نظم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، بالتعاون مع رابطة الأئمة ببلجيكا، دورة تكوينية لفائدة الأئمة والمرشدين والمرشدات يوم الخميس 8 مارس 2018، بـبروكسيل، وذلك تحت عنوان: دور الإمام في نشر ثقافة القيم المشتركة بين الناس. وقد شارك في الدورة أكثر من مائة إمام ومرشدة، أتوا من مختلف مناطق بلجيكا.

 

افتتحت الجلسة الصباحية بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها السيد محمد قجاج عضو المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة. وتناول الكلمة بعدها كل من السيد الطاهر التجكاني، رئيس المجلس؛ والسيد محمد التجكاني، رئيس رابطة الأئمة ببلجيكا؛ والسيد خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس.

 

أكد السيد الطاهر التجكاني في كلمته الترحيبية على أهمية موضوع القيم المشتركة، قائلا: “أننا أصبحنا جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع الأوروبي متعدد الألوان والأديان والثقافات، وعلينا واجبات ولنا حقوق، ونشعر بما يشعر به كل مواطن في هذه البلاد، ويعنينا مثل غيرنا أو أكثر من غيرنا أن نوائم بين ديننا ومواطنتنا، ونعيش بسلام في بيوتنا ومساجدنا ومجتمعاتنا وعالمنا من خلال ما تواضع عليه العالم من قيم مشتركة وأخلاق مشتركة في مجالات كثيرة وميادين مختلفة”.

 

وأكد السيد محمد التجكاني، رئيس رابطة الأئمة ببلجيكا على أهمية الإمام ودوره في نشر ثقافة القيم وذلك من خلال ممارساته وغرس ذلك في رواد مسجده والخروج من دائرته الضيقة إلى فسيح فضاء المجتمع، من أجل تكوين جيل صالح متشبع بالقيم الإنسانية والأخلاق الإيمانية، ليكون مواطنا صالحا إيجابيا، مع حفاظه على هويته وانتمائه لأمته وبناء مجتمعه الذي يعيش فيه.

 

وجاء في كلمة السيد خالد حاجي أن القيم المشتركة هي تلك القيم التي يبنى عليها الفضاء العمومي في مجتمع متعدد الثقافات والديانات والأعراق والإثنيات. ويقع على عاتق الأئمة والمرشدين والمرشدات مسؤولية تمرير هذه القيم وتحويلها إلى سلوك ثقافي يومي. ولهذا فمن الضروري الاجتهاد على تنزيل القيم من العوالم المطلقة لتصبح قابلة للتطبيق في سياقاتنا المجتمعية الأوروبية، مع مراعاة مواءمتها لهذه السياقات.

 

وبعد هذه الكلمات الافتتاحية شرع في أشغال الورشة بمحاضرتين ألقاهما كل من السيد سعيد شبار والسيد مصطفى المرابط. وقد ركز السيد شبار على أن قيم الإسلام هي في جوهرها قيم قابلة للتطبيق وتساهم في تخليق حياة الفرد والجماعة، وأنها قيم لا تتصادم مع الفطرة، وتصب في تعزيز الاعتدال والوسطية، لكونها تنبني على بعدين، البعد الغيبي والبعد المادي. ومما جاء في محاضرته أن القيم الإسلامية تتسم بروح الانفتاح، وهو الأمر الذي يؤهل المسلم كي يتفاعل ويتواصل مع قيم المجتمع وإن لم يكن المصدر فيها هو الدين، وإلا فكيف يعتبر العرف أصلا من أصول التشريع.

 

أما السيد مصطفى المرابط فقد ركز على كيفية تجاوز المفارقة التي يعيشها المسلمون عموما، والأئمة خصوصا، في أوروبا بين مقتضيات قيم المواطنة، التي تؤطر الحياة الاجتماعية في السياق الأوروبي، وبين مقتضيات القيم الدينية. وقد أشار إلى أن الأصل في جوهر القيم واحد وأما الاختلاف فمرده إلى طرائق تمثل هذه القيم والتعبير عنها. فإذا كان الأصل في مجال القيم لا يمثل مدعاة للتصارع والتصادم، فإن مجال تمثلها، على العكس من ذلك، قد يكون مجال تنافس وتدافع بغرض إبداع أرقى الوسائل للتعبير عن هذه القيم. وهذا ما يساهم في إغناء المجتمع عوض إضعافه.

 

وقد تفاعل السادة الأئمة والسيدات المرشدات تفاعلا إيجابيا، بحيث كانت لهم إضافات واستفسارات تنم عن وعيهم بالواقع اليومي، حيث يجدون أنفسهم مدعوين للتوفيق بين القيم الدينية وقيم المواطنة.

 

وتوزع المشاركون في الدورة التكوينية على ثلاث ورشات: ورشة القيم الإسلامية، وورشة القيم الأوروبية، وورشة القيم المشتركة. وبعد مناقشة مستفيضة، تناول الكلمة مقررو الورشات ليقدموا تقريرا عن أهم النقاط التي تم التطرق إليها، وعن التوصيات التي خرجت بها كل ورشة.

 

وقد اختتمت الدورة  بكلمة للسيد رئيس المجلس وكلمات للأساتذة المؤطرين أكدوا فيها على أهم قيمة يمكن أن تكون مفتاحا لحل مشاكل العالم هي احترام الاختلاف، بحيث يصبح الاختلاف بين الناس انسجاما ورحمة، وتصير العداوة مودة ومحبة طبقا للآية الكريمة: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

 

إنه قانون أخلاقي يحث عليه القرآن الكريم، فالإحسان يورث الإحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.