كعادتها لم تدع الجاليات المغربية عبر العالم فرصة توحد الجبهة الداخلية للتصدي لمواقف الأمين العام للأمم المتحدة المتحيزة للطرف الآخر والخارجة عن مبادئ الحياد والموضوعية التي يجب ان تتحلى بها المنظمة، تمر من دون إسماع صوتها والتعبير عن ارتباطها القوي بوطنها الأم، وكذا التأكيد على تفاعلها مع قضايا المغرب المصيرية أينما تواجدت.
فكان للجالية المغربية في العديد من دول الإقامة نهاية الأسبوع الماضي موعدا للتعبير عن انخراطها الغير مشروط في الدفاع عن القضية الوطنية، وخرج مجموعة من مغاربة العالم على قلب رجل واحد من الصين إلى أمريكا مرورا بأوروبا وصولا إلى كندا للتنديد بكل ما من شأنه المس بوحدة الأقاليم الجنوبية، ولإبراز العلاقة الوجدانية مع القضية الوطنية.
لقد عبر أفراد الجالية المغربية في أهم ساحات مدن عالمية، بكل تلقائية ومن دون إيعاز من أحد، عن مواقفهم اتجاه الوحدة الترابية للمملكة؛ تجمعوا في ساحة تروكاديرو الشهيرة في قلب باريس، وفي ساحة سان جوم حيث مقر الحكومة الكتالونية في برشلونة هناك في إسبانيا، وفي موريال أمام مقر المنظمة الدولية للطيران المدني، ناهيك عن وقفات بنيويورك وبروكسيل…
وبشكل حضاري رفعوا الشعارات، ورددوا الأغاني الوطنية، وكتبوا اللافتات المنددة بخروج الأمين العام للأمم المتحدة عن موقف الحياد الذي يفترض في هيأة تعنى بحل النزاعات الدولية، بما يحفظ مصالح جميع الأطراف من دون الانحياز نحو طرف أو آخر.
إن خروج المغاربة للتعبير عن آرائهم حول القضية الوطنية يظهر جليا تمكنهم من الوصول إلى درجة من الوعي للتعبير بأنفسهم عن آرائهم، كما أنه تأكيد جديد على الارتباط بالوطن وبالدفاع عن قضاياه مثلما كان عليه الامر دائما بالنسبة للمهاجرين، حيث نجدهم يرفعون الأعلام المغربية في الأعراس ويحتفلون بالمناسبات الوطنية، ويعبرون عن فرحهم حتى إذا تعلق الأمر بمباريات كرة القدم، تماما مثل إخوانهم في المغرب؛ ولا أظن أن هنالك شعب خارج وطنه يدافع بحماسة عن قضاياه الوطنية ويجعلها جزءا من همومه اليومية مثل مغاربة العالم.
لذلك يحق للمغرب أن يفخر بجاليته، التي وبالرغم من بعد المسافات، إلا أن الوطن يظل ساكنا في قلوب أفرادها وفي وجدانهم؛ إنها بحق علاقة ميتافيزيقية تفوق الوصف ويختلط فيها العاطفي بالروحي وتجمع بين البعد المكاني والارتباط الوجداني.
بدوره فإن المغرب يبادل جاليته نفس الشعور، وذلك يتبين جليا من خلال اهتمام صاحب الجلالة بالمواطنين المغاربة في الخارج، سواء في الخطب الملكية التي تولي لهم أهمية خاصة أبرزها خطاب العرش الأخير، أو من خلال الزيارات الميدانية مثل زيارته للقنصلية المغربية في “أورلي” في إطار زيارته الأخيرة لفرنسا، وكذا عن طريق اللقاءات المباشرة مع أفراد من الجالية المغربية واطلاعه على واقع حياتها تزامنا مع الزيارات التي يقوم بها لعدد من الدول.
ولكي يزداد عمق هذا الحب الوجداني المشترك بين المغرب ومغاربة العالم، من الواجب بلورة مشاريع لإدماج هؤلاء المغاربة في المؤسسات الوطنية وجعلهم في طليعة المدافعين عن قضايا المغرب الكبرى في الخارج؛ ورافعة أساسية في إرساء مبادئ دولة الحق والقانون، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرتهم وإمكانياتهم في التنمية الوطنية على جميع الاصعدة.
وفيما يتعلق بالقضية الوطنية فقد أصبحت تطرح بإلحاح مسألة التكوين والرفع من جاهزية الجمعيات المغربية في الخارج وخاصة الشباب المنحدر من الهجرة المغربية، وهو ما يقتضي رفع درجة التكوين وتزويد الشباب بالأدوات العلمية في الترافع وتسليط الضوء على جوانب من تاريخ القضية والحجج الدامغة لارتباط المغرب بصحرائه وكذا الجهود التنموية التي بذلها المغرب في سبيل النهوض بالأقاليم الجنوبية وتعزيز كرامة سكانها.
إن المغرب يسري في قلوب مغاربة العالم مسرى الدم في العروق، وكما يتنفس أفراد الجالية المغربية أكسجين الوطن، على المغرب أن يتنفس أكسجين مغاربة العالم ويستحضرهم في وضع سياساته العمومية بشكل يومي ويجعل من الهجرة المغربية بعدا أساسيا في القرارات والبرامج الوطنية.