الدكتور خالد حاجي كاتب و مفكر مغربي.

 

كما أن العين تكاد لا تعبأ بحركة الزمن وهي تحقق في عقربي الساعة، فكذلك النظر إلى حركة المجتمعات قد لا يكون مسعفاً في إدراك طبيعة التحولات التي تشهدها هذه المجتمعات، فيخيل للناظر أن يومها أشبه بأمسها، والحال أن ما يختصم داخلها من أفكار ويعتمل من أحاسيس، يفضي بالضرورة إلى إخراجها في كل لحظة تمر من طور قديم إلى طور جديد. غير أن بعض دروب التطور قد تكون أسرع من بعض، وهذا ما قد يربك المتأمل ويجعله مشدوداً إلى اللحظة، يسأل “ماذا يجري؟” تحت بصره، ويعجز عن النفاذ إلى عمق الأشياء ببصيرته؛ حيث إن البصر متعلق بالصورة، والبصيرة متعلقة بتحليل ما جرى واستشراف ما سيأتي.

من يتأمل واقع القارة الأوروبية، بعيداً عن سطوة البصر، يشعر أن الأوروبيين يدخلون مرحلة تاريخية جديدة لم تتحدد بعد ملامحها الكبرى للناظر، ولو أن هناك شعوراً قوياً يبعث على الاعتقاد أن أوروبا قد بلغت المرتقى الذي لا صعود بعده؛ هذا على خلاف التأمل في واقع العالم العربي الذي يجلي لنا حقيقة أخرى، مفادها أن هذا العالم، وإن كان بدوره مقبلاً على مرحلة تاريخية جديدة، فقد نزل دركاً لا نزول أسفل بعده. فمظاهر الإبداع الفكري والعلمي والتقني في السياق الأوروبي لا تعدو أن تدخل فيما يسميه الباحث الألماني هارتموت روزا Hartmut Rosa بـ”تسريع الوتيرة” Beschleunigung الذي لا يفضي بصاحبه إلا إلى مزيد من القلق والابتعاد عن المعنى المرتجى في هذا الوجود ومنه؛ كما أن مظاهر الاقتتال الطائفي والتفسخ المجتمعي والانهيار الاقتصادي التي يشهدها العالم العربي، وإن اختلفت صورها، هي في الأصل جوهر واحد، تعبير عن انسداد أفق حضاري.

نخلص من هذا التقديم إلى إعادة طرح نفس السؤال الذي طرحه دومينيك مويزي صاحب كتاب “جيوسياسة العواطف” ، على لسان الأميركيين: “هل فقدنا روحنا، أي تفوقنا الأخلاقي؟ وهل فقدنا هدفنا، أي المعنى من وراء مهمتنا؟ وهل فقدنا مكانتنا، أي هل نحن في طريقنا إلى الأفول؟”. وكأننا بطرح هذا السؤال يصدر عن الحالة الشعورية المهيمنة في الفضاء الأوروبي اليوم. إذا صح الحديث عن الخوف من الأفول والسقوط وفقدان مقومات البقاء المادي والرمزي، فهو يصح في الحالة الأوروبية أكثر من غيرها من الحالات. فصحيح أن الخوف، كما يدعي دومينيك مويزي، هو العاطفة الغالبة في الفضاء الغربي عموماً، لكنه أبرز وأظهر في الفضاء الأوروبي، منه في الفضاء الأميركي، وهذا لاعتبارات جغرافية.

إن صغر القارة الأوروبية وتوتر محيطها الجغرافي يجعلها أكثر عرضة للخوف من الغزو الخارجي. وقد ازدادت حدة هذا الخوف مع توافد مئات الآلاف من اللاجئين من العالم العربي، وهو ما يدفع باتجاه تقوية الخطابات اليمينية المتطرفة التي تسعى إلى تعريف الهوية الأوروبية تعريفاً مكانياً جغرافياً، جامعاً مانعاً، أي يجمع مكونات الهوية الأوروبية الخالصة، ويمنع دخول الغرباء الطوارئ. فأصحاب هذه الخطابات يتوسلون بخصوصية القيم الأوروبية للدفاع عن الحيز الجغرافي؛ يقولون بأن في عولمة المكان، أي في اقتسامه مع الغير، ما يُعرض هذه القيم للاندثار.

