أعظم الله أجر المسلمين فيمن فقدوا من المسلمين، وأحسن عزاءهم وغفر لموتاهم، وأعظــم الله أجــــر المسلمين فيمن فقدوا من غير المسلمين وأحسن عزاءهم، وأحسن الله عزاء غير المسلمين فيمن فقدوا من المسلمين وغفر لموتاهم، وأخلف الله على غير المسلمين فيمن فقدوا من غير المسلمين!… تعزية أسوقها لكلّ أولياء الضحايا الذين سقطوا البارحة في باريس بمختلف دياناتهم وتوجّهاتهم، سائلا الله تعالى أن يجعل كيد أعداء الإسلام في نحورهم، وإنّ من أهمّ أعداء الإسلام هؤلاء العملاء المتخلّفين الذين قدّموا الإسلام لأعدائه باسم “دولة الخلافة الإسلاميّة”!… “دولة” دمويّة متخلّفة، تكره البشر، لا تريد لهم الأمن والاستقرار، لا تريد لهم البسمة، لا تريد لهم الثقة في الآخر وخاصّة في المسلم، لا تريد لهم الاطمئنان إليه ولا السكون ولا الرّكون، لا تريد لهم التواصل معه!… “دولة مجرمة” جعلت رسالة الإسلام التي هي (رحمة للعامين) نقمة على العالمين… جعلت التعارف تنافرا… جعلت التعاون تدابرا… جعلت المسلم إرهابيّا إذا حضر، إرهابيّا إذا غاب، إرهابيّا إذا عاش، إرهابيّا إذا مات، إرهابيّا إذا صمت، إرهابيّا إذا نطق، إرهابيّا إذا التزم، إرهابيّا إذا عربد!… “دولة إسلاميّة” عملت على استئصال كلّ حسنة للإسلام حتّى ليجد المنتسب للإسلام – ممّن لا يرون العزّة كلّها منحصرة في الإسلام – الكثير من الحرج في الدّفاع عن الإسلام!…

 

“الدولة الإسلاميّة”، ليست – كما يبدو لي – مسلمة ولا هي مؤمنة!… ولا يكبر عليك قولي هذا أخي أختي، فإنّ المسلم من سلم النّاس من يده ولسانه والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم… وإنّ الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم قد حذّر من أناس يلبّسون بسماتهم على النّاس أكثر من تلبيس هذه “الدولة” اليوم براية العقاب، فقد قال عنهم صلّى الله عليه وسلّم، فيما حدّث به أبو بكر عن عاصم عن زر عن عبدالله: [يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن لقيهم فليقتلهم فإنّ قتلهم أجر عند الله]… “دولة” أسأل الله تعالى ألّا تقوم لها قائمة إلى قيام الساعة!… فدولة الإسلام حريّة أو لا تكون ومحبّة وحبّ خير للنّاس كافّة أو لا تكون ودرء مفاسد أو لا تكون!…

 

وأمّا وقد وقعت الجريمة بباريس عاصمة الأنوار كما عرفت، فههنا وقفات لا بدّ منها:

 

1 – كثر الحديث بعد العمليّة عن الوحشيّة وعن الإنسانيّة!… إنسانيّة لا تذكر إلّا بالوحشية ووحشية لا تُستنكر إلّا من “وحوش” معيّنين!… ومع أنّ العمليّة قد تميّزت فعلا بوحشيّة استثنائيّة، فإنّها لن تعطي الحقّ للوحوش “المتغطّين بالحضارة” الحديث عنها، كوزير الخارجيّة الأمريكي الذي انطلق يغدق الكلام مجانا يتوعّد الوحوش الذين قاموا بعمل لم يستهدف باريس لوحدها بل استهدف الإنسانيّة بأسرها!… يقول ذلك وبلاده ترسل بواخر الإسلحة محلّاة بقهقهات قادتها الكبار إسنادا للوحوش الصهاينة المحتلّين وهم يدكّون غزّة دكّا ويسقطون الآلاف من الأطفال والنّساء والشيوخ!… نحن المسلمين نتألّم مرّتين: مرّة لما حصل لإخواننا البشر في باريس ومرّة لوحشية البشر في النّظر إلينا دون رحمة!… ومن هنا فوحشية الذين قاموا بعمليّة باريس مرفوضة وممقوتة ولكنّ وحشيّة “المتحضّرين” هي أكثر منها بشاعة وهي إلى ذلك أجدر بالمقاومة أو على الأقل بالتنبيه إليها والتذكير بضرورة تعريتها ورفضها!…

 

