يوسف محمدي

أحكم إغلاق الباب وأجهز عليهما واستفهامات حول              إهمال علاج المرضى

تسائل جريمة القتل المزدوجة، التي شهدها سيدي الخدير بالحي الحسني بالبيضاء، وراح ضحيتها مسنان، هما والد الجاني وزوجة أبيه، المسؤولين حول مصير عدد كبير من ضحايا الأمراض العصبية والعقلية، الذين يعيشون داخل الأسر، فالمشتبه فيه الذي كان يوجد رهن الحراسة النظرية مساء (الاثنين) الماضي،لم يتلق العلاج المناسب والكافي، إذ منذ 2018 وهو يتابع علاجات متقطعة مع نقص في الأدوية، يؤدي إلى الانقطاع عن تناولها ما ضاعف حالته…

مسرح الجريمة غرفة في السطح، بمنزل في حي سيدي الخدير، يتكون من طابق سفلي وآخر علوي، بالإضافة إلى سطح به بعض الغرف. استقل الأب وزوجته بغرفة ومطبخ في السطح، يجاورهما “المشتبه فيه”، إذ يحوز بدوره غرفة كانت تؤويه رفقة زوجته وابنه الصغير، قبل أن تلوذبأهلها بسبب مشاكل متعاقبة وبطالة الزوج.

اكتشاف المجزرة
كان الوالد سائقا لسيارة أجرة قبل أن تضعف قواه ويضطر إلى ترك السياقة، مكتفيا بما يحصل عليه من عائدات الكراء، إذ أنه أكرى غرف الطابقين السفلي والأول.
ورغم أن المنزل غاص بالسكان، فإن المشتبه فيه، ارتكب مجزرته ولم يوقفه أحد، وحسب المعلومات التي توصلت بها “الصباح” فإن الجاني، عاد من المسجد بعد أداء صلاة العصر وصعد إلى غرفته، وما هي إلا لحظات، حتى سمع صراخ منبعث من السطح، كان مصدره الوالد الذي كان يستغيث ويطلب النجدة، في تلك الأثناء كان المشتبه فيه قد وجه طعنات بواسطة سكين تستعمل عادة لنحر أضحية العيد، إلى زوجة والده داخل غرفتها، وحين قدوم الأب لمحاولة إيقافه تعرض بدوره إلى طعنات.
صعد بعض سكان الطابقين وطرقوا الباب دون أن يفتح لهم أحد، ما دفع إلى إشعار الجيران ليتكلف شباب بالقفز من سطح المنزل المجاور، والتوجه إلى مصدر الصراخ وهو غرفة الوالد وزوجته، إذ اضطروا إلى كسر الباب ليجدوا مشهدا مرعبا، الضحية الأولى جثة والأب يترنح فاقدا قواه لشدة ما تلقاه من طعنات.

حضور الأمن والسلطة
لم تتأخر مصالح الأمن عن الحضور إلى مسرح الجريمة، كما حضرت عناصر السلطة المحلية، لتنطلق الإجراءات، بإلقاء القبض على المشتبه فيه، الذي حوصر من قبل الجيران، بينما نقل الوالد إلى المستشفى لتلقي العلاج.
انطلقت إجراءات عناصر الشرطة العلمية والتقنية، قبل نقل جثة زوجة الأب إلى مستودع الأموات، لتصل أخبار بعد ذلك تؤكد أن الوالد لقي حتفه متأثرا بالطعنات التي تلقاها.
وخلصت الأبحاث الميدانية إلى أن الجاني يعاني اضطرابات عقلية تفقده أعصابه، إذ حاول الانتحار سابقا بعد أن ارتمى من سطح المنزل، كما أكدت التحريات أن المعني بالأمر يتناول أدوية توصف للمرضى عقليا ونفسيا، منذ 2018.

مسؤولية من ؟
جريمة القتل المزدوجة المسجلة بالحي الحسني بالبيضاء، تنضاف إلى الجريمة المماثلة، التي راحت ضحيتها سائحتان بتزنيت وأكادير، الأولى لقيت حتفها والثانية أنقذت بأعجوبة، إذ أن مرتكبي الجريمتين يعانيان خللا عقليا، ما يعني أن إهمال المرضى من هذا النوع يتحول إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وهو ما سجلته سوابق مماثلة، الشيء الذي يدق ناقوس الخطر لتحمل المسؤوليات والاعتناء أكثر بهذه الفئات، التي تتحول إلى خطر داهم، سواء داخل البيوت أو في الأزقة والشوارع.

بطالة ومرض 
تابع الجاني دراسته إلى حدود الباكلوريا، وقبل عشر سنوات توفيت والدته، فتركت في دواخله عطبا نفسيا، إذ وجد نفسه رفقة شقيقتين يواجهون اليتم، بينما اضطر الأب إلى الزواج من امرأة لتعينه على تربية الأبناء والتكفل بالبيت.
لم يتلق المشتبه فيه العلاج اللازم، عند تأزم حالته، إذ سبق أن زار قسم الأمراض العقلية بمستشفى ابن رشد، المعروف بـ 36، إلا أنه تلقى فقط وصفة بالأدوية، دون أن يخضع لحصص العلاج أو يمكث فيه إلى حين تشخيص حالته جيدا، وظل يتناول الدواء وعند شعوره بالتحسن ينقطع عنه، مازاد من تدهور حالته.
كانت الحالة العصبية التي تنتاب المتهم، تدفعه إلى الاعتداء على والده وزوجة أبيه، كما أن زوجته بدورها قررت الهروب إلى بيت عائلتها، بسبب بطالة زوجها والمشاكل المترتبة عن الملاسنات. يذكر أبناء الحي أن الجاني كان خلوقا مواظبا على الصلاة، وأن المرض الذي ألم به هو السبب في ما وقع، مشيرين في الآن نفسه إلى أنه كان يشتغل في أحد الأسواق الكبرى بالمنطقة، إلا أن تأزم وضعيته كان سبب مغادرته العمل، زد على ذلك أن الأدوية التي ينبغي له استعمالها غالية.