في الحلقة الأخيرة من “ضيف الأولى”، استضاف مقدم البرنامج التيجيني، رئيس مجلس النواب والقيادي بحزب الأحرار، الطالبي العلمي، الذي لم يفاجئنا بطريقة أجوبته السطحية، التي عكست صورته الحقيقية كمبتدئ بخطاب سياسي مستهلك مبني، في غالبيته، على هواية الطالبي المفضلة “البولميك”.

وقع الطالبي العلمي في كثير من الزّلات، لكني سأركز على نقطة وحيدة تضمنها جوابه عن سؤال إمكانية تفعيل المشاركة السياسية لمغاربة العالم. العلمي قال بالحرف “إن لم يشاركوا هذه المرة، فسيشاركون في المرة المقبلة”. هكذا، وبدون حياء ودون أن ترمش له عين. وكأنها مشاركة في مباراة كرة القدم بأحد أحياء المدينة. القيادي في حزب الأحرار عبّر، في الحقيقة، عن موقف حزبه الرسمي الرافض لفتح الباب أمام مغاربة العالم للإدلاء بصوتهم مباشرة من دول المهجر.

 

وللتوضيح فإن تحقيق مطلب المشاركة السياسية يقتضي منا الفصل بين أمرين: حق التصويت وحق التمثيلية البرلمانية. وفي هذه المرحلة يمكن القول إن الوقت لم يحن بعد لتنزيل مطلب التمثيلية البرلمانية لعدة أمور تحتاج تفصيلا. لهذا فحق تصويت مغاربة العالم، ومباشرة انطلاقا من بلدان الإقامة، يبقى مطلبا دستوريا مشروعا، وقد تأخرت الدولة المغربية كثيرا في تحقيقه. فكيف يعقل أن نفتح الباب لمواطني الخارج للتصويت بكيفية طبيعية ومباشرة حين يتعلق الأمر بالتصويت على الدستور، ونرفض ذلك عند الاستحقاقات التشريعية بحجة واهية متعلقة بالجانب التنظيمي والتقني؟!

لكنْ دعونا من الطالبي وموقف حزبه الرافض، ولنقفْ على الأسباب الواقعية التي تجعل بعض الأحزاب متخوفة من مشاركة مغاربة الخارج سياسيا، رغم أن دولا عربية عديدة سبقتنا في هذه التجربة، مثل تونس، العراق، ومصر وغيرها. هناك سببان لا ثالث لهما، أولهما ضعف تواجد جل الأحزاب المغربية في الخارج وغياب تواصل حقيقي بينها وبين مغاربة العالم، باستثناء حزب العدالة والتنمية، الذي تمكن من تأسيس أزيد من سبعة فروع له في الخارج ولقيادته تواصل مستمر مع مغاربة الخارج في مختلف الدول. السبب الثاني له علاقة بالأول، حيث أن معظم الأحزاب المغربية تتخوف من التعاطف الكبير الذي يبديه مغاربة المهجر لحزب المصباح وللتجربة الحكومية بقيادته. وبالتالي فتحقيق مطلب المشاركة السياسية سيضمن لحزب بنكيران أصواتا إضافية ستجعل المعادلة والحسابات الضيقة التي تتقنها تلك الأحزاب، ومعها لوبيات التحكم، أكثر تعقيدا. فلو افترضنا أن من بين خمسة ملايين مغربي مقيم بالخارج سيشارك مليون بصوته فسيصعب ضمان شكل الخريطة السياسية، التي تحاول جهات معلومة وضعها والتحكم فيها حتى قبل انطلاق عملية التصويت. لذلك فالتصويت بالوكالة ما هو إلا تقزيم وعبث وتلاعب بحقوق مغاربة العالم، حيث يهدف هذا الإجراء بالأساس إلى حصر عدد المشاركين من الخارج لأسباب تطرقنا لها.

موقف الأحرار هذا يؤكد كيف أن هذا الحزب لا يحكمه منطق تنزيل مضامين الدستور المغربي وإعطاء الحقوق لأهلها وتفعيل مواطنة حقيقية لمغاربة العالم وتعزيز البناء الديمقراطي في البلاد، بل هاجسه الوحيد هو الحسابات الانتخابية، التي تجعل المصالح الخاصة ومصالح “أصحاب الشكارة” فوق مصلحة الوطن.

إن تنزيل الفصل الـ17 من الدستور، الذي يمتع المغاربة المقيمين في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات، يحتاج -دون شك- إلى توافق الأغلبية الحكومية، وبما أن الأحرار -وباستحضار مواقفه الأخيرة منذ زواجه المبكر مع حزب إلياس العماري- قد خرج من هذه الأغلبية نظريا، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سيتمكن حزبا العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، المؤيدان لمطلب مغاربة العالم، من الدفع بقانون تنظيمي يضمن لمواطني الخارج حقهم الذي ينتظرونه منذ عقود؟!

أنس الحيوني