يتبين ظاهريا لدى المتبعين للشأن الحزبي المغربي، بان هناك حربا ضروسة و معلنة على الاقل خطابيا و اعلاميا بين حزبي الاصالة و المعاصرة و العدالة و والتنمية، و صلت الى حد مطالبة رئيس الحكومة و الامين العام للعدالة و التنمية علانية بحل جزب البام. لكن تلك “الحروب الخطابية” سرعان ما تحولت الى “برد و سلام” في الاراضي المنخفضة. فحزب البام حرك الياته لكي ينظم نشاطا “ضخما”، حضرته جميع الاحزاب المغربية الممثلة في البرلمان و بتمثيلية رفيعة المستوى من وزراء و برلمانيين (البام، العدالة و التنمية، الأحرار الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية …. بالإضافة الى الامين العام لمجلس ألجالية)، في اطار مسيرة “خضراء” جديدة …عفوا “صفراء” لتشكيل اجماع ضد جالية اغلبيتها المطلقة من اصول ريفية / شمال المغرب.

و السؤال اللغز هو لماذا هذا الانزال الحزبي في هولندا الان و في هذا التوقيت بالضبط؟  و من اعطى “تعليماته” للتحرك في مسيرة بطنية (نسبة الى البطن) نحو الاراضي المنخفضة ل”تحريرها” من الريفيين المشاغبين (و المطالبين بتغيير سلوكهم على حد تصريح سفير المملكة المغربية بهولندا)، و استرجاع هولندا الى حظيرة الانبطاح الكلي للمخزن و مشاريعه؟

لماذا هولندا بالضبط اذن؟

لا يجادل اثنين ان الهجرة المغربية في هولندا ريفية بامتياز، و ان هذا التكتل البشري الضخم حمل معه معاناة الناس المنسيين هناك، و حمل تاريخهم، و تراثهم، و ثقافتهم و لغتهم، مما جعل مغاربة هولندا اكثر نشاطا على قضايا الريف مقارنة مع باقي دول المهجر. ففي السنتين الاخيرتين فقط، نظم في هولندا انشطة من مستوىات عليا  (سواء اتفقنا او اختلفنا على طرق تنظيمها و تدبيرها). مستويات عليا من حيث التنظيم و المضمون او الحضور و المشاركين و المواضيع. فهولندا كانت مبادرة في تخليد الذكرى الخمسينية لرحيل اب الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم ألخطابي مثلا، و تلتها اضخم ندوة حول ملف حساس جدا، و يتعلق الامر بملف الغازات السامة التي قصف بها الريف من طرف القوى الاستعمارية و بتواطؤ من مولاي يوسف العلوي حاكم مغرب الحماية آنذاك. دون ان ننسى مهرجانات التضامن مع المعتقلين السياسسين  و على رأسهم معتقلي بني بوعياش و على انوزلا و كذا التنديد بكل خروقات  قضايا حقوق الانسان في المغرب كله و من اقصاه الى اقصاه.

اذن لا يمكن ان يقرا انزال “احزاب الملك” بهذه الكثافة، إلا في اطار رد فعل النظام و مجالسة و ادواته لمسح كل المجهودات  التي بذلت و التراكمات التي بنيت من طرف النشطاء الديمقراطيين المغاربة و الهادفة الى تأسيس ثقافة ممانعة متعددة تعمل على تحصين الهوية و الثقافة و الذاكرة و التراث و لغات مغاربة هولندا.

ان جلوس العدالة و التنمية اليوم على طاولة واحدة مع البام و في هولندا بالضبط، له مهندسه و مخططه  ومحركه و مموله و تعكس صورة مأساوية لنوعية صراع الأحزاب في المغرب. و تبين للعادي و البادي ان كل ما يجري هناك من “صراع حزبي” مسرحية و ان في المغرب حزب واحد مشكل من “احزاب الملك”،و هذا الاخير يحكم وحده. و كل من لا يتفق على هذا النوع من التدجين فماله جهنم او في احسن الاحوال التهميش و التقتيل البطيء و ثم يغنون في جنازته باستدعائهم لألمع النجوم و الفنانين  وهم يلبسونهم يلبسونهم علم اليوطي بالقوة و التهديد او الاحراج ، و يقيدونهم بتركة اكيس ليبان ليغنوا ما يشاءون و ما لا يشاءون…..