2 – لا شكّ أنّ الكثير من النّاس قد استبشروا بما وقع في باريس، فقد كانت بمثابة حبل النّجاة للظلمة الذين يركبون شعوبهم باسم مقاومة الإرهاب كما في مصر وسوريا وفلسطين المحتلّة، وكانت وسيلة تغطية للمتمعّشين من الإرهاب كما في تونس الحبيبة!… وإذ عربد الإرهاب في باريس، فقد قوّى لديهم الحجّة في مقاومته بديارهم!… فهو إرهاب عالميّ عابر القارّات… يستدعي التعاون الدولي ويبيح المحظورات، فلا يستثني علاقة مع كيان صهيوني أو متصهين ولا يستبعد إقامة قواعد عسكريّة أو حاميات أو حمايات ولا يستنكر تحليق طائرات بدون طيّار أو صواريخ ذكيّة عابرة للقارّات أو طائرات نفّاثة تجعل أسافل الأرض أعاليها!… وإذ فاجأ الإرهاب الأمن الفرنسي القويّ فمن باب أولى أن يفاجئ القوات الأمنيّة الأقلّ تجهيزا وخبرة في مقاومة الإرهاب ويُروا في ديارهم أبطالا وقد واتاهم الوصف من قبل بالجبن والخيانة!…

 

3 – لقد راقب الغرب “الدولة الإسلاميّة” عن بعد وتركوا لها المجال واسعا للمناورة، فهي في أرض غير أرضهم وتخرب بيوتا غير بيوتهم وتهرق دماء غير دمائهم وتيتّم أطفالا غير أطفالهم وترمّل نساء غير نسائهم وتضعف صفّا يتمنّون له الضعف تقوية للقيطهم الصهيوني!… فهل يتغيّر هذا السلوك اليوم وقد طالت “الدولة” المتوحّشة كما وصفوها باريس؟!… هل ستكون الحرب التي أعلنا الرّئيس الفرنسي عليها فعلا عليها أم تكون كما هي من قبل إسنادا لها ولبشّار المجرم الذي لم يغفل عن تحميل فرنسا مسؤوليتها فيما حصل لها!… وهل ستتحرّك أمريكا – وقد عبّر وزير خارجيتها عن وحشية “الدولة” – فتمنع على الأقل الرّوس من اللعب بوحشية استثنائية بالأرواح المسلمة المحارَبَة أصلا من “الدولة الإسلاميّة” المتوحّشة!… أم أنّ الوحوش الحقيقيين سيواصلون استنزاف إسلام جعلوا له بمكرهم “دولة” تعمل على إذلال المسلمين وإفنائهم!…

 

4 – هل آن الأوان لاعتراف الغرب بوليدهم البشع “الدولة الإسلاميّة” بعد أن خرج عن الطوع وقد صنعوه مستعجلين خصّيصا لهدم البناء الإسلامي!… فقد اعترفوا من قبل – حقّا أم باطلا – أنّهم هم الذين صنعوا الشيخ ابن لادن رحمه الله… وقد صنعوه – زعموا أو افتروا – من أجل مقاومة السوفيات، ثمّ قتلوه فيما بعد إتلافا لوسائل جريمتهم فيما يبدو!…

 

جريمة سيطرت على الأحداث نهاية الأسبوع (13 – 15) نوفمبر 2015 م، مطلوب ألّا تكون سبب دفع إلى الأمام باتّجاه المجهول!… فإنّ الحكمة تستدعي التوقّف وتبيّن الحقّ من الباطل ودفع النّفس بشجاعة إلى الوقوف مع الحق!… على الغرب أن يستحي من مخالفة مبادئه الديمقراطيّة، فما كان ينبغي له أن يتساهل مع الظالم أو أن يستقبل في دياره الانقلابي الديكتاتور أو أن يجبن أمام الصهاينة فلا ينطق بالحقّ المتمثّل في إنهاء الاحتلال وإعتاق الشعب الفلسطيني من الأغلال التي أحكمت حول أنفاسه!… كما عليه أن يقلع عن استعمال أرضنا رقعة تجارب يختبر فيها بوحشية استثنايّة منتجاته “الذكيّة” المستعملة ضدّ الإنسانيّة!… وأمّا نحن في ديارنا وخارج ديارنا، فعلينا أن نتفقّه في ديننا وندرس واقعنا، فلا نتشيّع لـ”داعش” انتعش بها الإجرام ضدّ الإنسانيّة، ولا نردّد شعارات رفعها رافعوها للسخريّة منّا وبنا، كتلك التي جمّدت اقتصاد البلاد وأنهكته باسم مقاومة إرهابٍ صنعوه وأوقفوا له إرهابيين، أو “وطنيّة” مزّقوا بها علم البلاد خرقا في الصحراء تتقاذفها الرّياح، أو تسامحا منع في ديارنا صلاة الجمعة أو غيرها من اليافطات التي ما انضبطت لحبّ البلاد ولا لمحبّة التونسيين!… إن لم نفعل نكن مستعدّين لإحصاء الضحايا الموالين في العمليات القادمة وفي المكان الذي سوف تقرّره “الدولة الإسلاميّة” الوحشيّة أو يقترحه المدافعون عن “الإنسانيّة” بوحشية!… والله من وراء القصد…