مكفوفون: أمل في إثبات الذات يتحطم على صخرة واقع التهميش 

عبد الرحيم ليس حالة معزولة، فكل واحد من هؤلاء المكفوفين يختزل قصة معاناته الشخصية.

ولد كغيره من الفتيان الطبيعيين الذين ينعمون بالصحة ويتمتعون بكل حواسهم، غير أن إصابته بمرض وراثي أفقده بصره في سن مبكرة فتح الأبواب أمام معاناته.

أمضى مرحلته الابتدائية بمسقط رأسه مدينة الناظور، لينتقل بعد ذلك إلى فاس حيث تابع دراسته بمؤسسة «محمد الخامس لإنقاذ الضرير» بحي بنسودة.

«كانت ظروف عيشي بالمؤسسة صعبة لأنني كنت طفلا ولم أعتد على العيش بعيدا عن عائلتي»، يقول عبدالرحيم مستحضرا أيام عيشه بداخلية المؤسسة.

حصل عبد الرحيم على شهادة الباكالوريا في شعبة الآداب بالمؤسسة، ليلتحق بعد ذلك بالجامعة، حيث سيعيش «معاناة من نوع آخر» بسبب صعوبة التنقل وإكراهات متابعة وتيرة الدروس في ظل غياب مراجع مكتوبة بطريقة “برايل” وأشرطة دروس مسجلة، بالإضافة إلى معيقات أخرى، «جعلت من متابعة الدراسة أمرا صعبا والتفوق فيها شيئا شبه مستحيل».

«لم نكن، نحن المكفوفون، شأننا شأن باقي الطلبة، نستطيع تدوين الدروس بينما الأستاذ يلقي المحاضرة لأن الكتابة بطريقة “برايل” بطيئة شيئا ما»، يفسر عبد الرحيم، أما لاجتياز الامتحانات الكتابية، فكان عليه البحث عن كاتب يدخل معه قاعة الامتحان لينقل الإجابات التي يمليها على ورقة تحريرها، مما يجعله يضيع وقتا إضافيا.

يقطب الشاب جبينه ويقول بنبرة حزينة تختزل مسيرة من المعاناة بأكملها: «نحن أناس لم نحس يوما بحلاوة نجاحهم». ثم يستطرد: «كنت أجتاز امتحانات نيل الإجازة الجامعية وأنا واع بما ينتظرني بعد ذلك، إذ  كنت مدركا أن السبيل إلى الوظيفة لن يتحقق إلا عن طريق النضال وعملت منذ ذلك الحين على تهيئ عائلتي لتقبل الأمر».

«إما عيش كريم أو موت أكيد» هذا هو الشعار الذي يرفعه عبد الرحيم، إلى جانب رفاقه في المجموعة، منذ ثمانية أعوام من البطالة بعد حصوله على الإجازة الجامعية في الدراسات الإسلامية، وهو مصر على تحدي كل ما يواجهه من عراقيل حيث استطاع الحصول بعد ذلك على دبلوم الدراسات العليا المعمقة.

بالنسبة لقانون الرعاية الاجتماعية يقول عبد الرحيم” أنا ضد هذا القانون، لكونه يتضمن نوايا وتوصيات وليس قانونا بالمعنى الحقيقي للكلمة، والنقاش حول هذا القانون لم يأخذ الوقت الكافي الذي يستحقه، بل الأكثر من هذا كانت هناك استهانة لممثلي الأمة بهذا القانون، حيث نوقش كآخر قانون وصوت عليه سبعة أشخاص.

أما بخصوص بطاقة المعاق، قال عبد الرحيم “هي خلق مواطنة أخرى وميز، في حين أن القانون بشكل عام هو من وجب أن ينظمنا،  فمثلا الجميل في القانون التونسي كونه عبارة عن دفتر بالألوان، هذه الألوان تحدد درجة الإعاقة وحجم صعوبتها، وبالتالي هناك تحديد للعجز وليس الإعاقة بشكل عام”.

 وأضاف عبد الرحيم ” المغرب لم يستطع أن يقوم بهذا الأمر، وتبين أنه من الصعب إخراج تلك البطاقة، إلا إذا تمت إعادة النظر فيها”.

