كثير من الأسئلة تتبادر إلى الذهن حول علاقة التغيرات المناخية بملف الهجرة، والجالية المغربية بشكل خاص. في ظل موجات الهجرة التي يعرفها العالم اليوم، فأي علاقة لمؤتمر “كوب22” بقضايا الهجرة؟

 

بوصوف: بطبيعة الحال فتنظيم المغرب لمؤتمر “كوب22” سيجعل بلادنا من دون شك من الدول التي لها القدرة على تنظيم اللقاءات العالمية الكبرى، وبطبيعة الحال المساهمة في إيجاد بعض الحلول للإشكالات الدولية. بالنسبة لنا فالقضية الأساسية الأولى التي سيكون للمغرب فضل فيها ترتبط بالتنفيذ، خاصة أن هذا المؤتمر يأتي بعد مؤتمر “كوب21″، حيث تم الاتفاق بين دول العالم على ضرورة الانخراط في مسلسل من أجل حماية البيئة والتخفيف من حدة التغيرات المناخية، وبالتالي فالقمة التي سينظمها المغرب يقع على عاتقها إيجاد آليات التنفيذ، حيث سيكون فيها الكثير من الابتكار من أجل الإجابة على التحدي الكبير المرتبط بالمناخ. فإذا كان جلالة الملك يريد أن يجعل من هذه المحطة قمة إفريقية، ففي ذلك إشارة كبيرة بأن جلالة الملك يحس بأن هذه القارة هي الأكثر تضررا بالتغيرات المناخية التي يعيشها العالم، أو التي سيواجهها مستقبلا. الاهتمام بإفريقيا يحمل اهتماما بقضية تهم العالم ككل والسلم العالمي، فالتغيرات المناخية لها تأثير كبير على السلم والأمن العالميين. لذلك فجلالة الملك يريد أن يكون المغرب صوت إفريقيا في “كوب22″، حيث سيجمع دول القارة في مؤتمر قمة من أجل الدفاع عن هذه القضية، وهو أمر بالغ الأهمية لأنه يسعى للحفاظ على السلم العالمي. بطبيعة الحال الهجرة لها علاقة وطيدة بالتغيرات المناخية، وهي في قلب هذه التغيرات، على اعتبار أن أول من يتأثر بها هو الإنسان، وأول شيء يسعى إليه هو تغيير مكان عيشه ووجوده. فالإنسان مدعو إلى النزوح والانتقال والهجرة، فرارا سواء من الجفاف أو الفيضانات أو الأعاصير، والتغيرات المناخية هي عامل حاسم في الرفع من النزوح والهجرة واللجوء. بالنسبة لنا كمجلس للجالية، فقضية الهجرة لابد أن تكون في قلب اهتمامات المسؤولين المغاربة، وبطبيعة الحال المسؤولين الأفارقة باعتبار أن هذه القارة هي التي ستضرر أكثر بالتغيرات، وأيضا المنطقة العربية التي تبقى مهددة أيضا. عندما نتحدث عن الهجرات الحالية، فلابد أن أؤكد على أن هجرة الأفارقة المنحدرين من ما وراء الصحراء لها عنصر أساسي مرتبط بالجفاف، والذي يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في كثير من الدول. فعندما انخفض منسوب بحيرة التشاد بـ80 في المائة، فشمال نيجيريا انتقل إلى البحيرة مما أدى إلى وقوع صرعات إثنية وقبلية، وحتى بين الدول. نعرف أيضا أن إفريقيا الغربية تعاني من الجفاف، ولذلك دور مهم في تحريك الهجرة والنزوح نحو الشمال. الهجرات التي نعانيها والمآسي الكبيرة التي نراها في البحر الأبيض المتوسط، الذي تحول إلى مقبرة لهذه الهجرات، هي نتيجة للتغيرات المناخية التي بدأت تظهر خاصة على مستوى ظاهرة الجفاف والفيضانات. بطبيعة الحال فالجفاف يؤدي إلى قلة الإنتاج ويصبح الأمن الغذائي للسكان مهددا، وبالتالي يلجؤون إلى أماكن أخرى بحثا عن تحسين مستوى عيشهم أو المحافظة عليه. لذلك أعود وأقول بأنه الهجرة في صميم الاهتمام فيما يتعلق بقمة المناخ كوب22، لأنها تشكل الأساس. فإذا كان المثال القديم يقول إن المال هو عصب الحروب، فالآن أصبحت التغيرات المناخية هي عصب الحروب.

