السيد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج الأستاذ عبد الله بوصوف.

 

أوربا بين تركيا والمغرب.

 

تؤكد خلاصات مفاوضات الاتحاد الأوروبي وتركيا حول ملف اللاجئين أن الاتحاد بصدد السماح برفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك، والسماح لهم وفق شروط، بحرية التنقل في دول الاتحاد الأوروبي، شأنهم شأن جميع الدول الستة والعشرين الموقعة على اتفاقية شنغن.

ورغم أن المفاوضات لم تحسم بعد، لأن تركيا “يجب عليها أن تلبي بعض الشروط”، بتعبير المسؤولين الأوروبيين، إلا أن قبول تركيا إعادة المهاجرين الذين عبروا بحر إيجه إلى اليونان من سواحلها واحتضانهم فوق أراضيها مقرون برضوخ الاتحاد الأوروبي لمطالب أنقرة التي تلوح بورقة اللاجئين في ظل أكبر موجات لجوء تشهدها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

تظهر هذه المفاوضات أن أوروبا لم تعد لها اختيارات كثيرة أمام التغيرات الجيوسياسية التي تحيط بها؛ فإما أن تنفتح على ما وراء الحدود الجغرافية للاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز حظوظ وحدتها، أو تنغلق على نفسها وتترك فضاء شنغن عرضة للتشتت أمام صعود قوى اليمين المتطرف في عدد من دولها، ممن لا يرون جدوى في ترك الحدود الوطنية مفتوحة أمام الأشخاص والبضائع والرساميل.

انفتاح أوربا اليوم على محيطها الجغرافي لم تعد تمليه ظروف الحرب العالمية الثانية والحاجة إلى تكتل اقتصادي وعسكري يحميها.. اليوم أوربا غير المنفتحة هي أوربا المنتصرة لقيم اليمين المتطرف، هي أوربا المعرضة لانتصار قيم الخوف والإرهاب وإقصاء الآخر، هذا الآخر الذي ساهم في بناء أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نفسه الذي أغناها بما حمله لها من رصيد ثقافي وإنساني وعمراني بالمعنى الخلدوني يمتد لآلاف السنين. يمكن الجزم بأن المهاجرين الذين قصدوا أوربا على مر التاريخ لم ينقلوا لها فقط سواعدهم وخبراتهم وعرقهم، لقد نقلوا لها أيضا ملخص الحضارة وعصارة تجارب إنسانية سبقت في كثير من الأحيان أوربا في مجال بناء المشترك الإنساني.

من هنا يكون الانفتاح بمعناه العام، وخصوصا الجغرافي، قدر أوربا وخيارها الوحيد لكي تستمر ولو نظريا القيم التي أنشت من أجلها.

لكن هذا الانفتاح على المجال الجغرافي غير المنتمي للاتحاد الأوروبي، وأساسا على جنوب المتوسط وأقصى شرق القارة العجوز، يعني أيضا ضمان استقرار الدول المكونة لهذا الفضاء الذي لا تفصله سوى كيلومترات معدودة عن أوروبا؛ لذلك فإن دعم الاتحاد الأوروبي للاستقرار وتشجيع التنمية في دول الجوار، كالمغرب والمنطقة المغاربية، هو أيضا استثمار غير المباشر في سبيل أمن واستقرار الدول الأوروبية؛ ومن هذا المنظور يمكن التأكيد على أن حل ملف الصحراء بما يضمن السيادة المغربية هو اختيار حيوي يصب في مصلحة أوروبا أولا وقبل كل شيء.

من جهة أخرى فإن مستوى المفاوضات بين الاتحاد الأوربي وتركيا يمكن أن يشكل عنصر إلهام بالنسبة للسياسة الخارجية المغربية. فوجود مصالح مشتركة ومفاوضات تضع تركيا في موقف قوة أمام نظرائها الأوروبيين، ولم يعد أحد من حراس معبد حقوق الإنسان والقيم الكونية يثير مسألة الأقليات الكردية أو المسألة الأرمينية التي تعتبر خطا أحمر بالنسبة لأنقرة. يذكر الجميع كيف كان الإعلام الأوربي والساسة الأوربيون يستغلون كل مناسبة من أجل تقديم تركيا كدولة منتهكة لحقوق الإنسان، وتقديم قضية الأرمن باعتبارها أولوية دولية.. كل هذا لم يعد مدرجا ضمن السياسات الإعلامية الأوروبية، ولم يعد مدرجا ضمن الخطاب السياسي ولا حتى الحقوقي.

لقد أصبح تدفق المهاجرين على أوربا من بوابة تركيا الملف الذي تضعه تركيا بقوة في أي مفاوضات. ألم يكن حال المغرب مع الهجرة الإفريقية نحو أوربا مشابها للحالة التركية، مع فارق نوع المهاجرين فقط؟ ألم تكن الأعداد المتوجهة نحو المغرب من إفريقيا قاصدة الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط تتزايد بشكل مطرد؟ لذلك يطرح السؤال حول الدبلوماسية المغربية مدى حسن استعمالها لهكذا أوراق في المفاوضات مع الجار الشمالي.

أصبح من الضروري على الدبلوماسية المغربية أن تحسن من قدراتها وتدافع بشكل أفضل عن حقوقها ومصالحها؛ فالمغرب يساهم بوضوح في الحفاظ على أمن أوروبا أكثر من تركيا، وعمل قبل تركيا على احتضان المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء، انطلاقا من واجبه الإنساني في الحفاظ على أرواح هؤلاء الأشخاص من مخاطر ركوب المتوسط بشكل غير قانوني، ومن أجل تجنيب الدول الأوروبية، المآسي والأحزان التي تخلفها جثث المهاجرين التي تصورها وسائل الإعلام منتشرة في شواطئ الضفة الأخرى من المتوسط.

كما يفترض على أوروبا، من جهة أخرى، وضع قطيعة مع النظرة الكلونيالية والتصورات القديمة في انفتاحها على الفضاء الخارجي، وإرساء علاقات مع دولها ودول الجوار مبنية على أساس رابح رابح، مثلما أشار إلى ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري.