المتتبع للجرائد المغربية وبعد تمحيص دقيق يستنتج أمور عدة , أولها لا توجد صحافة مستقلة بمعنى الكلمة , حيث هناك جرائد ومواقع تابعة أو موالية للاحزاب, وهناك جرائد توهم القراء أنها مستقلة وغير تابعة للدولة أو جهات معينة , لكن عند متابعتها – أي الجرائد – تكتشف أنها تقف ضد الحكومة في كل صغيرة وكبيرة , نحن لا ندافع عن أي جهة , لكن الضمير الاجتماعي يملي علينا ذالك بالحاح
نتفهم حين يكون الانسان يتقاضى تعويض نظير الدفاع عن جريدة حزبية أو موقع معين , أو قضية وطنية , أو مشاكل اجتماعية عالقة , لكن أن يتحول الصحفي من الكتابة التي تغني الذاكرة الثقافية والاجتماعية الى الكتابة التي تذمر وتشوه وتعكر الجو العام الاجتماعي وتخلق احتقان مستمر لغرض معين , ضد حزب معين , فاٍن ذالك يحيلنا الى انحطاط الجانب الاخلاقي في مجال الصحافة المغربية , اٍسوة بغالبية الاحزاب السياسية التي أصبحت مميعة بشكل ينم عن تدهور وتراجع في التصورات والبرامج والقدرة على المواكبة في ظل التطورات العالمية .
في واقع الامر ومن المسلم أن الصحافة يجب أن تكون حرة , ونزيهة وغير متواطئة مع جهة ضد أخرى , واذا كانت هناك انتقادات فيجب أن تكون شاملة وذات صبغة حضارية , دون اللجوء الى التحالف مع جهات ضد ثيار ايديلوجي , أو حزب سياسي أو تجمع نقابي أو غيرها .
رغم الخطابات المتتالية التي تلوح بالاهتمام بموضوع الهوية والمواطنة , فاٍن الشغل الشاغل للصحافة المغربية هو انتقاد الحكومة وخاصة حزب رئيس الحكومة , مع العلم أن هناك أمور تبقى خارجة عن استطاعتها .
المغاربة يتمتعون بذكاء خارق في تحليل الاحداث وتسلسلها , ويميلون مع الثيارات في تناغم مصطنع , لكن عند الانتخابات يمتنعون عن التصويت بشكل تلقائي , مرجئين ذالك الى ضعف المصداقية التي تؤثث المجال السياسي في البلاد .
بعدما يئس المغاربة من سياسة الاحزاب وبعض قادتها , ينضاف اليوم الى القائمة موضوع الصحافة بشكل عام . هذه الامور مجتمعة تشل الحركة الثقافية وتجمد التفاعل الاجتماعي ولا تساعد على نمو عوامل الهوية والمواطنة , لا من بعيد ولا من قريب .
ومما لا شك فيه أنها تروم المجتمع برمته الى خانة اليأس والامتعاض وتنمي فيه مبادئ العزوف عن كل ما هو تربوي واجتماعي وثقافي وسياسي . اٍنه نوع جديد من تعذيب المواطنين فكريا , والقضاء على الطاقات الشابة وطمس جميع مكونات الذاكرة الجماعية .
الحلول ليست بأيدينا , وهي عزيزة المنال بدون شك , لكن نكتب انطلاقا من وازع الضمير الثقافي والاجتماعي , والتشبث بالانتماء الى هذا الوطن بدون مقايضة ولا تحامل , ونحاول أن ندون هذه الملاحضات بأسلوب مبسط عسى أن ننور الزوايا التي لا يصلها الضوء الكافي .
محمد بونوار رئيس جمعية الوحدة والمواطنة
كاتب واعلامي