 

1

 

الظاهر أن إفريقيا كانت على هامش التأثير في القرارات الدولية الكبرى لقمم مؤتمر الأطراف. أي رهان للمغرب في إسماع صوت القارة في النسخة 22 من مؤتمرات قمة الأطراف؟

 

بوصوف: بطبيعة الحال فإفريقيا ربما لم تشتغل بما فيه الكفاية، وهو أمر راجع إلى المنظمات الإقليمية وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي، باعتبار أنه هو المعني بالأمر الذي كان يجب أن يعمل على توحيد إفريقيا في القضايا الكبرى، ومنها قضية التغيرات المناخية. المغرب، وإحساسا منه بالانتماء العميق لإفريقيا وتحركات جلالة الملك على مستوى القارة، سيجعل من بلادنا على الأقل صوتا لإفريقيا لتبليغ المجتمع الدول الرسائل الضرورية، خاصة أن الدول المتقدمة هي المسؤولة بالدرجة الأولى على ما سيعرفه المناخ من تغيرات. فالدول الأكثر تلويثا هي الدول الصناعية الكبرى، والدول التي تشتغل بالطاقة النووية وتشتغل في الصناعات الكبرى. المغرب يجب أن يكون الصوت المبلغ لهذه الاهتمامات والانتظارات، خاصة وأن جلالة الملك ربما لمس هذا الفراغ للمنظمات الإقليمية في بلورة تصور موحد، فالقمة التي ستعقد في 16 نونبر ستكون مناسبة لتشكيل هذا التصور، وأن نقول للدول الكبرى بأنه لابد أن تشتغل معنا وتتحمل جزء من المسؤولية. فـ100 مليار دولار المخصصة للصندوق الأخضر تبقى ضعيفة، خاصة عندما ننظر إلى النسبة القليلة التي ستخصص لإفريقيا، والتي لا يمكن أن تفي بالغرض وتؤدي إلى مكافحة نتائج التغيرات المناخية، وتعمل على أقلمة وإيجاد زراعات بديلة أو تواجه الجفاف، أو أن تعمل على إيجاد مصادر أخرى للطاقة والمياه. المغرب إن استطاع أن يضغط ويوحد إفريقيا وراءه بصوت واحد، فمن شأن ذلك أن يجعلنا نطالب من دول العالم المسؤولة على التلوث والأكثر تقدما، والتي لها الإمكانيات المالية، أن تعمل على تغيير سياساتها تجاه الهجرة. إلى يومنا هذا هناك فراغ قانوني مهول وهناك غياب لما يسمى باللجوء المناخي، على اعتبار أن الدول الكبرى ترفض إدراج هذا البند ضمن جدول أعمال المناقشات، فاليوم هناك عمليات لجوء سببها الحروب وأمور أخرى، لكن اللجوء المناخي غير معترف به، علما أن كل الدراسات التي أنجزتها الأمم المتحدة أو المنظمة العالمية للهجرة أو منظمات أخرى دقت ناقوس الخطر، وتؤكد بأن موجات اللجوء المناخي سيتصل في أفق سنة 2050 إلى 250 مليون. أما المغرب وشمال إفريقيا فسيعرف وصول حوالي 50 مليون مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء. إذن قضية اللجوء المناخي قضية أساسية، لكن الدول الكبرى تنصلت من مسؤوليتها وترفض أن يدرج هذا البند ضمن جدول أعمال المفاوضات والنقاش والاتفاقيات، إذ أن اتفاقية باريس لا تتضمن ذلك. الآن لابد أن نجد مواضيع بديلة من أجل التخفيف من وطء اللجوء المناخي وإشراك الدول الكبرى، عبر سياسات عمومية. لا يمكن لإفريقيا أن تتحدث، فيما يتعلق بميدان الهجرة، مع المنظمات الدولية الكبرى كالاتحاد الأوربي أو الأمم المتحدة بشكل انفرادي أو أن يكون ذلك قائما على العلاقات الثنائية بين الدول الإفريقية والكبرى فيما يتعلق بالهجرة، بل لابد أن يكون صوت القارة موحدا حتى يصبح قادرا على الدفاع عن مصالحه. نحن نعتبر من البلدان الأكثر تهديدا، فالمغرب وشمال إفريقيا سيكونان بين فكي الراحة نتيجة الهجرات التي ستأتي من الجنوب بسبب الجفاف والتغيرات المناخية وقلة الغذاء والإنتاج الزراعي، إلى جانب التغيرات التي ستؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار، ومنها البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، حيث نتوفر على أكثر من 3000 كلم من الشواطئ. هذا يعني أن المغرب سيكون بين فكي الراحة، فمن جهة هناك التغيرات المناخية التي سيتضرر منها، ومن جهة أخرى هناك الموجات البشرية التي ستأتي زاحفة من الجنوب في اتجاه الشمال، والمغرب باعتباره واحدا من دول شمال إفريقيا سيكون أحد البلدان المتضررة.

