السيد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج الأستاذ عبد الله بوصوف.

 

تكتسي الزيارة التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى جمهورية الصين أهمية خاصة لكونها تعكس سياسة خارجية جديدة للمملكة قائمة على الاحتفاظ بالشركاء التقليديين والانفتاح على أقطاب أخرى من أجل تنويع الشركاء الاقتصاديين والسياسين والثقافيين كما صرح بذلك جلالة الملك في خطاب القمة الخليجية المغربية الأخيرة بالرياض.

بالرغم من كون علاقة مغرب ما بعد الاستقلال وجمهورية الصين الشعبية لم تشبها شائبة منذ أزيد من نصف قرن، لكنها في نفس الوقت لم ترقى إلى مستوى يجعل منها علاقة استراتيجية كما هو شأن المملكة مع دول أخرى كفرنسا والولايات المتحدة، إلا أن التوجه صوب الصين يجسد نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، ويشكل إحدى لبنات السياسة الخارجية الجديدة للمملكة؛ فالتوقيع على شراكة استراتيجية بين المغرب والصين وعقد عدد من الاتفاقيات الثنائية في مختلف المجالات بحضور قائدي البلدين يؤكد مدى اقتناع كلا البلدين بالأهمية والدور الذي يطلع به الآخر في إطار علاقة رابح-رابح.

إن زيارة صاحب الجلالة إلى الصين مرفوقا بوفد هام من المسؤولين ورجال الأعمال لهي تتويج لاستراتيجية دبلوماسية أساسها التعاون جنوب جنوب. وقد ظهرت معالم هذا التقارب في الرسالة الملكية الموجهة السنة الماضية إلى منتدى التعاون الصيني الإفريقي، بجوهانسبورغ في جنوب إفريقيا، حيث أشاد صاحب الجلالة بمبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديد” التي أطلقتها الصين، وعبر عن استعداد المملكة المغربية للعب دور بناء في ضمان امتداد طريق الحرير البحري، “ليس فقط نحو الواجهة الأطلسية لأوروبا، بل وبصفة خاصة نحو بلدان غرب إفريقيا، التي تجمعها ببلدي روابط متعددة الأبعاد”.

لهذا فان هذه الزيارة تدشن لموعد جديد يربط الماضي بالحاضر، وتعيد إحياء “طريق الحرير” التي أسست لعلاقات مغربية صينية اقتصادية وإنسانية وثقافية تعود لقرون خلت؛ وبالعودة إلى التاريخ نجد أن عجائب الشرق التي نقلها المسافرون والرحالة المستشرقون نحو الغرب، سبقها انفتاح مغربي على الصين دشنة الرحالة الشهير ابن بطوطة في القرن 14م في رحلته الشيقة:تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، حيث تحدث ابن بطوطة عن التاريخ الاجتماعي والثقافي للصين بدقة ومن جميع الجوانب حتى خلص إلى القول إن أهل الصين من أعظم الأمم، وهو ما يجعل الصينيين الى اليوم يعتبرون الرحالة المغربي واحدا من السفراء الدوليين الذين ساهموا في بناء الصداقة بين الصين والعالم.

إن الشراكة استراتيجية بين المغرب والصين تستمد أهميتها من السياق الدولي والظرفية الاقتصادية التي تحتم انفتاحا أكثر على العالم وعلى الشراكة جنوب- جنوب، فبالنسبة للمغرب تكمن أهمية الصين من الناحية السياسية في كونها إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وواحدة من القوى العظمى على الصعيد الدولي والتي حافظت على موقف متوازن اتجاه القضايا المغربية على الدوام. وكذلك الشأن على الصعيد الاقتصادي، حيث أن المغرب في حاجة إلى الخبرة الصينية في مجال تطوير البنى التحتية والتصنيع وقطاع المعلومات، ويمكنه الاستقادة من النموذج الاقتصادي للصين، وكذا من سوق داخلي ضخم يضم أزيد من مليار مستهلك، يمكن أن يشكل فرصة أمام المنتوجات والمقاولات المغربية مستقبلا.

وإذا كانت “طريق الحرير” في الماضي قد مكنت البضائع والثقافة الصينية من الوصول إلى المتوسط، فإن “طريق المغرب” في الوقت الحالي تمثل بوابة للصين نحو المستقبل. إن الموقع الاستراتيجي للمغرب يجعل منه فاعلا أساسيا في إفريقيا والعالم العربي وضفتي المتوسط، كما أن الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي ينعم بهما يجعلان منه شريكا يعول عليه في الضفة الجنوبية للمتوسط، في ظل الصراعات التي تهدد استقرار باقي دول المنطقة، وهو أمر استراتيجي بالنسبة للصين من أجل منافسة اتفاق التبادل التجاري المحتمل بين أوروبا والولايات المتحدة الأمركية الهادف إلى الحد من النفوذ الاقتصادي الصيني.

ولعل الصين التي تعتبر ثالث أكبر مصدر للمغرب، إذ بلغت قيمة صادراتها حوالي 3 ملايير أورو سنة 2015، قد أدركت الخطى الثابثة التي يسير بها المغرب في طريق النمو، والتطور المستمر الذي يشهده على مستوى بنيته التحتية وقطاعاته الخدماتية والتكنولوجية، وهو ما يتيح له أن يكون أرضية صلبة للاستثمارات الصينية الموجهة نحو إفريقيا، التي تمثل الرهان المستقبلي للمنتوجات الصينية ولموارد البلاد من المواد الغذائية والطاقية.

لقد كان المغرب دائما ملتقى الطرق التجاربة والمبادلات الثقافية بين أوربا وإفريقيا والعالم العربي، وجعلت منه روح التسامح والتعايش والاعتدال منذ القدم، يطلع بدور أساسي كوسيط حضاري في إرساء قواعد التبادل الحضاري والثقافي مع بلدان الشرق القديم خاصة الصين، كل هذه الميزات التاريخية والموضوعية تجعل المغرب المعاصر شريكا أساسيا للصين لبناء “طريق حرير جديدة” تقود الطرفين نحو التقدم والازدهار والسلم والتعايش والصداقة والتعاون.