السيد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج الأستاذ عبد الله بوصوف.

 

بعد مجموعة من الضربات من تحت الحزام التي تلقاها المغرب ولازال من الإدارة الأمريكية الحالية، يحق لنا أن نتساءل حول من يسعى من داخل الإدارة الأمريكية أو من خارجها إلى تسميم العلاقات التاريخية بين البلدين والمصالح المشتركة التي يتقاسمانها؟.

في مصلحة من يصب هذا الاستهداف الواضح للمغرب من طرف إدارة البيت الأبيض على بعد شهور قليلة من انتهاء ولاية رئيسها الحالي؟.

فبعد مناورات البعثة الأمريكية في مجلس الأمن المناوئة لسيادة المغرب على صحرائه، وما خلفته من علامات استفهام لهذا النزوع إلى معاداة مصالح المغرب، جاء الدور هذه المرة على ملف حقوق الإنسان من أجل محاولة تقليم أظافر المملكة، الراغبة في الانفتاح على عوالم أخرى، وتنويع حلفائها الإستراتيجيين من دون التفريط في مصالح حلفائها التقليديين.

التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان حمل في شقه المتعلق بالمغرب مجموعة من الحوادث المعزولة التي شهدها المجتمع المغربي، وهي في الغالب نزاعات بين الأفراد أو بينهم وبين مؤسسات الدولة، وأخذت مسارها القانوني العادي تحت إشراف النيابة العامة، كما هو معمول به في جميع الدول التي تحترم القانون، وقام أصحابه بتأويل المعطيات الواردة واختلاق أخرى، وفق ما يشبع رغبة القائمين على إعداده في إحراج المغرب من منطلق الملف الحقوقي، في غياب كلي لاحترام الضوابط المهنية في إعداد التقارير وفي تقييم السياسات العمومية، التي يشكل فيها الحرص على تعدد المصادر والروايات وتمحيص جميع المعطيات والمعلومات حجر الزاوية بالنسبة للباحثين عن المهنية وعن عدم الانزلاق وراء الذاتية والنزعات الإيديولوجية التي تسكن عقول معدي التقرير.

إذا كان تقرير الخارجية الأمريكية قد تطرق إلى دول أخرى في المنطقة المغاربية والعربية، ورصد خروقات حقوقية من دون أن تصدر هذه الدول أي تعليق على وصاية العم سام، حارس أختام حقوق الإنسان في العالم، وكذا وصاية تقارير دولية تقوم بها منظمات غير حكومية، تنهل من النبع نفسه، فهذا شأنها الخاص ويدخل ضمن قراراتها السيادية؛ أما رد الفعل المغربي على المغالطات التي تضمنتها فقرات التقرير المتعلقة بالمغرب، فيدخل في إطار حرص المملكة على حماية مكتسباتها الحقوقية ومنع عدم التشويش على المسار الديمقراطي وعن التطور المتواصل في حقوق الإنسان؛ بما فيها الجيل الرابع المتعلق بالحقوق البيئية، وما انعقاد قمة المناخ العالمية في مراكش هذه السنة إلا اعتراف آخر من المجتمع الدولي بإسهام المغرب في الرقي بحقوق الإنسان وتعزيزها داخل ترابه وفي العالم.

قد لا نعطي دروسا لأحد في أي مجال، لكن الشيء بالشيء يذكر، فملف حقوق الإنسان الذي أحرج الحكومات المغربية في السابق بسبب بعض الخروقات المرتكبة في سياق سياسي وسوسيو-اقتصادي معين، لم يعد اليوم ورقة لابتزاز المغرب لا في الداخل ولا في الخارج؛ فإذا كان المغرب قد نجح في طي صفحة الماضي وعالج الملفات الموروثة عن سنوات الرصاص وعوض المتضررين منها في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة، وأنهى بصفة قطعية ملف الاختفاء القسري والعنف الممنهج، وأقفل معتقل تزمامارت وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف، وحرص على التنصيص الدستوري على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وسخر من أجل ذلك هيئات ومؤسسات مستقلة لا يشكك أحد في نزاهتها، فإن الإدارة الأمريكية بتاريخها وقوتها ومؤسساتها ودينامية مجتمعها المدني لم تستطع التخلص من معتقل واحد ما زالت صوره شاهدة على التعذيب والعنف وانتهاك الكرامة والحقوق.