 

2

 

إفريقيا هي القارة الوحيدة التي لديها تصورات مجزأة، علما أن قضايا البيئة لا تدخل ضمن أولويات السياسات العمومية على مستوى القارة، في حين أنكم رفعتم على مستوى المجلس ثلاث أولويات واحد منها هو المساهمة في بناء صوت مشترك للمؤسسات المشتغلة على الهجرة. كيف ستشتغلون على هذا الجانب مع المؤسسات الإفريقية الشبيهة؟

 

بوصوف: بطبيعة الحال فمشاركة مجلس الجالية في “كوب22” هي مشاركة متواضعة لأننا مؤسسة صغيرة وإمكانياتنا ضعيفة، وهو ما يجعل هامش المناورة محدودا. بيد أننا سنسعى إلى الحضور في المؤتمر من خلال دعوة مجموعة من الفاعلين في ميدان الهجرة، خاصة الأفارقة من خلال الانفتاح على المؤسسات الشبيهة لمجلس الجالية. الغرض هو الاشتغال والحضور في “كوب22” في محاولة لبلورة رأي موحد، خاصة فيما يخص خلق شبكة مكونة من هذه المؤسسات العاملة في مجال الهجرة، والتي ستشتغل بعد المؤتمر. نحن نسعى إلى الخروج بقرار في مراكش لإنشاء منتدى كبير يجمع المؤسسات المعنية من أجل الاشتغال على القضايا الكبرى المرتبطة بالتغيرات المناخية، وأول شيء نريد أن يطرح للنقاش هو كيفية جعل السياسات العمومية في جل الدول الإفريقية تأخذ بعين الاعتبار هذا الوضع المرتبط بالتغيرات المناخية ومسألة اللجوء المناخي، وكيف يمكن للسياسات العمومية أن تكون على استعداد لمواجهة هذه الأمور. المسألة الثانية ترتبط بالاشتغال على الهجرات الموجودة في العالم، خاصة على مستوى الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا وكندا، من أجل أن نكون قوة ضاغطة وأن ننضم إلى القوى الأخرى المشتغلة في تلك المجتمعات للتحسيس بخطورة التغيرات المناخية فيما يتعلق باللجوء المناخي، وكيف يمكن للسياسات العمومية في البلدان المتقدمة ألا تكون سياسات حمائية كما نشهدها اليوم. فأمريكا تعمل على إنشاء أسوار في الحدود المكسيك، والدول الأوروبية لديها سياسات أمنية، وفي المقابل نرى هجرة السوريين وأيضا الأفارقة الذين يموتون في البحر الأبيض المتوسط، ففي الأسبوع المنصرم كان هناك أكثر من 3000 ضحية. علينا أن نفكر في كيفية الضغط من داخل الدول المتقدمة إلى جانب باقي الفاعلين من أحزاب مهتمة بالبيئة ومنظمات غير حكومية من أجل أن تكون سياسات الدول المتقدمة أكثر انفتاحا ومرونة وليونة وتضامنا مع الهجرات القادمة من إفريقيا. المسألة الثالثة ترتبط بدفع الدول الإفريقية لوضع سياسات عمومية تأخذ قضية التغيرات المناخية بعين الاعتبار، وأن يكون هناك أكبر قدر من التضامن، خاصة بين الشعوب الإفريقية، لمواجهة هذه الأضرار التي ستلحق بنا جميعا، وأن نستعد للعطاء وتقاسم الثروات الإفريقية. لا يمكن الآن لأي أحد أن يدعي بأنه سيواجه لمفرده هذه التغيرات أو سيعمد حتى من التخفيف منها، بيد أنه إذا كنا مجتمعين ومتضامنين اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا فيمكن أن نخفف من حدتها.

