الجالية24

تناولت منابر إعلامية خبر منع باشا مدينة سطات الصحافة لتغطية انتخاب رئيس بلدية سطات وذكرت منبر إعلامي أن باشا سطات اختلطت عليه المفاهيم القانونية فأصدر، الجمعة الماضي، لمناسبة انعقاد دورة انتخاب رئيس البلدية، اجتهادا مخالفا للدستور، بل وضرب بعرض الحائط فلسفة الاقتراع، ودور الإعلام في رصد ومراقبة الانتخابات، المعترف له دوليا به، بل إن المراقبين الدوليين يقيسون معايير نزاهة الانتخابات، بحضور الصحافة للقيام بواجبها في الرصد والتتبع وإطلاع الرأي العام، وكلما غابت، فإن المراقبين الدوليين يعتبرون ذلك تعتيما ينتقص من النزاهة ويضرب الديمقراطية في الصميم.
برر الباشا سلوكه بمنع رجال الصحافة، بمبرر أقبح من الزلة، إذ قال وهو يصر على عدم السماح للإعلام بالتغطية، إن حضورهم مخالف للدستور، دون أن يحدد دستور أي بلد، لأن المعروف في دستور المملكة، الصادر في 2011، أن الفصل 28 يلح على أن: “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، مضيفا أنه للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”. أما الفصل الذي قبله، أي 27، فإنه يمنح للمواطن الحق في التوفر على إعلام حر ونزيه، يطلعه بالمعلومات والأخبار، إذ نص على “للمواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيآت المكلفة بمهام المرفق العام”.
الأصل في دورات الجماعة أنها مفتوحة للعموم، والاستثناء أورده المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 48 من القانون التنظيمي 14.113 للجماعات الترابية، التي تفيد أنه، إذا تبين أن عقد اجتماع في جلسة مفتوحة قد يخل بالنظام العام، جاز للعامل أو من يمثله طلب انعقاده بشكل غير مفتوح للعموم. والصحافة هنا غير مقصودة، لأنها لا تشارك لا في التصويت ولا في التنظيم، وليست مع أو ضد أي مرشح، بل مهمتها الوحيدة نقل المعلومة وأجواء الانتخاب، وبالتالي فهي بعيدة عن ذلك العموم، المقصود في الفقرة الأخيرة، وحرمانها من التغطية، يتير استفهامات حول الأسباب الكامنة وراء إبعادها. بل حتى إن طرد من يخل بالنظام، متاح أثناء انعقاد الدورة، ليستهدف المعني بهذا الخرق لوحده، دون سواه وكيفما كانت صفته.

لم يعرف أحد النص الدستوري الذي اعتمده الباشا للأمر بمنع رجال الصحافة، والادعاء بأنه مخالف للدستور، ولو كنا في بلد يحاسب على خرق القانون، لتمت إعادة الانتخابات لوجود تأثير فيها من قبل السلطة المحلية، ولأن أهم ركائز تحقيق نزاهتها غابت، أو على الأقل إن لم يكن هذا وذلك، لتعرض مصدر تلك الأوامر المشوبة بالشطط، إلى توقيف وإحالة على أحد المعاهد أو الكليات المتخصصة في تلقين مبادئ القانون الإداري، ليقضي فترة، عله يعيد ترتيب المفاهيم القانونية ويترجمها في سلوكاته الإجرائية.
ما وقع فيه الباشا ويقع فيه آخرون من أخطاء في هذا الباب، أنهم لم يفهموا فلسفة المشرع المغربي، والترسانة القانونية التي تتجدد باستمرار للحفاظ على الديمقراطية وإرساء الشفافية ومحاربة الفساد، سواء كان ماليا أو انتخابيا، فجل القوانين الصادرة بعد 2011، ذات توجه لتعزيز هذه المكتسبات، ولا يمكن منطقيا أن تكون ضدها، والذي لم يستطع الباشا تمييزه وفهم تعريفه القانوني والفقهي، هو أن الاقتراع في انتخابات رؤساء الجماعات الترابية والغرف المهنية، أصبح علنيا بحجة القانون، إذ أقر المجلس الدستوري المتخصص في مراقبة دستورية القوانين، أن “انتخاب رؤساء مجالسها ونوابهم وأجهزتها يكون عن طريق التصويت العلني برفع اليد، معتبرا ذلك استثناء من قاعدة التصويت التي تقوم على أساس السري، وذلك لتخليق الحياة السياسية، وضمان الشفافية.
حتى وإن تجاوزنا مبدأ العلنية لانتخاب رئيس البلدية المعبر عنه صراحة في المادة السادسة من القانون التنظيمي للجماعات المحلية، وعدنا “تجاوزا” إلى الاقتراع السري، فإن السرية هنا، لا تلزم إلا الناخب، الذي عليه أن يدلي بصوته في سر، داخل معزل دون أن يعرف أحد لمن صوت، وهذا لا يهم الصحافة التي ليس عليها إلا الحضور ومراقبة سير العملية ومدى وجود تدخلات أو تأثير، لأنها الجهة المخولة في نقل الأخبار وإطلاع المواطنين عليها، كما أن دورها ينصرف أيضا إلى تناول أي مظاهر مشينة، للمساعدة على كشف أي تدخل أو تزوير أو فساد.
وقديما اعتبر مونتيسكيو علنية التصويت، قانونا ديمقراطيا يسمح بتوعية الأميين، أما رجل الثورة الفرنسية، ماكسيمان فرانسوا دي روسبيير، فقد اعتبر العلنية حماية للشعب. أما باشا سطات فقد تفتقت عبقريته وقال إنها مخالفة للدستور. وقد قال أجدادنا باللسان العامي، “كاين اللي كيعرف العلم وكاين اللي كيعرف يزيد فيه”.