بركان/ ذ.محمد العتروس

القصة القصيرة بالجهة الشرقية

الجهة الشرقية كانت، أدبيا، وإلى حدود تسعينيات القرن الماضي، منطقة المشيخة وفن الكول والمسرح ومنطقة شاعرة بالدرجة الأولى.
وعندما نقول: جهة شاعرة، فنحن نقصد أنها شاعرة إلى أبعد الحدود، خاصة مع وجود أسماء وازنة وطنيا وعربيا مثل الشعراء: حسن الأمراني، محمد علي الرباوي، محمد لقاح، محمد بنعمارة، محمد منيب البوريمي وعبد الرحمان بوعلي، عبد السلام بوحجر، محمد فريد الرياحي وغيرهم.
لكن مع الجيل الجديد، وابتداء من التسعينيات أخذت الجهة تعرف تحولا كبيرا نحو السرد والقصة القصيرة.
كان لمحمد شكري المتحدر من بني شيكر (الريف) قصب السبق بأصدر مجموعتين قصصيتين: “مجنون الورد” سنة 1979 و”الخيمة” سنة 1985، وتلاه القاص والشاعر المغربي محمد منيب البوريمي بداية الثمانينات بإصدار مجموعته القصصية الأولى “الأسوار والكوريدا” 1984، ثم القاص مصطفى الراشدي “جراح على جدران سبة ومليلية” 1985. وانتظرنا إلى بدايات التسعينات لظهور مجموعات عبد القادر معتوق، وجمال بوطيب، ومحمد العتروس، وعبد المجيد بنمسعود، محمد برمضان… وبعدهم العديد من المجاميع القصصية.

يمكن أن نؤرخ للقصة القصيرة بالجهة الشرقية باعتبار ثلاث لحظات أساسية:
1. لحظة البدايات والتأسيس، حيث لم يكن للصوت السردي أي حضور، فما بالك بسلطته، إلا ما كان منفلتا من الزمن، ويمثل هذه اللحظة كل من محمد شكري ومحمد منيب البوريمي ومصطفى راشدي…
2. لحظة الترصيص، حيث حاول القصاصون إثباث القصة كندّ للشعر والمسرح، وكتعبير أدبي وفني أساسي في الجهة الشرقية، وتمثل ذلك منذ نهاية الثمانينيات وخلال التسعينيات.. حينها مثلا نظم بأبركان أول ملتقى قصصيا سنة 1989 ونظم اتحاد كتاب المغرب فرع وجدة لقاءات قصصية رمضانية سنة 1990، وأصدر عدد من الكتاب مجاميعهم الأولى، فيما استمر آخرون، باطراد، نشر قصصهم في منابر وطنية وعربية ومهجرية.
3. لحظة التركيز، أي اللحظة الحالية حيث ركزت الجهة الشرقية نفسها كعرابة للقصة القصيرة المغربية وكعاصمة من عواصمها المؤثرة من خلال عدد المجاميع القصصية الصادرة ومن خلال عدد كتابها وقيمتهم ومن خلال كذلك الملتقيات الحاضنة للقصة القصيرة والقصيرة جدا.
وقد ساهم في هذه الطفرة الكبيرة عدة عوامل:
1. اعتبار القصة القصيرة ظاهرة جديدة، وموجة مثيرة تجذب إليها العديد من الأقلام والشابة منها على وجه الخصوص، مع ملاحظة أن عددا كبيرا من الكتاب مارسوا كتابة القصة بعد أن بلغوا سنا متقدمة وهي ظاهرة تحتاج إلى دراسة.
2. قصرها الذي شجع على استسهال الكتابة في هذا الجنس الأدبي.
3. الدعم الذي لاقاه الشباب من أجل كتابتها.
4. الاعتماد على الوسائط التواصلية المتطورة والسريعة الانتشار.
5. سهولة النشر الورقي وانتشار المطابع ودور النشر والجمعيات التي تدعم النشر: منشورات ديهيا ببركان لوحدها التي نشرت أكثر من 20 مجموعة قصصية، الموكب الأدبي كفايت نشر 11 كتابا قصصيا في سنة واحدة، وجمعية الشرق للتنمية والتواصل ومنتدى إبداع أبركان وجمعية جسور الناظور…
6. تعدد الملتقيات واللقاءات التي تدعم الكتابة فيها. (“ملتقى أبركان للسرد”، “الموكب الأدبي تكفايت”، و”مهرجان الناظور للقصة القصيرة جدا”…).
وتعتبر هذه العوامل مجتمعة عوامل فارقة في القصة بالجهة خاصة، وبالمغرب عامة، فعلى الرغم من جميع الشوائب والنقائص والانتقادات التي يمكن أن نبديها بهذا الخصوص، إلا أن المحاسن والخدمات التي أسديت للقصة المغربية كانت أكبر من المساوئ. قبل هذه الملتقيات والمنشورات ووسائل التواصل المتطورة، كان كتاب القصة يعدون على رؤوس الأصابع، وكانت القصة شبه مهجورة ومهمشة.. ولكن بعدها أصبحنا نعرف تراكما كبيرا في الإنتاج القصصي، والإقبال على قراءته وكتابته ونشره. طبعا قيمة ما ينشر تختلف من كاتب إلى آخر، ومن تجربة إلى أخرى، لكن الأهم تحقق.. وهو تثبيت وجود جنس القصة في الأدب المغربي وفي الجهة الشرقية.
ومع هذا نرى أنه يجب أن تكون لدينا رؤية استراتيجية عميقة وجادة تطور طرق عملنا في النشر وفي الكتابة وفي تنظيم الملتقيات على مستويين: مستوى القيمة الإبداعية والفكرية للأعمال، ومستوى الابتكار في التنظيم لدفع الرتابة والتكرار واستنساخ السابق.

