ما أجمل الإنسان الذي يكد ويعمل في صمت ، يضحي ليزرع في نفسه حبا يحصده باقات جميلة يقدمها للآخرين . يوسع المساحات ، مساحات الفرح لتشمل الريف وكل أنحاء العالم .
لفت انتباهي مضمون تسجيل كامل لِحوار مطول وممتع مع الفنان خالد إزري ، اجرته معه قناة “بِربر تي في” (Berbère Télévision) ضمن فعاليات استعداداتها لإحياء المهرجان الدولي للموسيقى “البربرية” المزمع تنظيمه في مدينة باريس الفرنسية أواخر الشهر الجاري .تذكرت كلمات كنت قد كتبتها عن هذا الهرم الشامخ في ريفنا العزيز .تنفست الصعداء -ربما- لأن كلماتي تلك  وجدتها اليوم تتجسد أمامي وأنا أستمع الى هذا الحوار .. وأعترف أني استمتعت بالحديث ، وها أنا أنقل لكم كلماتي تلك مرة أخرى وأنقل اليكم الحوار لما فيه من فائدة ثقافية ومتعة مويسقية .
حوار فيه بوح تلقائي لفنان سكنه جنون الموسيقى .. خالد إيشو أو كما عرفناه ونعرفه جميعا وكما الإسم موشوما في ذاكرتنا .. خالد إزري .
قلتها يوما وأعيدها اليوم .. لست بناقد ولكني قلتها عندما استمعت إليه وأعيدها اليوم وأنا أستمع اليه .. وسأكرر الأمر كلما استمعت اليه…لا يترك لنا مجالا لنغير الى أي محطة أخرى .
هو الحياة ، هو نضج الإبداع وإصرار على تطوير أساليبه ، هو صوت الحب والجمال ، فيه تتوحد منابع القوة والانتماء ، فيه تتفتح براعم المحبة في القلوب العاشقة للانطلاق والحرية ، فيه تورق أغصان الطموح والتحدي في ضمائرنا .
تمت العودة ، وتم الرجوع بأذهاننا إلى أيام مضت ، أيام الاغنية الاصيلة الجميلة ، بعيدا عن متاهات ” أبريذ ن يثران” و “زغاريد”. تمايل رأسي يميناً وشمالاً بكل هدوء واحترام وإعجاب وتقدير لمن استطاع أن يهز العقول ، وينبه القلوب ، وينفذ إليها.. قبل أن يحرك الاجسام وتتمايل له الرؤوس .
نستمتع بأغانيه الرائعة والجميلة جدا .. صامتة في موسيقاها وصاخبة قوية في معانيها .. تحمل انتقاءً جميلا متزنا في الإيقاعات واختيارا أجمل في التوزيعات الموسيقية المناسبة وتناسق رائع في الانغام والنابع أكيد- من ثقافة موسيقية قل من يملكها من فناني ريفنا العزبز ، تحملك تغيير الإيقاعات داخل أغانيه الى عوالم جديدة ، تغيير نابع من إصرار خالد على تنويع إيقاعات أغانيه بطريقة غير قابلة للتنميط وتجعل بالتالي من أغانية بحرا من الجمال قل نظيره ، تحمل تشويقا كفيلا لضمان ” تسمرنا ” مشدودين ، منبهرين بهذا الجمال والسحر الموسيقي لفنان مسكون بجنون الموسيقى والابداع .. كيف لا والاغنية الامازيغية الريفية عند خالد هي ليست فقط وسيلة للتعبير عن مكنونات الإنسان الداخلية من خفقان القلوب أو أحزان أو غزل أو وصف أو ما شابه ذلك. بل وصلت درجة خاصة لتكون وتُكونَ فضاء أوسع للتعبير عن مواقف معينة خاصة في الجانب السياسي والاجتماعي والهوياتي… تعانق بذلك هموم الناس وانتظاراتهم . وبذلك تأخذ الموسيقى عند خالد وظيفة أخرى لم نعهدها من قبل . نوع جديد من الأغاني والألحان غير المألوفة ، تجذب بذلك آلاف المستمعين ، يتعاطفون معها لإنفرادها بمواضيع جديدة لعل أبرزها الحديث عن الهوية والانتماء والامازيغية من غير المنظور الرسمي .. إضافة إلى مخاطبة الطبقات الكادحة .. وغيرها من المواضيع الغائبة في الإعلام الرسمي. الذي يجبر ( عن قصد أو دون قصد) الفنان على التكاسل وتلبية رغباته داخل مسلسل التعويم والضبابية وقتل روح الإبتكار وهذا ماحال دون مواصلة الإجتهاد والتقدم الموسيقي الذي كان من المفروض أن تكون الأغنية الامازيغية والريفية منها بوجه خاص سباقة إليه .
ولكن لـــ : خالد رأي آخر ، وكلمة أخرى لا تشبه كل ”الكمات” .رغم كل هذا التعتيم الممارس في حق الاغنية الامازيغية.هو لا يزال مقتنع برسالتها وعازم على تحمل كل شيء في سبيل إيصالها للناس سواء داخل الريف أو خارجه ، متأبطا بذلك قضايا الانسان ومآسيه الاجتماعية والسياسية ، وليصبح و بدافع هذا الإجتهاد والبحث والدراسة والتملك العلمي لادواتها قادر على إخراجها من سباتها والسفر بها بعيدا .
بوركت يا ابن الريف ، يا من عبر المهرجانات والتلفزيونات عبر الدول والقارات ومن أبوابها الواسعة .. بُوركت نجماً ساطعا ومضيئاً في سماء الابداع من خلال حنجرتك الذهبية و صوتك القوي وحيث يجب أن يكون قوياً ، وكأنه وقْع إيقاعات الدف تقرع ابتهاجاً بالانتصار ، صوتك الذي سكنته كل الطيور المغردة في كل مكان في الكون يزداد جمالاً وأصالة ينقلنا نحن الى عالم الاغاني الجميلة و ينقلك أنت وبهدوء واتزان إلى عالم الأضواء ، وشواطئ الشهرة .
دمت نجما ساطعا في سماء الأغنية الأمازيغية راقيا ومتميّزا…
كتبتَ لنا أغاني العذاب الراحل وانت الخالد يا .. خالد .