وكأننا بهذه الخطابات الأوروبية الجديدة، القائمة على الخوف من الغير والتخويف منه وبه، تجعل من حماية المكان الأوروبي وسيلة لحماية القيم الأوروبية الخاصة، ومن حماية القيم الأوروبية الخاصة وسيلة لحماية المكان الأوروبي. وفي هذا المزج بين خصوصية المكان والقيم ما يؤشر على حالة شعورية تسوغ نكوص أوروبا إلى عهد القوميات المتفرقة، وتبرر تنكر القارة لقيم العولمة. ولعل التمادي في خطاب الخصوصية قد يفضي إلى أن تكون أوروبا أول منسحبٍ من سباق العولمة، خارجٍ من سياقها.

بعد فترة هان فيها على الأوروبيين التبشير بالقيم الكونية، جعلت كثيراً من الخطابات السياسية والفكرية تستثقل الدعوة لعولمة القيم، والسبب في ذلك هو المحك الجغرافي. في الأصل كانت الدعوة إلى عولمة القيم تستبطن دعوة إلى عولمة الزمن الغربي. وكانت القيم المحسوبة على “روح العصر” تتخذ مطية لفتح حدود العالم في وجه الثقافة والاقتصاد الغربيين. غير أن الغرب، ممثلاً في أوروبا، جعل يكتشف مع انهيار العالم العربي وانفجار فضاءاته العامة، أن العولمة قد لا تقف عند حدود البعد الزمني، بل تتعداه لتشمل البعد المكاني الجغرافي..

فملايين المُهَجَّرين من الفضاء العربي نحو الفضاء الأوروبي، لا يفرون من “زمن داعش”، و”زمن الاستبداد السياسي”، إلى “زمن الأنوار” و”زمن الديمقراطية وحقوق الإنسان” فحسب، بل أصبحوا يفرون من “جغرافيا داعش” و”جغرافيا الاستبداد”، نحو “جغرافيا الأنوار” و”جغرافيا الديموقراطية وحقوق الإنسان”. وهذا ما أربك أوروبا وجعل القوى المحافظة فيها تدعو إلى التحصن وراء خصوصية القيم الأوروبية، أي وراء الزمن الأوروبي، بغرض حماية المكان.

إن ما يحدث من انكماش ملحوظ وانطواء على الذات في السياق الثقافي والسياسي الأوروبي اليوم يبعث من جديد نظرية سامويل هانتكتون حول الصراع الحضاري. فالخوف من عولمة المكان الأوروبي وفتحه في وجه الإسلام والمسلمين، يقود إلى التشبث بخصوصية القيم الأوروبية وعدم مناسبتها للآخرين؛ وهذا جوهر فكرة سامويل هانتكتون، الذي ما فتئ ينبه إلى خطورة عولمة القيم الغربية وفتح الزمن الغربي في وجه أزمنة حضارية أخرى.

لكن، إذا كان هانتكتون قد سبق إلى التنظير للانكماش الحضاري والنكوص في السياق الأميركي، فمن الطبيعي أن يكون الأوروبيون، بفعل وجودهم في نقاط التماس مع حضارة الإسلام، أسبق إلى تنزيل هذا الانكماش والنكوص من عالم النظرية إلى الواقع المنظور. فأميركا لا يضرها أن تتشدق بقيم العولمة لمدة أطول؛ ذلك أن في بعدها الجغرافي عن مناطق التوتر ما يعصمها ويجعلها في منأى عن اختبار ومحك “عولمة المكان”. على خلاف أوروبا، تتمتع الولايات المتحدة الأميركية بحصانة جغرافية تعصمها من أخطار “الغزو الإسلامي”. وما يزال في وسعها توظيف القيم الكونية بغرض النفاذ إلى فضاءات حضارية وأحياز ثقافية أخرى، باستثناء أميركا اللاتينية طبعاً، هذا الجار الجنوبي الذي قد يجعلها تشيح بأعينها عن القيم الكونية كي تنظر باتجاه الخصوصية الأميركية التي يجمعها هانتكتون في مكونات أربع: الأبيض ـ الأنجلو ـ ساكسوني ـ البروتستانتي (WASP).