في المحصلة، أصدرت الجهة الشرقية إلى حدود سنة 2019 أكثر من 198 مجموعة قصصية لما يزيد عن 111 كاتب وكاتبة، ويهمنا هنا أن نذكرهم، استنادا على ببليوغرافيا للدكتور محمد يحيى قاسمي، مع الاعتذار لأننا لن نستطيع أن نمثل لهم جميعهم بنص من نصوصهم، لاستحالة ذلك، نظرا لاعتبارات موضوعية:
محمد شكري، محمد منيب البوريمي، مصطفى راشدي، جمال بوطيب، محمد العتروس، عبد المجيد بنمسعود، بشير القمري، محمد برمضان، المدني عدادي، محمد كمال، علي عبدوسي، سامح درويش، محمد عطاف، بديعة بنمراح، محمد المرابطي، فاطمة بوزيان، ميمون كبداني، بوتخيل ميموني، عبد الحكيم أمعيوة، حمليلي غواتي، الحسين بلحواشي، زهر الدين طيبي، عمر والقاضي، عبد القادر الطاهري، عبد قهار الحجاري، عمرو جلول، حسن محمد الحسني، علي أزحاف، مصطفى شعبان، سمية البوغافرية، عبد الله زروال، الجيلالي عشي، المختار الغرباني، عبد العزيز غوردو، فتيحة بلخير، الحسن بنمونة، حليمة الإسماعيلي، سعيد عبيد، فاطمة الزهراء بنبراهيم، بلقاسم سداين، جمال الدين الخضيري، إدريس بحار، أحمد بلقاسم، الحسن مختاري، إسماعيل العثماني، محمد مباركي، عبد الكريم هرواش، نور الدين الزاوش، أحمد لطف الله، خالد مزياني، معمر بختاوي، السعدية السلايلي، عيسى حموتي، نور الدين الفيلالي، مصطفى الطاهري، ميمون حرش، عبد الوحد عرجوني، آمنة برواضي، زليخا الأخضري، الموساوي، ياسين قدوري، محمد أعشبون، حسام فتحي، محمد بودشيش، حياة بلغربي، نور الدين كرماط، حنان قروع، مريم لحلو، عبد الله زغلي، رامية نجيمة، جميل حمداوي، محمد حماس، فريد كومار، إحسان الراشدي، حياة خطابي، رحيمة بلقاس، سعاد أشوخي، مولاي الحين بنسيدي علي، عبد الله لحسايني، الخضر الورياشي، محمد عزوز، محمد أرغم، سعيد كفايتي، محمد حامدي، زلفى أشهبون، محمد بلحسن، عبد الله فرجي، جواهر ماسين، رشيد قدوري، نجاة قيشو، محمد خالدي، محمد أمحور، محمد عيادي، بديعة الطاهري، محمد حمو، عادل التكفاوي، محمد الهدار، يحيى زروقي، محمد أمين جدايني، عبد الحفيظ مديوني، بدر المقري، ليلى عبدلاوي، سعيد ملوكي، الجيلالي الغرابي، الحسين قيسامي، جواد أعدري، عبد المجيد طعام، حسناء الشيخي، عبد الرحيم شراك، يونس البوتكمانتي، عبد القادر بوراص.
وننوه إلى أن هناك قصاصون وقصاصات لم يصدروا بعد نصوصهم في كتب.

