<p> 

اللقاءات التواصلية مع أفراد الجالية المغربية المقيمة بالمهجر ، لا يمكن للإنسان ولكل عاقل إلا أن يثمنها ويرجوا لها كل التوفيق والإستمرارية ، لكن التي يغلب عليها الصمت والتجاهل لهموم وقضايا الجالية ، يجب علينا أن نتوقف عندها لندلي بآراءنا فيها بكل تجرد وموضوعية. في الأسبوع المنصرم عقد رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية ووزير الشؤون الخارجية والتعاون السابق الدكتور سعد الدين العثماني ، لقاء محتشما ومحدودا بمنطقة “أونفرس” البلجيكية بعد لقاء له سابق ب “بروكسيل”، وكان لي الشرف في حضورهما حبا في الإطلاع على مواقف الهيئة السياسية التي ينتمي إليها السيد العثماني بشأن عدد من القضايا وخصوصا منها التي تستأثر باهتمام كبير من طرف أفراد الجالية. لكنني صدمت حينما شاهدت المسؤول الحزبي السالف الذكر يبكي على أحوال المغاربة  محاولا ” ذرف ” دموع الرثاء ، لكنه لم يحدد المسؤوليات ومكامن الخلل بدقة ووضوح . تحدث عن ” الربيع العربي الأمازيغي ” وفضل في خطابه ، المقاربة التعميمية والفضفاضة ، للوصول إلى المبتغى والذي لم يكن سوى تصفية حسابات مائعة مع خصوم سياسيين ، ومحاولة إظهارهم على أنهم ” شر مستطير ” في البلد ، وفي خضم هذه المقاربة الغير المنصفة وغير الموضوعية تمت الهرولة إلى الوراء ، إلى التاريخ ، إلى المتحف… لقاء تم خلاله ” سلخ ” اللغة العربية سلخا ، وقيل فيه كلام كثير بلا فائدة مادام لم يقترن بمبادرات ميدانية وتدابير عملية. وأعتقد وربما سيشاطرني القراء الأعزاء الرأي ، أن الخطب الرنانة ، تفتقد معانيها ودلالاتها ، عندما لا تقترن بإجراءات ومبادرات حقيقية ، يلمسها الجميع على أرض الواقع ، ويكون لها الأثر البالغ في النفوس والأفئدة ، وترسم آفاقا مستقبلية واعدة. كنت أتمنى كما كان الشأن بالنسبة لمن حضر” اللقائين” ببركسيل وأونفيرس من إخواني أفراد الجالية ، أن نسمع من رئيس مجلس وطني لحزب يقود الحكومة ببلادنا ، بعض التصورات التي يكون هو وحكومة حزبه يتوفرون عليها في مجال الإهمال والتهميش الذي تتعرض له الجالية من طرف الحكومة ، وغيابها عن برامج وأنشطة واهتمامات الحكومة ، وإن كان هذا الإهمال في نظري ، ليس إلا أحد تجليات غياب العامل المهاجر عن البرامج الحكومية ، وافتقاد هذه الأخيرة لرؤية واستراتيجية شاملة كانت ستكون كفيلة بأن تجعل من الجالية حقا، إحدى رافعات التنمية وتعزيز مشاعر وقيم المواطنة، علما بأن الواقع المعاش من طرف الجالية ينطق بمجموعة من الحقائق الصادمة ، لكن لا أحد ممن يوجدون اليوم في مواقع القرار الحكومي فطن إلى ما يجب القيام به. حاولت أن استصدر من السيد العثماني بعض ما يغيب عني من شروحات لبعض المواقف التي اتخذها حزبه ، لكنني تأكدت بأن الشخص يشكل امتدادا لعقلية التقوقع والانغلاق والتعتيم ، التي تسود مكونات الحزب الحكومي الغنية بالخطب ، والفقيرة من حيث الفكر الخلاق وثقافة الانفتاح والتواصل والحوار . وإلا كيف يفسر السيد العثماني ومن سهر على تنظيم” اللقائين” ببروكسيل و أونفيرس ، فرض حصار على من يخالفهم الرأي بل واتهامهم بأنهم تم تسخيرهم لنسف ” اللقائين ” المحتشمين ؟ ومتى كانت التساؤلات المشروعة حول تعيين متابعين من طرف المجلس الأعلى للحسابات أو توسيع الحكومة في نسختها الثانية من 31 وزيرا إلى 39 وتغليب جناح المستقلين عليها، ومشاركة الجالية المغربية في تحمل المسؤولية في المؤسسات الدستورية وعلى رأسها مجلس النواب، وأسباب عدم تنزيل عدد من القوانين التنظيمية كترسيم الأمازيغية والجهوية الموسعة، وعدم جعل الأسطول البحري المغربي في خدمة أفراد الجالية أثناء موسم العودة ، تشكل محاولة ” لنسف اللقائين “؟ لا أعتقد أن السيد العثماني ومن كانوا بجانبه في هذه المناسبة ، يغيب عنه أن الإصلاح الذي حاول التركيز عليه في مداخلته، له مفهوم واحد ، كما أنه يتأسس على منهجية واحدة ، قوامها المقاربة التشاركية ، والتواصل الجدي مع الرأي العام ، ومن يريد أن يبصم على شيئ مفيد ، وهو مؤمن ومقتنع بأفكاره وتصوراته ، لا يمكن أن يهرب من الحوار والتواصل ويتجاهل استفسارات وتساؤلات الحضور ، لأن الهروب دليل على الضعف والعجز والإقرار بشكل ضمني بعدم صواب أسلوب العمل شكلا ومضمونا، وأتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت لكل من يهمه الأمر .