 

3

 

في سياق حديثكم عن التعاون مع المؤسسات الشبيهة، هل هناك عمل فيما يخص تجميع طاقات والكفاءات مغاربة العالم المشتغلين على قضايا المناخ؟

 

بوصوف: نعم أحد النقط الأساسية التي نشتغل عليها في “كوب22” تتجلى في نوعية المدعوين للمساهمة في اللقاء الذي سينظم يومي 11 و12 نونبر، حيث وجهنا الدعوة إلى كفاءات إفريقية في الخارج، وهي كفاءات علمية بالدرجة الأولى تهتم بهذه التغيرات المناخية والبيئة. بطبيعة الحال سيكون على عاتق المنتدى الذي سنحدده تاريخه فيما بعد أن يحدد كيفية الاستفادة من هذه الكفاءات العلمية، فلقاؤنا في مراكش لن يكون كافيا من حيث الاستفادة، بل سيكون مناسبة لنعطي الانطلاقة للعمل مع الكفاءات العلمية الإفريقية التي تشتغل داخل جامعات عالمية ومختبرات علمية ومؤسسات كبيرة تهتم بالمناخ، وذلك لجعل هذه الكفاءات تتبنى قضايا إفريقية من أجل الاشتغال عليها في المؤسسات العلمية التي تعمل فيها، والتي تتوفر على إمكانيات مهمة مقارنة مع مؤسساتنا العلمية. ولابد أن نشير إلى أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم بدون ردة فعل إيجابية من طرف الإنسان الإفريقي فالوضعية ستزداد خطورة، بيد أنه إذا كانت هناك ردة فعل قوية تعتمد على ابتكار حلول فيما يخص إيجاد زراعات تكون أكثر قدرة على مواجهة الجفاف، ومواجهة التصحر والتقليص من ندرة المياه، وإيجاد أجوبة علمية للزيادة في الإنتاج فسنكون قادرين على مجابهة هذه التغيرات. نحن نعرف أنه على مستوى الأسمدة يشتغل المكتب الشريف للفوسفاط في هذا المجال، لكن من اللازم أن تكون هناك مرافقة علمية وبحثية ومختبراتية لابتكار أجوبة للزيادة في الإنتاج الغذائي، على اعتبار أن إحدى الإشكالات التي تواجهها اليوم إفريقيا ترتبط بالأمن الغذائي. من جهة أخرى، فخلال هذه المؤتمر ستتم دعوة بعض السياسيين المدبرين لحقل التعليم العالي، لتعمل الدول الإفريقية على بلورة سياسات عمومية تعطي فرصة للكفاءات العلمية الموجودة في العالم للانخراط والمساهمة في دعم البحث العلمي. نحن لدينا كفاءات علميا لكن ربما ينقصها التأطير وبعض المساعدات المادية، ولذلك يجب أن نجعل السياسات العمومية تستفيد من الكفاءات الموجودة في الخارج. مثلا بالنسبة للمغرب فسياستنا العمومية لديها قصور في استيعاب الكفاءات العلمية التي تعيش في الخارج، وكنموذج بسيط على ذلك هو أن أستاذا اشتغل 10 أو 15 سنة في جامعة كهارفرد، إذا أراد أن يستقر في المغرب فلن يتم احتساب تلك التجربة، وإنما سيتم التعامل معه على أساس أنه مبتدئ. أيضا لا يوجد لدينا على مستوى الجامعات المغربية ما يسمى بالأستاذ الزائر أو الأستاذ المشارك، وبالتالي فلكل هذه النقط ستطرح لجعل السياسات العمومية أكثر قابلية لاستيعاب وتبني مفهوم ما يسمى بحركية الكفاءات الإفريقية الموجودة في العالم. ففي السابق كان يتم الحديث عن رجوع الأدمغة، لكن الآن لم يعد ذلك ممكنا وإنما من اللازم أن نشتغل بفلسفة ومقاربة سياسية أخرى تتأسس على الحركية. مثلا من بين المدعوين المغاربة هناك رشيد الأزمي، الذي وشحه صاحب الجلالة وحصل على جائزة أمريكية كبرى في ميدان العلوم، وقد ساهم في تطوير البطارية التي يعمل بها الهاتف. وسبق لنا أن دعونها وأطر مختبرا في مدينة الرباط، فالهدف هو الاستفادة من هذه الطاقات والخبرات العلمية الموجودة في الخارج لتطوير البحث العلمي داخل بلداننا، مع بلورة سياسات عمومية تسهل هذه العملية وتنقل همومنا وقضايانا العلمية الكبرى للاشتغال عليها في المختبرات الدولية، لابتكار أدوات وأجوبة جديدة تواجه مخلفات التغيرات المناخية. ما نريده اليوم هو أن نصل إلى خلق لوبي علمي من الكفاءات الإفريقية في العالم لصالح قضايا القارة.