إذا كان هذا هو تاريخ القصة بالمنطقة الشرقية، وكانت هذه هي الأسماء المبدعة فيها، فهل يمكن أن نبحث عن خصوصية معينة للقصة القصيرة بها؟
لا ندري إن كان هذا البحث مجد، لكننا نرى أن تاريخ، وخصوصية الكتابة بالمغرب، هي خصوصية واحدة تنسحب على الوطن ككل. خصوصية المشترك الثقافي والحضاري والجغرافي والفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي… وفي هذه الوحدة هناك التعدد، مثل تعدد الذوات، خاصة أن أدباء المنطقة الشرقية تميزوا، قديما وحديثا، بالترحال إما غربا جهة الداخل المغربي، أو شرقا جهة الجزائر، أو شمالا جهة أروبا. وهو ما جعل لنصوصهم نكهة لا تخطئها الذائقة السليمة.. والنصوص الثلاثون التي اخترناها لكم، في هذه الحلقات، دليل على ما نقول.

ختاما، لا بد أن نشير إلى أن للمختارات أو الأنطلوجيات الإبداعية عموما دورا مهما في التعريف بجنس أو فن أو إبداع معين، أو الإشارة إلى مبدعين بعينهم، أو إلى ظواهر وحساسيات مميزة، وقيمتها مرتبطة بقيمة ومجهود القائم أو القائمين عليها. فأحيانا قد تنجح، وأحيانا أخرى قد تفشل في نقل الصورة العامة لهذا الجنس. هي مرتبطة، أساسا، بمدى ثقافة واطلاع وذوق المنتقي، أو صاحب الاختيارات، وشروط الناشر. ولا يمكننا أن نلوم أحدا، لأنها، أساسا، اختيار.. والاختيار قائم على القراءة، والذوق الشخصي، والأهداف التي يسطرها في البداية صاحب الأنطلوجية، ولا يمكن أن نحاسبه إلا في إطار التعاقد الذي بينه وبين القارئ في تقديمه، وهل كان وفيا لذلك أم لا. أما ما عدا ذلك، فالمختارات لا تمثل كل القصص القصيرة المكتوبة أو المنشورة، ولا أجود القصص القصيرة، ولا أبدع القصاصين والقصاصات.
إذن هو اختيار يتحمل المنتقي وحده، بمعية الناشر، ما يترتب عنه من تبعات.
وهذا هو حال هذه المختارات:
“ثلاثون قاصا وقاصة.. ثلاثون قصة”.
نشكراهتمامكم، ونأمل أن نكون ـ بهذا العمل ـ قد سلطنا بعض الضوء على القصة القصيرة بالجهة الشرقية، وعرفنا ببعض أسمائها، ولامسنا في اختياراتنا بعض اتجاهاتها وحساسياتها وظواهرها، وحببنا القارئ المحلي والوطني والعربي في أدب هذه الجهة، وحفزناه على الاطلاع عليه، في انتظار أن نستكمل أو يستكمل غيرنا هذا العمل بإضافة أسماء ونصوص أخرى.
(غدا موعدكم مع أول قصة قصيرة للكاتب المرحوم محمد منيب البوريمي)