الدكتور عبدالله بوصوف : الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج.

 

في سنة 1978 ستُـعلـن “جزيرة غُـوري” أو “جزيـرة الرقيق” كتـراث إنساني عالمي من قبـل “اليونيسكو”، وهي التي تقع على بعد 3 كيلومترات من سواحل العاصمة السنغالية دكار، وأصبحت مـزارا سياحيا كبيرا يجذب إليه السياح من كل العالـم…!!

 

“جزيرة غـوري” صفحة مؤلـمة، ووجع الإنسان الإفـريقي، شكلت ولمدة تقـارب 3 قـرون الـنقطة الأخيرة لـشحن الأفارقة رجالا ونساء وأطفالا إلى أمريكا عبـر سفـن البضائع. وللأسف لا توجد أرقـام دقيـقة لعــدد ضحايا رحلة الموت والاستعباد..!

 

كما لازالت شاهـدة على هذه الجريمة الإنسانية الـسلاسل المعلقة في جدران “بيت العبيـد”، وأدوات النـساء في “متحف المرأة”، وكذا المسجد المشيـد منذ الـقرن الثامن عـشر…وغيرهـا.

 

” جزيـرة الرقيق” كانت سجنا مفتوحا على السماء فقـط، وبـوابتـه اسمهـا “طريـق بـدون رجـوع”. الـدول الكبـرى آنـذاك، أي إسبانيا والبرتغال وانجلترا وفرنسا، وأيضا ألمانيا، كلهـا ساهمت وطيلـة 300 عام في مـأساة ملاييـن الأفارقة بسجنهـم…والأهــم من هــذا هـو سلخهـم عن هويتهـم وجـذورهم، إذ كانوا ينـزعون عنهم أسمائهم الشخصية وانتماءاتهم الـقبلية وتقـاليـد طعامهـم، تمهيـدا لحياة جديـدة من الـرق والعبودية والانسـلاخ…!

 

“جزيـرة غـوري” شكلت أيضا المركز الأكبـر لـسوق العبـيد في اتجاه جـزر الكاريبي وأمريكا، وتشكل الـيوم ذاكرة للألــم الجماعي والاستغـلال البشري، وأيضا موطنا للمصالحة مع الإنسـانية وعدم التكـرار…!

 

لكل هـذا لا يجب أن ننسى كل مناطق الاحتجاز القسري أو التغريـري في العالـم..وهـنا لا بـد أن نستحضر مخيمات تـنـدوف، حيـث يُـحتجز ولـمدة تـفـوق 40 سـنة آلاف الـبشـر.. ضاع مستقبل أجيـال كاملة قُــربانـا لـمراهقة سيـاسية ولأهـواء حـفنـة مـن الانفصالييـن…!

 

لا يهـم عدد الخيام ولا عـدد الدور العشوائيـة بمخيمـات تندوف، بــل المهم هو عـدد الضحايـا لأطروحة الانفصاليين…التي جعلت منهم أذرعـا بشريـة وطـوابيـر انتظـار إنسانيـة تـستجدي إعـانات وهـبات من جمعيات إنسانية، وتطمع في تقارير بُكـائـية لمنظمات حقوقية…!

 

عـاش محتجزو مخيمات تينـدوف، ولمدة فـاقـت 40 سنة، شروطا حاطة بالكرامة الإنسانيـة. وكجميع معسكرات الاحتجاز العالمية، فـقـد تـفنـن السجًـان الانفصالي في طـرق تعنيف المحتجـزين مـن عنف وقتل واغتصاب، مع تـعـدد حالات مجهولي المصيـر…والأكثـر مـن هـذا الحرمان من الــدفء العـائلي وصلة الرحم مع ذويهـم بـالأقاليم الجنوبية المغربية، وعـرقلة الـمساعي الأممية والتسهيلات المغربية؛ لأن السجان الانفصالي يخاف مـن “لا عودة المحتجــز…”.

 

 

نددت أكثر من جمعيـة حقوقية عالمية بـالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل مخيمات تنـدوف، كما نـددت منظمات حقوقية بعدم مساهمة الانفصاليين وكـذا جنرالات الحاضنة الجزائر في شـرح ملابسات وظروف حالات العنف والاغتصاب ضد المرأة الصحراوية، ومجهولي المصير من الغاضبين على طريقة تدبير ملف التفاوض مع المغرب…!

