ القنصلي و الذي تدعو فيه القنصلية العامة  مغاربة بلجيكا تزويدها ب”بطاقة تقنية عن جمعياتهم  طالبة إياهم ب “ تشكيلة مجلسها الإداري ، وملخصا عن مجال اهتمامها ، فضلا عن عنوانها ورقم هاتفها وعنوان بريدها الالكتروني”.

فانه فبالرغم من هرولة بعض الجمعيات و الوداديات لتسجيل أسمائها للاستفادة من “كعكعة” و الوعود الكاذبة للوزارات المتعاقبة على شؤون الهجرة و المؤسسات التي أنشئت كذبا ل”خدمة مصالح المهاجرين”، فان القنصلية المغربية تعلم جيدا بان أغلبية الجمعيات الجادة ترفض كل أشكال الاحتواء و تعمل على الحفاظ على استقلالياتها و مصداقيتها و تعتقد ان تزويد القنصليات بمجالسها الإدارية و أعضائها هو إعطاء لمعلومات بالمجان لمصالح القنصليات لمراقبتهم و احتوائهم، بل التضييق عليهم كلما  دخلوا  المغرب.

خلاصة القول:

فبالرغم من اهميتة التواصلية، فان بلاغ قنصلية بروكسيل سيبقى صيحة في واد، ما لم تغير ليس القنصليات وحدها لسلوكياتها تجاه مغاربة الخارج، بل فان الدولة المغربية كلها مطالبة بإعادة النظر في علاقاتها بمواطنيها في الداخل و الخارج، عبر الاعتراف بهم كمواطنين كامل الحقوق و ليس كرعايا يختصر دورهم في التصفيق و العمل على  اشرا كهم في كل القرارات المتخذة، و في مؤسسات منتحبة  ديمقراطيا و هو السبيل الوحيد القادر على إعادة الثقة  للشباب و المهاجرين و كل المواطنين. آنذاك سيشعرون أن المغرب فعلا قد تغير،  و أن هناك إرادة سياسية  للتغيير فعلا و ممارسة، و هذا ما لم يلمسه للاسف المواطن المغربي في كل مواقع تواجده بعد