اعتبر الدكتور خالد حاجي الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة:  أن مشاكل الإدماج والشعور بعدم الانتماء والانتساب إلى المجتمع الأوروبي من بين الأسباب التي تدفع المهاجرين في أوروبا إلى التطرف والانتقام من ذواتهم ومجتمعاتهم.

وقال حاجي في حوار مع وكالة الأناضول، نشر يوم الجمعة 19 غشت 2016 إن الكثير من الأعمال الإرهابية التي ترتكب في أوروبا تنسب إلى المسلمين بدون وجه حق، مشيراً إلى أن ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، يقف وراءها نخب لها مصلحة إما سياسية أو إعلامية، كلها تتفق حين يتعلق الأمر بالتخويف من الإسلام، لغرض العودة بالمجتمع الأوروبي لما قبل التعدد الثقافي، وما قبل استيعاب المهاجرين.

كما تحدث خالد حجي عن تعقيد الحقل الديني في أوروبا بسبب صعوبة في التأطير الديني خصوصا أن البيئة الأوروبية منفتحة على جميع التيارات بدون استثناء وبدون قيود، وهذا ما يخلق خلطا في المرجعيات ” وما زاد الطينة بلة، انفتاح الحقل الدعوي على العالم الافتراضي (الانترنت)، حيث نجد ذواتنا أمام مؤطرين لا نعرف هويتهم، ونجهل مسارهم العلمي، ونعجز عن صدهم عن التواصل وتأطير الأجيال الصاعدة بأوروبا” يضيف

الدكتور خالد حاجي الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة:، وهو مؤسسة غير حكومية تتهتم بالشؤون الدينية والفكرية للمغاربة والمسلمين المقيمين بأوروبا، لفت أيضا إلى أن تنامي اليمين المتطرف في أوروبا أمر يدعو للقلق، خصوصا أن هناك خطابات تريد أن تواجه ما هو تطرف ديني بتطرف سياسي آخر.

 

س: ما هي أسباب بعض عمليات التطرف داخل أوروبا، ولماذا تنسب للمسلمين؟

 

ج: لا شك أن الكثير من الأعمال الإرهابية تُنسب اليوم إلى المسلمين بدون وجه حق، ولكن النظر في الأسباب يبين أن الأمر أكثر تعقيدا مما نتصور، فهناك أسباب اجتماعية محضة، متعلقة بمشاكل الإدماج ومشاكل الانتساب إلى المجتمع الأوروبي بصفة عامة، حيث إن بعض الأفراد لا يشعرون بالانتماء إلى هذا المجتمع، ويبادرون إلى الانتقام من ذواتهم ومن مجتمعاتهم.

 

وهناك فئة أخرى ينسد في وجهها أفق الإبداع، وتعجز عن مسايرة المجتمع والاندماج فيه لأسباب ذاتية وموضوعية، ويلجؤون إلى العنف، ويلبسونها لباس الدين، وهناك أيضا، وهذا أمر يجب ألا نسكت عنه، خطابات متطرفة دينية تذهب في اتجاه اقتراف الإجرام، وهناك ضعف العائلة في تأطير الجيل الصاعد، بالإضافة إلى ضعف جاهزية المهاجر الثقافية والفكرية والعلمية، وهو ما يحول دون حسن إدماج الأفراد والأبناء في المجتمع.

 

س: ألا ترون أن غياب العلماء وغياب خطاب ديني متجدد ينتج عنه فراغ، مما يسهل على الجماعات المتطرفة استقطاب الشباب المسلم بأوروبا؟

 

ج: لا شك أن هناك صعوبة في التأطير الديني بأوروبا بصفة عامة، خصوصا أن البيئة الأوروبية منفتحة على جميع التيارات بدون استثناء وبدون قيود، وهذا ما يخلق خلطا في المرجعيات، وهناك سياسات أوروبية تسعى إلى تنظيم العلاقة بين الشأن الديني والعلمانية، فمثلا ألمانيا، عندها مقاربات التعاطي مع الشأن الديني تختلف مع اختلاف الولايات، هناك 16 ولاية بهذا البلد، وكل واحدة منها تنفرد في تعاملها مع الشأن الديني أو تدبير العلاقة بين الشأن الديني والمجتمع والمؤسسات والدولة.

 

فضلا عن هذا التعقيد هناك خطابات متعددة، وما زاد الطينة بلة، انفتاح الحقل الدعوي على العالم الافتراضي (الانترنت)، حيث نجد ذواتنا أمام مؤطرين لا نعرف هويتهم، ونجهل مسارهم العلمي، ونعجز عن صدهم عن التواصل وتأطير الأجيال الصاعدة بأوروبا.

 

س: هذا الوضع يفرز الإسلاموفوبيا، هل تساهم هذه الظاهرة في تعقيد الأمور؟

 

ج: الإسلاموفوبيا قد تكون مرتبطة في بعضها أو جلها بالتطرف الديني، ولكن هناك أسباب أخرى، والأصل في هذا الظاهرة هو التخويف من الإسلام.

