شهد مسجد التقوى بفرانكفورت – ألمانيا – السبت الماضي 22 فبراير 2014 لقاء فكريا احتشد إليه فئة من الشباب، حيث التفوا حول الأستاذ المؤطر فضيلة الدكتور عبد الرحمان القادري –إمام وخطيب مسجد التوحيد بفيسبادن – ألمانيا ، وذلك من أجل مدارسة موضوع بحاجة إلى الوصف والتحليل واستشراف مستقبل الشباب وظاهرة التدين ومن يتولى مهمة تأطير هذه الشريحة .
حيث استهل الدكتور الفاضل مداخلته بالإشارة إلى الواقع الديني للشباب والذي يختلف بشكل واضح على مستوى الممارسة والتطبيق
فجاء بحثه ليميز بين فئتين من المتدينين وفق التقسيم التالي :
مدخـل 1: قليلون هم الذين يعرفون حقيقة التدين، ومن ثمّ فهم الذين يعرفون كيفية التعامل مع الناس، بحسب فهم هؤلاء الناس لما يرتبه عليهم دينهم من حقوق وواجبات، وكذلك فهم الذين يستطيعون فهم الدين بمعناه الحقيقي كدستور للحياة، ونظام يضبط سلوك وتصرفات البشر جميعاً.
مدخل 2: الذين لا يعرفون معنى التدين، فهم أناس يحمّلون الأمور أكثر مما تحتمل، ويقيسون الدين بمقياس الناس، مع أن الأصل هو العكس؛ لأن الدين هو الأصل الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل، أما البشر فإن قلوبهم بيد الرحمن يغيرها متى شاء.
جاء في الحديث الشريف “إن الرجل يصبح مؤمنا حتى ما يكون بينه وبين الجنة ذراعا حتى يسبق عليه القلم فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وأن الرجل يمسي كافراً حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراعاً فيسبق عليه القلم فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها” فقلوب البشر بيد بارئها يقلبها كيف يشاء.
فكثيراً من الناس يحكمون على الإسلام بالنظر إلى فئات يعتبرونها متدينة حسب مزاجهم وهواهم، أو عن جهل منهم، ثم يحكمون على الإسلام بناء عليها، ليصلوا إلى الحكم المغلوط الذي يسعون إليه، ويحاولون إقناع أنفسهم وغيرهم أن هذا هو الإسلام.
وينتقل الدكتور للحديث عن نظرة الناس إلى التدين والتي تختلف لاعتبارات متعددة:
– فمن الناس من يعتقد أن الدين هو مجرد مظهر لا روح له ولا قلب، وهو كائن أجوف مفرغ من أي معنى أو أي مضمون، فيرون بناء على ذلك أن الدين هو مجرد لحية طويلة (كثة) وجلباب لا يجوز أن يتجاوز العكبين، وأن المتدين هو من توجد به هذه الصفات.
ومنهم من يتصور التدين على أنه تسجيل مكان في الصف الأول من المسجد ، والتزامه دوماً ذلك المكان وعدم الصلاة في غيره من الأماكن ، والتزام باقي العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج ليس إلا.
– ومنهم من يعتقد أن المتدين هو كل من قرأ كتاباً في الرقائق أو قرأ كتاباً لعالم من العلماء، وحفظه غيباً وبدأ يفتي الناس انطلاقاً من هذا الكتاب فقط، مع تجاهل كل تراث الأمة الفقهي الذي يتكون من مجموعة من المصادر والمراجع التي يصعب حصرها أو عدها.
وهذه الصور الثلاثة خطأ، وكلاها ينتج عنه آثار سلبية تنعكس على حياة المجتمع بشكل عام، وعلى حياة الأفراد أصحاب هذا التصور بشكل خاص.
أما التصور الأول فسلبياته تتمثل في اعتبار كثير من الناس متدين، يمثلون الإسلام، ناطقون باسمه، وقد يستفتيهم الكثير، وهم مجرد شيء أجوف لا علم لهم، ولا حظ لهم من الإسلام إلا اسمه فقط، حتى المظهر الذي يعتقدونه ليس هو مظهر المسلم الحق، ومن سلبيات هذا التصور أيضاً، تفريغ الدين من محتواه، وإشغال المجتمع المسلم بقضايا لا أهمية لها بالنسبة لقضاياه الجوهرية والحساسة، إشغاله بقضايا مثل قضية طول الثوب وقصره، وقضية اللحية، وكم شبراً ينبغي أن تكون، وقضية المسبحة، وهل هي بدعة أم لا؟ … إلى غير ذلك من أمثال هذه القضايا.