 

لكن هل الدول الكبرى ستقبل بأن تشتغل مختبراتها على قضايا لا تهمها؟

 

بوصوف: لذلك قلت بأننا نسعى إلى خلق لوبي يتوفر على آليات للضغط. فكل القضايا الكبرى التي تتداول في المجال السياسي أو يتم الاشتغال عليها في المختبرات العالمية تكون من وراءها مجموعات ضغط قوية، ولذلك نريد أن نخلق لوبي علمي إفريقي يضغط داخل المختبرات والمؤسسات العلمية الكبرى من أجل تبني القضايا الإفريقية. هذا الأمر سيأتي عبر مجموعة من الآليات، فلا يمكن لإفريقيا لوحدها أن تواجه ما تسبب فيه العالم بأسره. هذه القارة هي التي ستؤدي فاتورة التغيرات المناخية، والتي كان سببها دول متقدمة وصناعية، ومن اللازم أن يكون هذا اللوبي لديه بعدين، وأن يتم دعمه من طرف مؤسسات الهجرة لخلق لوبي سياسي مكون من المواطنين من أصول إفريقية في تلك الدول لدعم هيئات هذه الدول لصالح البيئة، وقد تحدثت قبل قليل أن أحزاب الخضر والمنظمات الحقوقية والمشتغلة في البيئة، حتى نصل إلى بلورة سياسات عمومية داخل الدول الكبرى تختلف عن السياسة المبلورة اليوم، والتي تبقى سياسات حمائية وأمنية وإقصائية تجاه الهجرة. اليوم الدول الصناعية تنظر إلى الهجرة من باب الصدقة أو منح بعض الطعام لهؤلاء المهاجرين، والحال أن هذه الدول هي التي تسببت في الهجرة وعليها أن تتحمل مسؤوليتها. فهي حق تاريخي وإنساني ومن اللازم أن نقنع الرأي العام الأوروبي بهذه الأمور حتى يبتعد عن الأطروحات التي يروجها اليمين المتطرف وغيره.

