الى المبدع ..عبد القادر بنعلي .
وجهة نظر قابلة للنقاش…
صمت عميق يحدثني الليلة عن وقائع أراها تتجسد امامي وتحلق في زواياها كل المعاني ، يسائلني عن أناس حين احدثهم يملأني إحساس لا أقوى على التعبير عن تموجاته ، تختلط فيه الإنهزامات ببعض الإنتصارات القليلة جدا ، فلا أجد فواصل بينها تجعلني أقيم معاني لكل منها .
انظر الى كل هذا التواجد المكثف لأبناء الريف بديار المهجر.. والذي اعتبره الكاتب الريفي الناشط أدبيا بالديار الهولندية ، عبد القادر بنعلي، ذات مساء من مساءات الناظور ، بـ  وكان ذلك خلال الجلسة الافتتاحية للمائدة المستديرة الحقوقية التي نظمتها جمعية الريف لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى 65 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو الموعد الذي احتضنته مكتبة المركب الثقافي بالناظور..
ذات الكاتب برر موقفه ذاك بما “أفرزته “الظاهرة “من قيمة مضافة بالمجتمعات الأوروبية، خاصة بعد تقلد عدد من أبناء الريف لمناصب مهمة ..” حسب تعبيره.
ولم يكتفي بنعلي المنحدر من بلدة آيث شيكر بذلك فقط بل أضاف خلال ذات الجلسة أن :“من حق أبناء الناظور والريف الافتخار ببني جلدتهم المتواجدين بهولندا على وجه الخصوص …”.
لا ادري كيف سأوافقك الرأي “صديقي”..ولا اعرف متى واين أضع نقط حروفي.. وكل الاشياء هنا لا تشبه الاشياء والذكي هو من يستطيع أن يستوعب ما بين الأشياء..او حسب قولك “(..) على القارئ الذكي أن يعثر عليها “
تتكلم صديقي عن “الظاهرة الصحية” … وانا لم تصلني “الصحية” بعد .. اظنها في طريقها الى مركز صحي أو أنها فقدت الطريق … اواظلوا طريقها عمدا..
حدثتني نفسي أنا الآخر .. فتساءلت : هل  يعتبر النجاح المهني فعلا مقياسا …”للنجاح” ؟
كل الناس هنا حولي يهمسون خلف ظهري وانا اسمعهم.. ليس بالغريب أن يتمتع “المهاجر” هنا بحياة أفضل من التي اعتادها … لكن إذا تفوق بشكل ملحوظ على مواطني بلدان مهجرهم الأصليين، فهذا بلا شك من الأمور، التي تشد الانتباه.. 
اعلم انه رغم اختلاف اديولوجيات وتوجهات ” أهل القرار” هنا ، يبقى القاسم المشترك بينهم يحمله ذاك التركيز الدائم على المشاكل والصعوبات ، دون التطرق إلى النجاحات والإنجازات المحققة . وهذا ما يتم لمسه أيضا في عناوين الصحف والتقارير التلفزيونية، التي ترسم صورة قاتمة عن واقعنا هنا .
ولكن هل فعلا وجود هذا الكم من الكفاءات في العديد من المناصب السياسية والرياضية والفنية والبحث العلمي وغيرها من المجالات، يعتبر فعلا ” نجاحا”.؟
فالأهم هنا هو الوعي بالمسؤولية والسعي إلى المشاركة الفعالة داخل المجتمع ، “كلّ حسب مجاله وتخصصه”. فرغم وجود نسبة كبيرة من “ريفيِّينا” وفي مختلف المجالات، إلا أن مشاركتهم في الحياة السياسية “الحقيقية” والجمعوية تبقى ضعيفة جدا بل ومنعدمة في أحيان كثيرة. وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على الوضع هنا “ويؤدي إلى تهميشنا .ويغلق بالتالي ابواب الحوار الجدي وبين مختلف الأطياف . 
فهناك العديد من المشاكل، التي تستلزم مزيدا من الوقت وتضافرا للجهود من أجل التغلب عليها.