وأما التصور الثاني عن الدين وهو أنه مجرد مجموعة من العبادات فقط، فمن أضراره إقصاء القسم الأكبر من الشريعة الإسلامية أو إلغائه، ما عدا العبادات، من الأصول ( العقائد ) و المعاملات والأخلاق والسلوك ، وكل هذه مكونات للشريعة الإسلامية يجهلها كثير من الناس، ويظنون أن التدين هو فقط التزام الصلاة في المسجد، والمحافظة عليها (مع أهمية هذا الأمر) وإيتاء الزكاة وحج بيت الله الحرام، وعلى ذلك فإن هؤلاء الناس لا يحتكمون إلى شرع الله تعالى إلا في أمور العبادات فقط، أما ما عداها من الأمور الحياتية الأخرى، فيرون أن حكمها هو لعاداتهم وتقاليدهم، أو الأعراف والقوانين التي ابتدعها البشر لأنفسهم.
وأما التصور الثالث للتدين، وهو الذي يحصر المتدين فيمن حفظ موعظة ما، أو قرأ كتاباً ما، أو وجد في نفسه ملكة الوقوف أمام الناس في تجمعاتهم من أجل وعظهم، وهو يجهل أدنى آداب الموعظة وأركانها، فينهج للناس منهجاً بعيدا ًعن الإسلام الذي كان للاجتهاد فيه نصيب كبير، والذي به كان ديناً يتصف بالواقعية والمرونة وإمكانية معالجة الواقع بسهولة ويسر، وترى أمثال هؤلاء الناس أن الإسلام هو مجرد هذا الكتاب الذي قرأوه، أو الشيخ الذي تتلمذوا على أشرطته عن بعد، وأن كل ما سواه بدعة ليس من الإسلام، وهذا هو السر في انتشار مصطلح البدعة عند هؤلاء.
إن هذا التصور الخطأ للدين انعكس في الحياة العملية على شكل وازدراء للدين وللمتدينين أنفسهم، فكثيراً ما تسمع مقولة ،أنا لا أصلي في المسجد من أجل فلان الذي يصلي في الصف الأول فيه فهو إنسان لا أخلاق له، فصاحب هذه المقولة يظن أن المتدينين لا أخلاق لهم، لأنه يتصور الدين هو الصلاة في الصف الأول كما جاء في تصورهم.
يتخيلون هؤلاء أن الدين هو جلباب قصير، وشعر رأس غسر مسرح، ولحية كثة طويلة لا تعرف أولها من آخرها. مع ملاحظة يردف الدكتور الفاضل أنني لا أقصد أصحاب اللحى بأي سوء فهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني اتحدث عن الفهم الخطأ لإعفاء اللحية وللتدين.
وعلى ذلك فما هو التدين؟ نقول إن التدين بمفهومه العام هو كل ما يدين به الإنسان لغيره، والتدين في الإسلام هو ما ندين له تعالى؛ حيث يقول جلّ وعلا في ذلك: (إن الدين عند الله الإسلام)، ومعلوم أن الإسلام هو شريعة وعقيدة، شريعة تشمل الأحكام المنظمة لسلوك الناس وتصرفاتهم في كل ما يخطر ببالهم من مجالات الحياة، دونما أي استثناء، لقوله تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) وقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، شريعة فيها أحكام العبادات والمعاملات .
فالدين إذن هو كل هذه الأمور مجتمعة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحصر في التصورات الخطأ التي تحدثنا عنها سابقاً،
وبناء على ذلك فالتدين في مفهومه الصحيح هو التزام شرع الله كله، كما بينا من قبل، ولن يقبل من الإنسان أقل من ذلك، ولن يقبل منه أن يلتزم جزءاً منه دون جزء آخر، فقد أعاب الله تعالى على اليهود ذلك، وذمهم عليه بقوله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، ومن لم يلتزم أحكام الإسلام، ودان بدين آخر فهو في نظر الإسلام غير متدين، لقول الله تعالى: (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه.
وخلص الأستاذ المحاضر إلى طرح سؤال كمنطلق أساسي للإجابة على الإشكالية المطروحة .والسؤال هو ماذا يعني أن أكون ملتزما ؟ وماذا يعني الإلتزام لدى الشباب ؟
ليس معنى أن تكون ملتزما أن تكون مختلفا عما كنت عليه ،ولكن أن تكون أخف ذنبا وأرقى خلقا ،وأن تلتزم الخلق في نفسك فلا يتعدى منك إلى غيرك كل حسن .وكل ما هو قبيح تخفيه عن انظار الناس وتتحلى بالجمال ،لتكون جميلا في عقيدتك ،جميلا في عبادتك ،جميلا في خلقك ،جميلا في لباسه .ومن أراد أن ينظر إلى مقياس هذا الجمال فلينظر إلى السنة النبوية ودارسة السيرة العطرة ساعتئذ تحس بالجمال كأنه ماء يترقرق من عذب صفاتق تشرق كضياء النور وتنساب كالماء الطهور.