 

هل هذه رسالة لأوربا بأن تتحمل مسؤوليتها فيما تسببت فيها من إشكالات مناخية تدفع بالإنسان إلى الهجرة؟

 

بوصوف: إفريقيا يجب أن تتوفر على خطاب مبني على أفكار قوية، وأن تبتعد عن العلاقات الثنائية مع الدول المتقدمة، خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة. لا يمكن أن نتحدث مع هذه الدول إلا بصوت موحد، وأعتقد أن المغرب، خاصة بفضل الحس السياسي والحضاري الكبير لصاحب الجلالة، قادر على أن يبلور هذا المفهوم ويجعل من الدول الإفريقية تتحدث بصوت واحد فيما يتعلق بهذه القضية المرتبطة بالتغيرات المناخية لأن الأمر يهدد الإنسان برمته. فالتغيرات المناخية لديها علاقة وطيدة بالقضايا الأمنية والسلم العالمي، وعندما يُسمح لهذه الدول المتقدمة أن تسير فيما تسير إليه بنفس الوتيرة والمفاهيم السياسية فلاشك أن النتيجة الحتمية ستكون الدمار الشامل للجميع. لذلك من الواجب أن ندق اليوم نواقيس الخطر، فمن بين الدراسات التي تتحدث عن الأزمة السورية هناك دراسة تقول بأن أحد أسباب هذه الأزمة يعود إلى الجفاف الذي ضرب هذا البلد بين سنتي 2007 و2011، والذي من جراءه انتقل حوالي مليون مواطن من العالم القروي إلى المدن، وبطبيعة الحال فذلك خلخل الأنظمة الاجتماعية والنظام الاقتصادي، وبالتالي هدد الاستقرار السياسي. هذا أحد العوامل الذي انضافت إليه أسباب أخرى، لأنه عندما يقع النزوح فذلك يطرح مشكلا على مستوى إدارته، فالآن لدينا مخيمات تضم اللاجئين في كثير من الدول الإفريقية لكنها لا تتوفر على خبرة في إدارة هذه الأزمات. لابد أن تصل إفريقيا إلى الحديث بصوت واحد مع الدول المتقدمة في قضايا التغيرات المناخية والهجرة على أساس أن الدول الكبرى لها مسؤولية، ولابد أن تنخرط في مسلسل إيجاد الحلول وأن تترك جانبا هذه السياسات الأمنية، التي لم تنفع أحدا. وعلينا أن نكون متأكدين أن الإنسان الإفريقي سيقطع البحر الأبيض المتوسط ولو سباحة أو حتى ولو تم بناء جدار برلين من جديد داخل المتوسط فالمهاجرون واللاجئون سيخترقونه، على اعتبار أن الإنسان بطبعه يسعى إلى البحث عن الأفضل وعندما تنقطع به السبل سواء من ناحية الماء أو الغذاء أو الأمن فما ننتظر منه هو أن يخترق البحار والجبال والجدران.

 

تحدثتم قبل قليل عن العمل بعد الكوب، لكن لنتحدث شيئا ما عن الاستعدادات التي سبقت تنظيم هذا المؤتمر. هل القائمين على “كوب22” في بلادنا دبروا المرحلة القبلية بشكل جيد من حيث التواصل مع المغاربة؟

 

