نظم مكتب رابطة الأمم المتحدة بالتعاون مع برنامج إدارة الكوارث والمخاطر، يوم أمس السبت 18 يناير 2014، بالعاصمة الدّانماركية كوبنهاغن، في المدرسة العليا “متروبول”، مؤتمرا دوليّا حول النّزاع في الصحراء.
حمل المؤتمر شعارا مفاده: أنّ نزاع الصحراء (الغربية) هو صراع استمر لأكثر من 38 عاما، وبيّن أنّ رأي الأمم المتحدة وهدفها أن يُقام هناك استفتاء ليقرر ما إذا كان ينبغي أن تكون الصحراء (الغربية) جزءا من المغرب أو دولة مستقلة. فقد ألجأ عدم الاستقرار أكثر من (150،000) مواطن صحراوي على اللجوء إلى الجزائر، وإذ نجحت مختلف الأطراف في التوصّل إلى وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، يُراقب من قبل قوّة بعثة الأمم المتحدة المينورسو، فإنّ الحاجة تبقى ماسّة وآكدة للتوصّل إلى حلّ نهائي يفرض السلم في المنطقة. ولأنّ العالم الخارجي، يُبدي أهمية كبيرة لإمكانيّة حل الصراع، كما ويأتي عقد هذا المؤتمر وغيره من أجل النقاش والحوار لتنضيج الحلّ الأقوم لإنهاء هذا الصراع الذي عمّر طويلا…
وقد شارك في إلقاء المحاضرات والخطابات مجموعة من السياسيين والأكاديميين من الدّانمارك والسويد والنرويج بالإضافة إلى ممثل جبهة البوليساريو السيّد سيدي عمر. وقد حضر من المغرب كلّ من السيد الدكتور لحسن مهراوي عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) بصفته الخاصّة خلافا لما كان عليه الأمر في اللقاءات السابقة خارج الدّانمارك، والسيّد الأستاذ شيبة مربيّه رٓبٌ…
كعاة كل اللقاءات التي حضرتها من قبل، بدأ الخطاب بعد كلمة الافتتاح والترحيب الجنرال مجور المتقاعد الدّانماركي “كورت موسكغو” الذي عمل في بعثة المينورسو في مدينة العيون من 2004 إلى 2007 وقد عوّدنا الرّجل – من خلال مجموعة من اللقاءات التي حضرتها شخصيا، وكنت قد علقت عليها في حينها – على خطابه العتيق التمهالك؛ فقد كرّره اليوم، وقد أكّد به دلالات واضحة إمّا على جهله لأطوار قضية كان قد عمل هو شخصيا في بعثة الأمم المتّحدة لحلّها، أو – وهو الغالب على الظنّ عندي – أنّ الرجل لا يتابع القضية ويكتفي بمعطيات جمعها كسائح مرّ بالصحراء. فلم يكن الرّجل محايدا على الإطلاق، وأطلق سيلا من الاتهامات والمصطلحات والمغالطات التي تحتاج إلى دليل قبل أن يصدرها أي عاقل… ولم يكن في الحقيقة وحده من تحدّث بذلك الأسلوب البعيد كلّ البعد عن الطرح العلمي المتوازن والسرد التاريخي الذي لا يمكن تغطيته أو التغاضي عنه، بل جلّ المتدخليين الغربيين الذين حاضروا كان يغلب على فكرهم وجهة نظر جبهة البوليساريو، وترويج الأكاديب والترّهات، وقد كانت ورقة حقوق الإنسان واعتبار المملكة المغربية قوة احتلال في الصحراء من أبرز ما أثير في تدخّلات المحاضرين الغربيين بالإضافة إلى عملية الاستفتاء. هذه العملية التي لم ينجز منها شيء بسبب عرقلة وتعنّت البلد الجار وحليفه جبهة البوليساريو طيلة مدة الستّة أشهر التي كان من المحتمل والمؤمل أن يُنجز فيها، حسب ترتيب الأمم المتحدة. كما وتحدث ممثل البوليساريو عن الاسطوانة المشروخة القديمة التي اعتاد قادته ترويجها أينما حلوا، خصوصا في الدول الاسكندنافية التي يجدون فيها مرتعهم الخصب. ولكن ما يثير الدهشة والاستغراب هو جهل المحاضرين لهذه المعطيات والحقائق، التي لم نفوت (نحن أبناء الجالية المغربيّة) بتوفيق الله فرصة وجودنا في هذا المؤتمر لتصحيحها وتفنيدها، بل وتفكيك منظومتها.
وقد كانت محاضرة الأخ الأستاذ “شيبة مربيّه رٓبٌ” غاية في الروعة والوضوح والإقناع لمن ألقى السمع وهو شهيد، حيث تعرّض للسرد التاريخي المتسلسل الموثّق لقضيّة الصحراء المغربية حتى أبهر الحضور بطرحه الراقي المتوازن، كما كانت مداخلات الدكتور “لحسن مهراوي” مكمّلة لكل التفاصيل مذكّرة بمقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب لحلحلة النّزاع. وقال الدكتور: إنّ وضعية عدم الاستقرار بالمنطقة التي تشكل تهديدا ليس فقط للمنطقة المغاربية، بل أيضا لأوروبا وباقي العالم، يجب أن تدفع المنتظم الدولي إلى الضغط على كلّ من الجزائر وجبهة “البوليساريو” لدفهما إلى الانخراط الجاد والحقيقي في المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي أثنى عليه مجلس الأمن في كل قراراته مند سنة 2007 واصفا إيّاه بالجدية والمصداقية من أجل تسوية نهائيّة لهذا النزاع المفتعل الذي استمرّ طويلا… وقد رأينا الدهشة والإرباك باديّا على وجوه فريق جبهة البوليساريو عندما تفاجؤوا بوجودنا بكثافة في قاعة المؤتمر، وكان عدم الارتياح واضحا على محياهم لسيرورة اللقاء حيث كانوا يعتقدون أنّ الملعب سيكون خاليّا لا خصم فيه ليسجّلوا كما اعتادوا ما أرادوا من أهداف، لكن جرت الرياح اليوم بما لم يشتهوا، والحرب سجال.
وخلاصة القول فإنّه يمككننا التأكيد أنّ المؤتمر كان ناجحا هذه المرّة، حيث فشلت مناورات جبهة البوليساريو في التأثير كما اعتادت من قبل على الرأي العام الدّانماركي.