من حين لآخر تردنا أخبار تفيد إقدام أحدهم أو إحداهن على وضع حد لحياته أو حياتها، وذلك عن طريق الانتحار.  وآخرها ما سمعناه من أن امرأة في عقدها الرابع أقدمت على الانتحار. وحسب مصدر الخبر، فإن المنتحرة كانت تشتكي من شتائم وإهانات…  تتلقاها من أوساط داخل عائلتها، تتلقى ذلك لأنها ببساطة لم تتزوج بعد.  هذه قصتها باختصار شديد. 
تساءلت مع نفسي – بعد الترحم عليها طبعا- : لماذا انتحرت هذه المرأة؟ أحقا انتحرت لأنها لم تتزوج؟  أم أنها انتحرت لأنها في محيط عائلة يضايقها…؟ وهل انتحرت أم نحرها مجتمعها؟  أم ماذا…؟ كثير هي تلكم الأسئلة التي يمكن أن تتناسل لوحدها بمجرد إثارة موضوع بهذا الحجم. 
 نحن هنا بصدد معرفة بعض الأسباب التي كانت وراء إقدامها على الانتحار،  ومن ثم محاولة التعرف على الإجابة.  لأننا أمام تصرفات تُوجِب علينا النظر الطويل، والنصح الخالص، والمصارحة بتعاليم ديننا الحنيف كلما وجد أدنى انحراف عنها. 
أقدمت على الانتحار – وكيفما كانت الأسباب –  لأنها كانت في ألم مرير يُنَغِّص عليها حياتها، وبسبب هذا الألم، لم يهنأ لها طعام ولا شراب ولم يستقر بها فراش… أقدمت على الانتحار بعــد إصابتها بأمراض نفسية، نتجت عن الواقع المرير الذي كانت تعيشه في محيطها الاجتماعي. 
أكيد أنها كانت تبحث عن حل لوضعيتها هذه المتأزمة، لكن لم تهتد إلى حل صحيح لحالتها، لذلك قررت فيما قررته أن تضع حدا لحياتها من أجل التخلص من الألم الذي لا يطاق، فلجأت إلى الانتحار. قد يقول قائل وقد قال بعضهم :  إن الانتحار بحد ذاته ألم !  فكيف تهرب من ألم إلى ألم آخر أكثر خطورة وأكثر قسوة وغير مرغوب فيه؟ 
الانتحار بحق ظاهرة تستدعي الوقوف طويلاً والتفكر في أسبابها ومنشئها، بل وكيفية علاجها، لأن الإحصاءات تفيد أن في كل دقيقة هناك شخصا ما في مكان ما من العالم ينتحر. بمعنى آخر، أنه أثناء كتابة هذه الأسطر وأثناء قراءتها هناك من يفكر في الانتحار بل وهناك من ينتحر! 
الحل الوحيد للمشكلة هو ربط الإنسان بقضيته الوجودية التي من أجلها كان، بعبارة أخرى، ربطه بالإيمان ليحقق مهمة التعبد، لأن الإيمان هو الإطار الوحيد الذي يمكن لهذه الحالة الاجتماعية وغيرها من الحالات أن تجد ضمنه حلها الصحيح. الإيمان هو الطاقة الروحية التي تستطيع أن تُعوّض الإنسان عن طموحاته المؤقتة التي يُحرَم منها في حياته أو يتخلى عنها طواعية أملاً في النعيم الدائم، وتستطيع أن تدفعه إلى تجاوزها إيمانا منه بأن هذا الوجود المحدود الذي  يصبر فيه ويضحي به ليس إلا تمهيداً لوجود خالد وحياة دائمة، وهذه الطاقة الإيمانية والروحية هي وحدها دون غيرها تستطيع أن تخلق في التفكير نظرة جديدة تجاه الذات بل وتجاه الآخر. 
فلابد من وقفة طويلة مع الذات حتى يتم التعرف عليها ومصارحتها، ومن ثم تحقيق سعادة لها. ولم يجانب الصواب فلاديمير نابوكوف لما قال في روايته الشهيرة “العين”: أن السعادة الوحيدة في هذا العالم هي أن تتفحص وتلاحظ ذاتك. 
إن هذا الذي نسمع عنه من حين لآخر ليدعو إلى القلق. وحتى نتفادى مثل هذه المأساة، لابد من التوجيه الصحيح والتربية السليمة، وإعطاء لكل ذي حق حقه خاصة لما يتعلق الأمر ببنات حواء، اللائي غُلِبْن على أمرهن. ولأنه لا يجوز تأخير البيان عند وقت الحاجة كما هو معروف. فلابد من الإشارة إلى بعض ما ورد في مشكاة النبوة حولهن ومن أجلهن. قال عنهن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم.   وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم. وقال أيضا: ولا يكون لأحد  ثلاث بنات أو أخوات، فيحسن إليهن إلا دخل الجنة. ما أعظم شأنك وما أعظم تعاليمك السمحة. لو تمسكت بها البشرية لمْ ولن تشقى أبدا. في ظل تعاليمك يا حبيب الله تعيش المرأة حياة كريمة، حياة ملؤها الحفاوة والتكريم. 
  
*أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي وباحث في الدكتوراه