بوصوف: بطبيعة الحال فاستعداداتنا تختلف عن الاستعدادات الفرنسية لعدة عوامل، أولها أن الإمكانيات المتاحة للمغرب ليست هي نفسها المتاحة لفرنسا. بيد أنه كان من الممكن أن نشتغل بطريقة أخرى ولسنا مضطرين إلى نقل كل ما كان في باريس، على اعتبار أننا نتوفر على عنصر الابتكار والإبداع. بالنسبة لبلادنا فكان من الممكن أن نشتغل على ما سنستفيد منه في اللحظة الآنية، فقد لاحظنا أن حضور هذه التظاهرة الكبرى في الإعلام العالمي متواضع جدا، وهو ما يطرح السؤال عن المجهودات التي بذلناها من أجل الحضور كمغرب. فصحيح أن مؤتمرات الكوب تتكلف بها الأمم المتحدة على مستوى التأطير والتواصل، لكن بالنسبة لبلادنا فالفرصة سانحة لنُعرف بالمغرب والمكتسبات التي تم تحقيقها والمحطات الكبرى لبلادنا، وأعتقد أن هناك قصور على هذا المستوى. ثانيا أرى بأننا لم نقم بإشراك الشعب المغربي عبر سياسة تواصلية تشرك المواطن المغربي في “كوب22″، فكثير من المواطنين لا يفهمون التغيرات المناخية ويعتقدون بأنها شيء بعيد ولا يمس حياتهم اليومية وربما شيء مرتبط بالخيال. وكما تعلمون ففي المجال الطبي الأمراض الأكثر فتكا هي التي لا تحدث ألما، وخطورة التغيرات المناخية هي أنها لا تحدث ألما بل تقوم بتدمير كل ما يحيط بالإنسان. لذلك فالمغرب كان بإمكانه أن يقوم بسياسة تواصلية تقوم أولا على تحريك المخزون الثقافي الكبير المرتبط بالثقافة الشعبية المغربية، والتي تحافظ على البيئة وتهتم بها. أتذكر أنه في صغري عندما كانت تدخل الطيور المهاجرة لبيوتنا من أجل بناء عشها المؤقت ريثما تستأنف طريقها، فقد كان هناك أمر ربما مرتبط بالخرافة أو الأسطورة لكنه رادع من أجل عدم المساس بهذه الطيور المهاجرة، حيث كان يقال لنا بأن أيادينا سترتجف إذا تم المساس بها. فنحن الصغار لم نكن نجرؤ على قطع سلسلة هجرة هذه الطيور، لأنه لو قمنا بذلك لانقرضت هذه الطيور، ولذلك فالمجتمع أبدع سياجا وحصانة لهذه الحضور. وبالتالي نحن نتوفر على مخزون كبير في الثقافة الشعبية لم نستطع أن نخرجه، وأشير هنا إلى ما يرتبط بالمحافظة على الغذاء ونحن نعلم أن المجال الأكثر تهديدا بالتغيرات المناخية هو الأمن الغذائي. لدينا أيضا خزان كبير في موروثنا الديني، الذي كان بإمكاننا تحريكه ليكون المواطن المغربي عنصرا مشاركا في اهتمامات “كوب22″، وذلك عن طريق سياسة تواصلية مبنية على المعرفة وخصوصيات الشعب المغربي. فتعامل المغاربة مع الماء مثلا يذكرني بمؤلف من أربعة أجزاء للأستاذ عزيز بنعبد الله حول الماء في الإسلام، والذي تطرق لكيفية عدم الإسراف والمحافظة عليه وعدم تلويثه. فلو استفدنا من مخزوننا في الثقافة الشعبية والموروث الديني لاستطعنا أن نشرك المواطن المغربي في دينامية المؤتمر، وأيضا العمل الذي يجب أن يتم بعد هذا المؤتمر. فـ”كوب22” ليست لديها عصا سحرية، بل ستعطي فقط آليات للإنسان لكي ينفذها فيما بعد، وعلى الإنسان أن يكون منخرطا وجدانيا وملتزما بهذه القضايا. الخلاصة هي أننا لا يمكن أن نستمر اليوم بنفس نمط العيش لمواجهة التغيرات المناخية بل لابد من تغييره، ولا يمكن لهذا النمط الاستهلاكي الشرس أن يساعدنا على مواجهة هذه التحديات. لذلك لابد أن نشتغل على العقليات، وهنا لدينا موروث كبير في الثقافة الشعبية والدين. أيضا من الناحية الثقافية والعلمية أيضا، فالإنتاجات أكاد أقول بأنها منعدمة مقارنة مع فرنسا التي أنتجت مجموعة من الأدوات البيداغوجية الموجهة للتلاميذ من رسوم متحركة وكتيبات صغيرة تحسس الأجيال الصاعدة، والحال أنه لم تكن هناك سياسة تواصلية في هذا الاتجاه ومن اللازم أن يتم استدراك ذلك مستقبلا.