إن الدعوة إلى الخروج من سباق العولمة وسياقها، لا تستبطن خطر العودة بأوروبا إلى عهد القوميات المتفرقة فحسب، بل تتعداه لتهدد القارة بالانحسار الذي يفضي لا محالة إلى التراجع الحضاري والثقافي، أو إن شئت الزيادة فقل إلى الانحسار الذي يبدأ معه مسلسل الأفول والسقوط الحضاريين. ولا بديل للقارة الأوروبية، إن هي أرادت البقاء حية في زمن العولمة، سوى الخروج من متاهات الخطابات اليمينية المتطرفة، باتجاه خطاب جديد لا يرفع شعار الخصوصية القيمية للدفاع عن الحيز الجغرافي. فلا مندوحة لأوروبا اليوم عن أفق قيمي جديد يعطيها امتداداً جغرافياً يجنبها آفة السقوط.

ومعنى قولنا أفق قيمي جديد يفيد ضرورة التخلي عن الأفق القيمي القديم الذي سمح لأوروبا في عهد سابق أن تتمدد جغرافياً على حساب دول الجوار الإسلامي مثلاً؛ فشرط التمدد الجغرافي الأوروبي اليوم هو التخلي عن العقلية الاستعمارية أولاً. لقد أصبحت أوروبا في أمس الحاجة إلى الدخول في علاقة شراكة مع العالم المحيط بها، تعطيه وتأخذ منه، تخدمه خدمة لذاتها، وترعى مصالحه حفاظاً على مصالحها، توجد فيه وتسمح بأن يوجد فيها. ولا ينفع أوروبا محاولة استئصال الوجود العربي فيها، أو أوروبا الإسلام، كما يحلو لكثيرين القول، أي قطع صلات هذا الدين بالعالم الخارجي. فالتحدي اليوم هو كيفية إبقاء الباب مفتوحاً لربط الداخل بالخارج، لفتح المغلق على المطلق. ولا سبيل إلى تجنيب أوروبا آفة الانكفاء على الذات التي تنذر بالفناء إلا بإعلاء قيم التعدد والتنوع. إن فشل الحضارة في استيعاب الآخر المختلف دليل على أنها بلغت المرتقى الذي لا صعود بعده، والمنتهى الذي يبدأ معه مسلسل السقوط. إن الخطاب اليميني المتطرف، بدعوته الأوروبيين إلى تغليب منطق الخوف والتنكر لقيم التعايش، إنما يحرم القارة من أسباب التمفصل مع العالم الخارجي المحيط بها، ويجعل منها أول المنسحبين من سباق العولمة.

من حسن حظ القارة أن هناك قوى معتدلة تدرك خطورة الخطابات اليمينية المتطرفة وتسعى جادة لتجنيب المجتمعات الأوروبية العودة إلى عهد القوميات المتناحرة. وهذه القوى تدرك ضرورة التعاون مع العالم العربي المحيط، وترى في تصدعه ما قد يعود عليها بالوبال، وبالتالي تجتهد لإقرار التوازن في هذا العالم، عوض تعريضه لمزيد من “الفوضى الخلاقة”. فالأمر اليوم في أوروبا سجال بين هؤلاء وهؤلاء. فأما المتطرفون، دعاة الانكماش على الذات، فيتغذون على فكر ومواقف المتطرفين في العالم العربي؛ وأما المعتدلون فيستقوون بخطابات الاعتدال في هذا العالم. ولعل مستقبل البحر الأبيض المتوسط والعلاقة بين أوروبا والعالم العربي، منوط بنتيجة الصراع بين قوى التطرف والاعتدال لا داخل الحيز الجغرافي الواحد فحسب، بل عبرهما.