 فعلى سبيل المثال تبلغ نسبة البطالة لدى “المهاجرين المغاربة” درجة عالية جدا ، أكثر من أربعة أو خمسة أضعاف نسبة البطالة في البلاد كلها… ووضعيتهم هنا سيئة للغاية إذا تعلق الأمر بالدخل المالي، بل انهم  أفقر مجموعة في هولندا.
فكيف يتحول هذا التواجد المكثف لأبناء الريف بديار المهجر..”بالظاهرة الصحية”…إن لم يُستغل إيجابيا..  
ماذا قدم هؤلاء لبني جلدتهم هنا حتى يكون “من حق أبناء الناظور والريف الافتخار ببني جلدتهم” المتواجدين بهولندا .
تصريحاتهم مثل افعالهم اما انهم يفترضون فينا الغباء او انهم اغبياء بدرجة غريبة..غرورهم يقتلهم احيانا… يجعل بعضهم ” هولنديا” اكثر من كونه “مغربيا” أو “ريفيا”.. إن استمعتَ الى أحاديثهم قلتَ عنهم “جيفارات” زمنهم …  
وأجدني أصغي إلى ذاك الغرورالذي يمزقهم ، أحاول من جهتي تمزيق أغلفته التي تكوَّرت بداخلهم واستعصت على الخروج ، فما عدتُ أحتمل هذا النمط من الثرثرة التي لاتشي إلا بضجيج وفقاعات هواء…
كنت أنتظر نمو الورود الحمراء الصغيرة التي نبتت يوما على شاطئ أحلامنا ولكني وانا أتنزه اليوم على ضفاف شواطئنا هنا  ، لم إجد الا طحالب وأشواك و ضفادع تملأ المستنقعات تنقنق بعضها البعض بنقيقها حتى  تنام أو علنا نحن ننام ..اكتسحتها أمواج أفكار لم تنجح في سقي الورود الحمراء بماء التحديث و التجدد .
أدرك كل تفاصيل الحكايات صديقي، كنت أنتظر خواتيم غيرالتي اراها اليوم ، خواتيم رسمتُ لها تفاصيلها ، لكنني فوجئت بالأعاصيرالتي دمّرت كل شيء بل وأول ما دمرته ، لغتنا  وهويتنا. وفجعت بأناس أطلوا من عالم غيرالذي نحياه . عالم صنعوه لأنفسهم ، وجدوا أنفسهم فيه… ليفروا اليه .
   
ليتني كنت أجهل حقائقهم .. وحياتهم ، تلك الحفلهَ التنكريه التي لا تنتْهيِ ..! كل حديث مختلف عن قبله وبعده… لوجوههم أقنعه تخفي حقائقهم ..
 آسف صديقي انني دخلت عالمك دون أن أطرق بابه..آسف أنني كتبت هكذا دون مقدمات .. ولكني ، حين الصمت العميق حدثني ليلا عن وقائع رأيتها تتجسد امامي وتحلق في زواياها كل المعاني ، نسيت ” أعراس البحر” و كل الاختلافات بين الجيلين الأول والثاني من المهاجرين المغاربة بهولندا… نسيت  وانت تتحدث، بطريقة ساخرة جدا، عن أوديسة المهاجرين الريفيين بحثا عن الثروة، وهم يترحلون بكل ما تشبّعوا به من قيم وتقاليد، ونسيت “أمير سالم” تلك الشخصية الخيالية لقصة ذاك الشاب العشريني الذي عاش في أحياء أمستردام الشعبية ليتحول إلى بطل ملاكمة عالمي (بدر هاري).
 
فـــ ..هنا صديقي ،الأمر مختلف تماما..هنا كل شيء ينذر بالعواصف ، وأنا لا أنتظر إلا مشاهد حزينة في مدى لا تملؤه سوى مراكب الكلام المهترئة  ، 
في خيالي ينام الكثير من الصور ، فكرت ان أحمل أدواتي كلها وأفرشها أمامي كي ألوِّن المشهد الذي يحلو لي .. لأنطلق خارج حدود هذا التيه الذي يسكننا وأغيب في مدى تملؤه …الحقيقة .  
كم أرفض أن يتحول النجاح المهني والوضع الاجتماعي إلى مقياس “للنجاح”وللاندماج الناجح…