 

فقد يكون الخوف من الإسلام مبررا، وقد يكون بيولوجيا طبيعيا، أي أن هذا الإنسان قد يخاف من الظلام أو الحيوان، وهذا أمر عادي جدا، والمسلمون في هذه الحالة، من واجبهم الدفع بالمجتمع للاستئناس بحضورهم من خلال أخلاق وسلوكيات ومعاملات، ولكن ما يصعب التعامل معه، هو ظاهرة التخويف من الإسلام، والتي تقوم به بعض الدوائر التي لها مصالح، وزرع الخوف والمتاجرة فيه في السياق فيه، وهذا يدل أن الاسلاموفوبيا ظاهرة معقدة، فيها ما قد يكون خوفا طبيعيا من الوافد الجديد على السياق الأوروبي، الذي يعرف علاقة قائمة ما بين الدين والمجتمع، والحضور الإسلامي قد يربك المجتمعات الغربية.

 

س: ما هي هذه الجهات التي تسعى إلى التخويف من الإسلام، هل هي حكومات أو الجمعيات أو دوائر قرار؟

 

ج: هناك نخب لها مصلحة إما سياسية أو إعلامية أو مفكرة، كلها تتفق حين يتعلق الأمر بالتخويف بالإسلام، إما لغرض العودة بالمجتمع الأوربي لما قبل التعدد الثقافي، وما قبل استيعاب المهاجرين، يكفل لهم مجموعة من الحقوق وضمنها الحق في التدين، وهناك بعض الدوائر تسعى إلى توتير الأجواء والعلاقة بين المسلمين ومختلف مكونات المجتمع الأوروبي.

 

س: ما هي انعكاسات اليمين المتطرف على القيم الأوروبية؟

 

ج: أوروبا اليوم في وضع حرج، هناك خطابات تريد أن تواجه ما هو تطرف ديني بتطرف سياسي آخر، والحكمة تقتضي غير ذلك، والحكمة ألا نحاول إطفاء النار بنار، بمعنى التطرف السياسي ليس هو الجواب للتطرف الديني، وبالتالي نحتاج إلى الحكمة، وهناك طبعا بعض المؤسسات المسؤولة بأوروبا، ولكن هناك أطراف تجر أوروبا إلى مواقع الدفاع عن الخصوصية حتى تسد باب التحاور مع المسلمين بالأساس.

 

س: ما هو تقييمك للتجربة المغربية خصوصا في تكوين الأئمة في أوروبا؟

 

ج: مساهمة البلاد في تكوين الأئمة بأوروبا تستحق كل التنويه، ولكن هي لا تقوى على تأطير أئمة أوروبا، فهذه القارة فضاء منفتح، والمغرب يقترح مرافقة الجالية المسلمة هناك، خصوصا الجالية المغربية، ولكن حدود ما يملك المغرب وما يستطيع أن يصنعه، هناك حدود واضحة، حتى يتفادى التصادم مع سياسات أوروبية لها نظرة خاصة للتأطير الديني وترتيب العلاقة ما بين الإسلام والمسلمين وما بين المجتمعات، وحرصا على عدم الاصطدام، يقترح المغرب مرافقة الأئمة وتأطير الحقل الديني يضمن للمغاربة التمسك بحقوقهم في العبادة ومكونات هوياتهم، وبالمقابل يؤهل للاندماج في المجتمعات الأوروبية، وهناك تحديات كبيرة في وجه هذا التأطير.

 

س: ماذا يمكن للدول الأصل أن تقدم للجاليات من أجل الحد من التطرف والإسلاموفوبيا؟

 

ج: الأمر غاية في التعقيد، خصوصا أن هذه الظواهر لا توجد فقط بأوروبا، بل توجد في الفضاءات العربية والإسلامية أيضا، فصرنا نعيش عولمة الإرهاب والتطرف وبالتالي الحل ليس ولن يكون حلا تنهض به جهة واحدة، وإنما الأمر يقتضي تضافر الجهود والتعاون من أجل وضع حد لهذه الآفة التي باتت تهدد جميع المجتمعات، حقيقة، الفضاء الأوروبي يستباح أكثر، ولكن حتى المجتمعات العربية تعاني من آفة الإرهاب والتشدد والغلو، وبالتالي الأمر يقتضي تعاون كل المكونات من أجل الوقوف والتصدي لهذه الظاهرة.

 

والدول العربية والإسلامية لا تستطيع أن تستبيح سيادة الفضاء الأوروبي، حيث لا يمكن لها أن تقوم بتأطير يتنافى ما يسمح به القانون، وما تسمح به الأعراف الأوروبية، ولا ننسى أن الجاليات، مواطنون أوروبيون في الأساس، إذ ما بين 70 و80 في المائة من الجاليات المسلمة تتمتع بجنسيات أوروبية، ويلتزمون بمقتضيات الانتساب لأوروبا ونحن في هذا الأمر شركاء، في صد ظاهرة الإجرام والإرهاب عبر توفير تكوين وتأطير ديني مناسب يضمن توازنا ويرتقي بالمسلمين والأجيال الشابة إلى مرتبة من تمثل الديني تمثل صحيحا.

 

عن وكالة الأناضول.