“أنا ابن مدينة الجديدة أباً عن جد..أحببتها من أعماق قلبي كما أحببت وطني..إلا أنها خانتني وقتلت إنسانيتي كما جرحني هذا الوطن الذي تخلّى عني.. فمن حياة العز والإنجازات بالمغرب إلى حياة الذل والمهانة بالمكسيك” هكذا بدأ الكلام عبد القادر الشاطبي لهسبريس عن حياته، وهو الذي تحوّل من بطل مغربي في رياضة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى شبه مُتسوّل يبيع السجائر بالمكسيك.
البطل السابق خلال نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة في رياضة رافعات القوة الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وصاحب الرقم القياسي بالرياضة ذاتها، اختار اللجوء إلى هسبريس للبوح بقصته، بعدما أكد لنا أن جميع الأبواب أغلقت في وجهه. لنختار كذلك أن نعرض قصته بضمير المتكلم..دون كثير من إعادة الصياغة.
بطاقة تعريفية
“من مواليد سنة 1974، درستُ بمعهد التكنولوجيا التطبيقية اختصاص (ضابط آلات)، ورغم صعوبة الدراسة بسبب بُعد المسافة وعدم وجود أي وسيلة نقل، فقد استطعت الحصول على الدبلوم. غير أن إعاقتي كانت حاجزا بيني وبين سوق الشغل في وقت ولج إليه كل زملائي. فتوجهت إلى الرياضة، ليس لغرض الربح، ولكن للترويح عن نفسي الغاضبة من المِيز الذي أتعرض إليه.
سنة 98، شاركت بالصدفة عن رياضة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في صنف رافعات القوة، واستطعت الحصول على ميدالية ذهبية ببطولة مغربية، لتتوالى بعد ذلك الإنجازات، فقد حصلت على ميداليات أخرى، وتأهلت إلى البطولة العربية بالأردن سنة 99، ثم حققت الـتأهيل إلى أولمبياد سيدني عام 2000ـ الأمر الذي حذا بجريدة الشرق الأوسط العربية إلى اختياري ضمن قائمة الشرف في تلك السنوات نظير عطائي، كما كان لي الشرف أن ألتقي الملك محمد السادس الذي استقبلني وشجعني.
المعاناة مع مسؤولي مدينة الجديدة
لم يُكتَب لي الاستمرار في الإنجازات بنفس الوتيرة بعدما كانت إدارات الجديدة تختزن لي الكثير من الألم. فبسبب عوزي المادي، خاصة وأن المشاركة في البطولات لم تكن تضمن لي الكثير، تقدمت بطلب للسيد عامل الإقليم قصد مساعدتي و تشجيعي في مواصلة مشواري الرياضي، ليرد عليّ بالقبول وبأنني سأتمكن في الأيام الموالية من محل تجاري “كيوسك”، وطلب من مدير ديوانه القيام بالإجراءات الكفيلة بتمكيني من ذلك. إلا أن هذا المدير، سيمنعني من كل ما منحوني إياه، وسيتسبب في تشريدي كما سأُبيّن.
فبخصوص الكشك، زرت مكتب مدير الديوان الذي رحب بي وأكد لي أن العامل مكّنني من أحسن مكان في المدينة نظير إنجازاتي، إلا أن وعود هذا المدير ذهبت أدراج الرياح، فلم يتم تمكيني من رخصة مباشرة العمل، وبسبب احتجاجاتي المتكررة داخل العمالة، منحوني رخصة غير صالحة تسببتْ في قيام السلطة المحلية بهدم الكشك الذي بنيته من مال اقترضت أغلبه، بل وحرضوا عليّ أصحاب المحلات التجارية بعدما اتهموني بالنصب والتزوير. لأكتشف فيما بعد أن مدير الديوان أعد ملفا بخصوصي، أهم ما فيه، أن الكشك الذي يوجد في اسمي، يجمع قطاع الطرق بالليل، ويزعج المصلين في باقي فترات اليوم. وبعد ذلك أكد لي المدير ذاته أنه يتوجب عليّ نسيان مسألة الكشك، بالنظر إلى أن العمالة قررت منع مثل هذه المحلات لضررها على جمالية المدينة.
