عند جلوسك في أي مقهى بالمغرب , تصادفهم بل ويقتربون اليك بأدب واحترام في ثياب رثة وممزقة أحيانا , بعضهم يحمل عاهات مستدامة وبعضهم يستعين بأطفال صغار, منهم من يستجدي المارة ومنهم من يستعطف زبناء المقاهي ومنهم من يختبر شفقة المواطنين ورأفتهم وحنانهم بأنواع مختلفة من الالقاء .
اٍنه موضوع شائك جدا , حيث اختلط الحابل بالنابل , مؤخرا كانت احدى القنوات التلفزية المغربية قد خصصت برنامجا خاصا لهؤلاء الناس وتبين أن كثيرا منهم يمتهن التسول , نظرا لسهولة الحصول على الاموال بهذه الطريقة , وتبين أيضا أن منهم من يكسب عقارا ويمارس هذه المهنة الغير الشريفة , والتي لا تروق كثيرا من المواطنين .
في خضم هذا المخاض هناك من يتسول لكسب قوته اليومي نظرا لظروف قاهرة , أرغمته على امتهان التسول والاستجداء وهو غيرباغ ولا راض , وهناك من يجري جريا وراء جمع المال لاقنتاء جرعة من المخذرات التي استأنس جسده على تناولها , وهناك من هو في أمس الحاجة الى هذه الصدقات لكن عزة النفس وحفظ ماء الوجه تمنعه من مد يد طلب المساعدة .
مجانين ومتسكعون , أيتام ومعطوبون ,مرضى ومعاقون , مطلقات وشيوخ ,شباب وشابات تتشابه قصصهم وثيابهم وحياتهم وظروفهم ,هدفهم واحد وشعارهم واحد جمع المال بطريقة التسول والاستجداء .
يعيشون بين أحضان المواطنين وعلى صدقاتهم , منعزلون في حياتهم , ينتقلون بين الشوارع والازقة و تارة يسافرون بين المدن لاسباب مجهولة , يمارسون حياة البؤس والقهر والحزن والآلم في صمت اجتماعي رهيب , وفي حالات كثيرة يستأنس المارة بتصرفاتهم الغير العادية والتي تنم عن أمراض عقلية, أونفسية, أواجتماعية غائرة .
الاحزاب المغربية تتصارع فيما بينها ليخلو لها وجه المواطنين , دون أن تكلف نفسها عناء ومشقة وضع برامج أولية للاعتناء بهذه الشريحة المغلوبة على أمرها .
المجتمع المدني بدوره لم يبلغ درجة النضج للنهوض بالجانب الانساني في المواطنة , ترفع شعارات حقوق المرأة والطفل وتتم المناداة بالمساوات في الارث والوظائف , وتخصص مداولات للسماح للمعلمين والاساتذة باستئناف دراساتهم الاكاديمية , وغيرها من الجزئيات .
لا يختلف اثنان ان المغرب يسير بسرعتين , سرعة عالية تضاهي البلدان الاروبية في الاكل والملبس والدخل والسكن والحياة العامة .
وسرعة بطيئة , يستقر أصحابها في نفس المدن مع الميسورين لكن في أماكن غالبا تكون مهمشة , بدون اٍنارة كافية ولا صرف مائي متحضر , في مساكن عشوائية تقريبا ودخل محدود لا يكفي لللعيش الكريم .
نحن الان , لا نتكلم عن المتسولين بل نقصد العاملون والموظفون بأجور جد هزيلة , والذين يعانون الامرين من جراء الفوارق الاجتماعية الكبيرة .

هناك وقائع مرة ,ومرجعية ثابثة أٍذا ما تعمقنا في الظاهرة حيث أن ملك البلاد محمد السادس تعرض في مناسبتين خلال نفس السنة الى هذا المشكل الاجتماعي الكبير , حيث جاء في خطابه الاول بالحرف أن الفوارق الاجتماعية عظيمة في المجتمع المغربي ويجب معالجتها , وعلى بعد 3 اشهر تقريبا تكرر الخطاب بصيغة أخرى بلسان الملك أيضا , ألا وهي المواطنة الحقة في أوساط المجتمع المغربي .
ولاة الجهات والاقاليم , يبقى شغلهم الشاغل هو استثباث الامن والاستقرار , وفي بعض الاحيان النظافة والمحافظة على البيئة , ولو رجعنا الى جل أسباب الاحتقان والجريمة المنظمة والغير المنظمة , لوجدنا أن غالبيتها تأتي من جراء الفقر والتهميش والبطالة .
من باب الحقوق لم ينصب أحد نفسه كمدافع مدني عن حقوق المهمشين والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة , خاصة أنهم يقاصون مشاكل يومية مع المستشفيات ووكالات الماء والكهرباء وغيرها من المصالح التي تثقل كاهلهم بمزيد من التعذيب المادي .
يجري هذا في غياب الهيئات التي من المحتمل أن تشرف على متابعة أطفال الشوارع من الناحية الاجتماعية والنفسية والطبية وغيرها من الاحتياجات , لتقليص الفوارق الاجتماعية وتثبيث المواطنة بين أوساط الساكنة .
أما بالنسبة للامهات المشردات والشيوخ بدون مأوى قار, والمرضى , والمعوقين , فنظرا لتفاقم أعدادهم في المدن والقرى المغربية , فقد آن الاوان لسن سياسية جديدة تهتم بهذه الشريحة من المجتمع المغربي .
التقدم دائما يأتي باٍكراهات حقيقية , لا أحد ينكر الرخاء الذي حققه المغرب في حياة الفرد في ميادين مختلفة , لكن الفوارق الاجتماعية تسجل أرقام بائنة لا تدع مجالا للشك والتردد