لـقد ساهمت أفـلام وثائقـية عـديـدة أُنْجـزتْ خـفيـة في تعريـة حقيقـة المخيمات، ومنها فيلم “سْتُـولـن” أو “الـمسروق” أو “المسلوب”، وهـو من إنتـاج استـرالي، وحاز على جائـزة طورونتـو للـسينما سنـة 2009..

 

هـــذا الفيلـم تنـاول ظاهـرة العبودية والرق، وأن مجرد ولادة طـفل ببشـرة سوداء بموريتانيا أو العيون مثـلا يـؤهلـه أن يُـباع فـي سـوق الـنخاسة ويـدس في مخيمـات البوليساريو على أنــه صحراوي …!

 

” فـطيـم”، إحـدى بطـلات الـفيلم الـوثائقي “المسروق”، قـالت إنها تـم بيعهـا لأسرة بالمخيمات، قامـت بتغييـر اسمها، وسلخـتهـا عن محيطهـا الـعائلي…فـيما طالبـت طفلـة أخرى بالحرية كتابـة على الـرمال الصحراوية…الاتجار بالـبشر وسرقـة الهـويـة هي نفـس طـرق “جزيرة غـوري “!.

 

ظاهرة الـرق والعبوديـة لازالت تجارة مربحة يُـزج بضحاياها بمخيمات تندوف، رغم أن الإنسانية أنـهتهـا رسميا في القرن 18…!

 

نتساءل على ضوء هذا المعطى إذن عـن ثمـن سرقـة أطفال وبيعهـم لأسـر بمخيمات البوليساريو…عن معانـاة أسـر فقـدت فلـذات أكبادهـا بمخيمات الاحتجاز…عن سـرقة طفولـة بريئــة..وأحلامها الصغيرة…عـن سرقة هـويـة…عن العبودية في مخيمـات العار…!!!

 

نتسـاءل عـن هـوس قيـادة جبهـة البوليساريو بـسرقـة الأطفـال وتهجيرهـم الجماعي واحتجـازهم في معسكـرات بكـوبـا مثـلا لسنوات طويلـة من أجل برمجتهم على الكراهية والتطرف واعتناق مبادئ قضية واهيـة بعيدا عن أرضهم وذويهم، وفي الآن نفسه اتخـاذهم كـرهينـة مُـقابـل صمـت الآبـاء وولائهـم الـقسـري بمخيمـات تينــدوف…!!

 

ولأنه عاجلا أم آجلا ستُـعانق أسـر الأقاليـم الجنوبية ذويها المحتجزين بمخيمات تندوف..ستُـحرر “فاطيم” وغيرها مـن “الـعبيد” داخـل المخيمات، كـليل بابا حُسين وسلطانـة وغيرهـن…وتستـرجع هـويتها واسمهـا..وسيطبـق مبـدأ “الوطن غفـور رحيم” كما نصت عليه نصوص مبادرة الحكـم الـذاتي…

 

وحتى لا ننـسى، فإن مطلب عـدم تـفكيك مخيمـات تندوف يـرقى إلى مبدأ إنسـاني، حفْظـا للـذاكرة الجماعيـة لآلاف الأفـراد الذين ذاقــوا كـل أشكال الإهانة والتضليل وغسل الدماغ والتغريــر..

 

ولكي لا تنسى الـذاكرة الجماعية، نـدعم عـدم تـفكيك مخيمات تندوف لـتبقى تلك الخيام شاهـدة على تجارة العبودية والانسـلاخ…وأن مآسي أجيـال كاملـة لـيست من أساطيـر الأولـيـن، بـل هي حقيقة تـحكيها كل خيمـة مُـنتصبة في منطقـة تنــدوف بـالجزائـر..!

 

إعلان مخيمات تندوف “كموقع تـراث إنساني عـالمي”، كما فعلت اليـونيسكو سنة 1978 مع “جزيرة غـوري” السنغاليـة، سيكون شاهـدا من جهة على مـأساة إنسانيـة وتُجـار البشـر والحجـر، ومن جهة أخرى على صحوة الضمير الإنساني وجبر ضرر من ألـم طـال أمـده….

 

لكل هـذا نقـول بضرورة عـدم تـفكيك مخيمات تينـدوف بعـد رجـوع أهـالينـا هناك إلى الــوطن، حفـظا للــذاكرة الجماعيـة…لأن كلا مـن جزيـرة غـوريـو ومخيمات تيندوف وجهـان لعُـملـة الخوف والموت والاستعبــاد..!