طلباتي المتكررة إلى العامل والديوان الملكي، جعلتني أتوصل بقرار التعيين في وظيفة عمومية: شرطي من المدينة، أراني مراسلة من الديوان تؤكد هذا المعطى، وبعد عودتي إليه بعد أسبوع لمباشرة الإجراءات، أنكر ما قاله سابقا ثم طردني من مكتبه. وقد كنت محظوظا بعد ذلك بلقائي الملك شخصيا في إطار استقباله لعدد من الأبطال الأولمبيين، وأعطى مرة أخرى أوامره بتمكيني من حقوقي، إلا أن مدير الديوان، لم يمتثل لذلك، بل وقرر حتى تصعيب المأمورية عليّ في المشاركة في التظاهرات الرياضية.
تلقيت دعوة للمشاركة في فزاع العالمية لرافعات القوة بالإمارات، وقررت الاستجابة لرغبتي في تمثيل وطني، إلا أنني أتفاجأ مرة أخرى بوقوف مدير الديوان في طريقي، بعدما تسبب لي بسلسلة طويلة من البحث بين المكاتب عمن يمُضي لي طلبا بالمساعدة في أداء مصاريف الرحلة، وبعد قرابة عشرة أيام من التماطل، قررت بيع ثلاجتي والحصول على مساعدات من أصدقائي، لأمثل وطني هناك أمام أكثر من عشرين دولة، ليس فقط كمشارك، ولكن كذلك كمدرب وتقني ومسؤول في غياب تام للجامعة المخوّل لها ذلك.
ولم يقف مدير الديوان في طريق حرماني من حقوقي فقط، بل منعني كذلك من المشاركة في فيلم وثائقي كان يريد إنجازه أحد المخرجين الأجانب عن حياة ذوي الاحتياجات الخاصة بالمغرب.
لقائي مع زوجتي والهجرة إلى المكسيك
التقيت بزوجتي المكسيكية عبر الانترنت، وقد قررتْ زيارة المغرب بعد ذلك، تعرفنا أكثر، فتكلّلت لقاءاتنا بالزواج سنة 2009، عشنا سنتين بالمغرب، وبعد انسداد الأفق، هاجرت رفقتها إلى المكسيك، فقد تدهورت صحتي كثيرا وأصبت بتورم في الرجل السليمة، وبدأت أفقد شَعري من شدة التوتر. فلم أجد حلا سوى الهجرة برفقتها إلى المكسيك، وبسببي، تخلت عن دراستها الجامعية بشعبة اللغة الإنجليزية من أجل التفرغ لي ولإعالتي، إلا أنه بعد الولادة، توقفت عن العمل.
اضطرت للبحث عن لقمة العيش، فاشتغلت في عدة مهن رخيصة: غسل السيارات، بيع الحلويات والسجائر..إلا أن العوائق كانت كثيرة: أوّلها ضُعف لغتي الإسبانية، ثم مشاكل التنقل بحكم أن المنطقة جبلية، فلم أجد حتى ما يمكّنني من شراء جهاز مشي جديد بعد انكسار السابق، وحاليا أنا مسجون في البيت لعدم قدرتي على المسير دون هذا الجهاز. ولولا عطف بعض المكسيكيين الذين يساعدون أسرتي الصغيرة على الحياة، لخرجنا إلى التسوّل جميعا. خاصة وأن ابني لا يتجاوز من العمر سنة ونصف وزوجتي حامل للمرة الثانية.
أنا الوحيد المسلم بهذه المنطقة من المكسيك، لا يوجد أي مسجد هنا ولا أي شيء متعلق بالإسلام..لا يوجد هنا لا رمضان ولا عيد أضحى. أحيانا أعود إلى ألبوم صوري، وأدقق النظر في صورتي قُرب الراية المغربية: لأتساءل: هل جزاء من أراد تشريف هذه الراية ذات يوم..هو أن يعيش حياة الفاقة بمنطقة بعيدة كل البعد عن موطئ رأسه؟ وهل سيكتب الله عليّ أن أُوّدع هذه الحياة بسبب تماطل وظلم بعض المسؤولين المغاربة ممّن حرموا إنسانا “معاقا” من حقه البسيط في العيش الكريم؟”.