على خلاف الوضع في القارة الأوروبية، حيث تبرز الدعوة إلى التمسك بالقيم الأوروبية الخاصة لحماية الجغرافية، يشهد العالم العربي خطابات تفصح عن حالة شعورية جديدة. لم تعد القوى الحية في الشارع العربي تكترث كما من قبل بالحديث عن الغزو الذي يهدد مقومات الأمة الثقافية والحضارية. إن الاضطرابات والقلاقل التي شهدها العالم العربي ساهمت في توريث الإنسان العربي حالة نفسية يشعر معها أنه أصبح طالب لجوء، يستجير بفضاءات أخرى طلباً للهجرة والخروج من وضع الاستضعاف. ومع هيمنة هذا الشعور ينتفي اللجوء إلى القيم الخاصة ويبرز الحديث عن القيم المشتركة.

إن القراءة في واقع العالم العربي تكشف لنا عن توجه جديد نحو تضييق ساحة الإيديولوجيا بغرض توسيع ساحة الفعل الحضاري. لم يعد الخطاب الفكري والدعوي المهيمن يستدعي مشاريع النهوض الكبرى التي درجت على تفسير كل شيء تفسيراً مفحماً، تشقق الكلام وتجترح القول لأجل وصف سبب التخلف وتعيين سبيل النهوض. كل السرديات الكبرى تختفي من ساحة النقاش اليوم لتوسع لخطاب أكثر عملية، يطالب بقدر من الاحترام لحقوق الإنسان وكرامته. حتى الحركات الإسلامية لم تعد ترفع شعار “الإسلام هو الحل” مثلاً، أو تناقشه؛ بل صار همها هو الدخول في تحالفات حضارية جديدة تُؤَمِّن للفرد في العالم العربي حياة كريمة، وتخلصه من العاطفة المهيمنة التي تشعره بالإهانة.

لم يعد العالم العربي محكوماً بنظرية شمولية أو إيديولوجية واحدة أو مجموعة قيم خاصة يلجأ إليها لحماية المكان. لقد أجهز الربيع العربي على الفضاء العام في هذا العالم وجعل القوى الحية فيه تتوجس خيفة من المستقبل، مما دفع بها إلى التحلي بكثير من الواقعية، التي من مظاهرها استدعاء القيم الكونية المشتركة في عملية إعادة بناء الفضاء العام المنهار. ومع هذه الحالة الشعورية الجديدة تتحرك دينامية العالم العربي باتجاه العولمة، تماماً في الاتجاه المعاكس لأوروبا التي أصبحت تتجه وجهة الخروج من العولمة باستدعائها للخصوصية دفاعاً عن المكان.

لم يشهد العالم العربي قبل اليوم ظروفاً تؤهله للانفتاح على القارة الأوروبية مثل الظروف الراهنة، وإن كان الكثيرون لا يزالون يتمسكون بالاعتقاد في استحالة التعايش بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط مع عدم الحسم في سؤال الدين وكيفية تأثيره على مستقبل العلاقة بينهما. بالفعل يظل سؤال الإسلام هو المحور في تمثل مستقبل العلاقة بين العالم العربي وأوروبا. فقد ظل هذا الدين محط اتهام، يوصف بعدم القدرة على التمفصل مع قيم المجتمعات الحديثة في زمن العولمة. ولعل هذا “الإسلام” قد تعين اليوم في الزمن والمكان الداعشيين، في دولة تصف ذاتها بالإسلامية؛ كي يفسح المجال أمام نقيضه، أي أمام إسلام التعدد والتنوع، إسلام لا يقبل أن يختزل في دولة، أو فقه، أو نظرية، بل يتعدى كل ذلك ليشمل جوانب حضارية وثقافية وروحية؛ إسلام يدعو إلى تتميم مكارم الأخلاق وإعلاء القيم المشتركة، كما يقبل بالتعاون على البر والتقوى.