فمعتقل غوانتانامو، الذي كان إقفاله أحد العناوين البارزة في حملة الرئيس الحالي باراك أوباما، لازال موجودا على بعد أسابيع من انتهاء ولايته الثانية. ولا يمكن الحديث عن انتهاك حقوق الإنسان في العالم من دون التوقف عند ضحايا الشرطة الأمريكية، وبعض حوادث الاستعمال المفرط للقوة بسبب خلفية عنصرية، والتي تؤجج مظاهرات في أكثر من مرة. ولا يمكن تجاهل وفاة آلاف الأمريكيين سنويا بالرصاص، وآلاف الأبرياء في العالم بشكل يومي، ولا أحد يحرك ساكنا في وجه تجار السلاح، ناهيك عن معاناة سكان الأحياء الهامشية من ذوي البشرة السوداء، والظروف المزرية التي يعيش فيها الفقراء في غياب لأبسط حقوق الحياة في نظام رأسمالي، آخر همومه هو الانتباه لكرامة الإنسان العادي.

أليس غريبا ألا تكون الولايات المتحدة الأمريكية من الدول المصادقة على اتفاقية سيداو، التي أقرتها الأمم المتحدة في سنة 1979، وهي اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة؟.

أليس غريبا أن يفجر خبراء القانون الدولي خلال الحرب على العراق مفاجأة من العيار الثقيل، وهي أن أمريكا لم توقع على اتفاقية جنيف بحسن معاملة الأسرى؟ الموضوع الذي تفجر عندما نقل التلفزيون العراقي صور الجنود الأسرى الأمريكيين الذين سارعت دولتهم للمطالبة بمعاملتهم طبقا لاتفاقية جنيف، فظهر أن أمريكا غير معنية بالاتفاقية.

أليس غريبا ألا تكون الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي لا تعترف بمحكمة العدل الدولية بلاهاي؟ وذلك حتى تفلت من المتابعة التي تنتظر جنودها على ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية في كل من العراق وأفغانستان.

أليس غريبا أن تسمح هذه الأمريكا الحقوقية جدا بقبول أحد أحزابها بمرشح رئاسي عنصري، تفتح له كل وسائل الإعلام لنشر سمومه ضد المسلمين والعرب والمهاجرين؟.

أليس غريبا أن تكون الولايات المتحدة والصومال هما الدولتان الوحيدتان في العالم غير الموقعتين على اتفاقية حقوق الطفل، التي اعتمدتها الأمم المتحدة منذ عقدين، وسارعت كل دول العالم إلى التصديق عليها، بإجمالي 193 دولة، وبقت الولايات المتحدة والصومال، الدولتين الوحيدتين اللتين لم يصادقا عليها؟.

ألم يعترف كول غاوتام، مساعد أمين عام الأمم المتحدة ونائب المدير التنفيذي لمنظمة رعاية الطفولة (يونيسف) سابقا، لوكالة انتر بريس سيرفس بأن مسألة عدم مصادقة الصومال على الاتفاقية “يمكن فهمها”، فقد عاشت دون حكومة فعلية لأكثر من عقدين؛ “لكن الولايات المتحدة لديها حكومة فعلية، وتشهر أنها بطلة عظيمة من أبطال حقوق الإنسان في العالم، فلماذا تتردد في المصادقة علي هذه الاتفاقية؟”…؟.

ألم يقل أوباما في حملته الانتخابية إنه من الهام أن تعود الولايات المتحدة إلي وضعها كزعيم ومدافع عن حقوق الإنسان، عالمي ومحترم؟.

أن تجعل الولايات المتحدة من تقارير مؤسساتها أدوات لتنفيذ إستراتيجياتها أمر مفهوم حتى لغير المتخصصين، لكن الأمر غير المفهوم هو غياب الدراسات الرزينة والمؤسساتية التي تعنى بمدى احترام أمريكا لحقوق الإنسان. وهنا يظهر جليا أن المؤسسات العلمية والإعلامية ومراكز الدراسات والأبحاث ليس في المغرب فقط، ولكن في كل بقاع العالم، ملزمة اليوم بأن تنسق الجهود لإصدار تقارير حول الخروقات والتحفظات والمعاهدات الحقوقية التي لم توقعها أو لم تصادق عليها أمريكا.. حتما ستكون النتائج مقلقة.