ويضيف أن المنظمة العلوية للمكفوفين مؤسسة غنية لكنها لاتقوم بدورها، وهي من الجمعيات التي ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب إلى أن صارت من خشب، هي كمؤسسة لاتحمل من الأهداف والعمل سوى التسمية فقط، فهي تتخبط في العديد من المشاكل وسوء التدبير والفساد، ونحن كفئة مكفوفين نعاني كثيرا داخل المؤسسات التعليمية بصفة عامة، فلا خزانة ناطقة للمكفوفين، بل تنعدم خاصة عندما يتعلق الأمر بالمدارس الخاصة بالتعليم الأصيل، أما الجامعة فتلك مصيبة كبرى،  ولولا وجود أصدقاء يمدون يد المساعدة لكانت الكارثة أعظم، فالجامعة لاتوفر وسائل في هذا الصدد ،وهناك نقص كبير  حتى على مستوى النقل والتشغيل.

أما الحكومة فهي لا تتوفر على أي برنامج لمد يد المساعدة للمعاقين، وأتساءل لماذا لا توفر لنا الحكومة بطاقة المعاق، أما في ما يخص التشغيل فتلك مسألة أخرى، فالأغلبية ينظرون إلينا كورقات استغلالية ومناسباتية، على الرغم من أن  الحكومة الحالية  جاءت بشعار الحريات والقوانين لكن لاشيء طبق على أرض الواقع، والبطاقة الخاصة بالمعاق غير موجودة، وفي العديد من المرات في لقاءاتنا مع الوزيرة المكلفة بالأسرة والتضامن ، تكون الوعود تسويفية، وقد قالت لنا بالحرف “لانؤمن بالنضال”، أما الكوطا المتمثلة في سبعة في المائة  أتساءل كيف سيتم من خلالها تكافؤ الفرص؟ بين المكفوفين وباقي الإعاقات.، لذا أقول لابد من تمثيلية داخل البرلمان لأشخاص معاقين لأن “أهل مكة هم أدرى بشعابها” حسب عبدالرحيم.

وحسب آخر بحث أنجزته كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والشخص المعاق في شهر أبريل من سنة 2005، يوجد بالمغرب مليون و530 ألف شخص معاق، أي بمعدل 5,12 %، وهناك أخبار تتحدث عن دراسة وطنية كشفت بأن عدد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة يتجاوز 6% من عدد سكان المغرب، وأن ثلث الأطفال المعاقين يتابعون دراستهم والدولة عازمة على وضع مخطط استراتيجي يهدف إلى إنشاء 250 قسما لفائدة الأطفال المعاقين داخل المدارس العادية، 176، منها مخصص للأطفال الذين يعانون من إعاقة ذهنية و71 قسما لذوي الإعاقة السمعية، نتمنى أن تتحقق هذه الأمنية وتشمل حتى أطفال المناطق النائية.

وقد سبق للمغرب أن وقع في 30 مارس 2007 على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي خولت للجنة معنية بحقوق هؤلاء الأشخاص إمكانية “تلقي الشكاوى أو الرسائل المقدمة من قبل أو نيابة عن الأفراد أو مجموعات الأفراد الخاضعين لولاية دولة طرف، ويدعون أنهم ضحايا انتهاك تلك الدولة… “.

 كما شارك المغرب في أشغال الدورة 13 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة منذ فاتح مارس 2010 إلى 26 منه بجنيف، وأكد محمد الخديري، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أن المجلس يتابع السياسات الحكومية في هذا المجال، ويقوم باقتراح التعديلات لملاءمتها مع القوانين الدولية، ولكن للأسف بقي المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عاجزا عن فعل أي شيء يجعله قادرا على إخراج مشروع قانون يتعلق بتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والذي وضع لدى الأمانة العامة للحكومة منذ أكثر من سنة، ليخرج للوجود ليستفيد منه المعاق، وينفض عنه غبار النسيان والإقصاء .

لكن الحل في نظر عبد الرحيم المكتوي بنار ومعاناة فقدان البصر، هو ضرورة إحداث مجلس وطني للإعاقة كآلية مستقلة لمراقبة مدى تطبيق المواثيق الدولية في مجال الإعاقة، أما البطاقة  تبقى مع الأسف كوثيقة للاسترزاق والتملق فقط .