صحيح أن الخطاب الإسلامي قد حال سابقاً بين المسلمين والتمفصل مع الثقافة الأوروبية، بحيث أسس هذا الخطاب لفقه وصفه بفقه الأقليات تارة، أو فقه المهجر تارة أخرى. لكن ومع انهيار ثنائية الأقلية والأغلبية، حيث أصبحت كل فئة تعيش وضع الأقلية والأغلبية في نفس الآن، صار لزاماً على مسلمي أوروبا في المقام الأول أن يتمثلوا الواقع الجديد تمثلاً صحيحاً، فيكونون في طليعة المتفاعلين مع روح العصر وزمن العولمة، ينشدون المساهمة في تكميل القيم المشتركة، ويطلبون التميز والتفوق للأجيال المسلمة القادمة في المنظومة التربوية والتعليمية الأوروبية، لا في فضاءات وأزمنة مجردة. هكذا يمكن للإسلام والمسلمين أن يساهموا في شد أوروبا إلى حلبة سباق العولمة؛ ويمكنهم أن يساهموا في ربط جسور التواصل بين العالمين العربي والأوروبي.
نخلص عند هذا الحد إلى التأكيد على أهم ما جاء في حديثنا عن العالم العربي وأوروبا. ونبدأ بالإشارة إلى الحالة الشعورية الجديدة التي أصبحت توجه الطاقات الإبداعية في كل من العالمين: حالة نكوص وتراجع إلى خصوصية القيم لحماية المكان، وهذه الحالة أظهر في أوروبا من غيرها من الأمكنة؛ وحالة إقبال على القيم الكونية بحثاً عن النفاذ إلى فضاء معولم، وهي حالة أظهر في العالم العربي. كلا العالمين يعيش انسداد أفق، كل على طريقته، أحدهما بلغ المنتهى الذي لا تمدد بعده، والآخر نزل إلى القاع الذي لا قاع أسفله. وقد أصبح مصير هذين العالمين مرتبطاً؛ فإما أن يسقطا فريسة الخطابات المتطرفة، فيتهددهما الاندحار معاً؛ وإما أن تنتصر روح الاعتدال فيهما فينجوان معاً.

على خلاف عادة الكثيرين في إلصاق تهمة التطرف والغلو بالإسلام وتمثله عائقاً في وجه التقارب بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، يبدو بأن الدين لا يؤمن بحتمية الصراع كما يؤمن به أتباع نظرية صراع الحضارات مثلاً. يقول هانتكتون بأن اختلاف الغرب عن العالم الإسلامي هو اختلاف جواهر؛ لكل جوهر مخصوص وماهية معلومة يمنعانه من التقرب من الآخر والتعايش السلمي معه؛ فكون العربي عربياً وكون الغربي غربياً يكفي لئلا يلتقيان ويتعارفان. هذا على خلاف كبير مع ما نقرأ في القرآن الكريم، الذي يجعل من الفعل الحسن وسيلة لإخراج الآخر من عداوة مستحكمة إلى ولاية حميمة. تأمَّلْ قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}. (فصلت: الآية 34) ليست العداوة أمراً حتمياً أصله اختلاف الجواهر والماهيات، بقدر ما هي أمر ينتج عن أعمال سيئة نأتيها فنسأل عنها؛ كما أن الولاية والصداقة أمر يتطلب الصبر والمثابرة في إتيان الفعل الحسن. وشتان بين من يقول بحتمية الصراع وبين من يجعل الصراع والتعايش مناط أفعال إنسانية. ففي رد الصراع إلى ماهيات مجردة عن الفعل الإنساني محاولة لإعفاء الإنسان من مسؤولياته الأخلاقية.