1. كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
لأني أعيش خارج المنطقة العربية، فانا مضطر لتعريفي نفسي كما يلي: روائي عراقي/بلجيكي، صدرت له خمس روايات وصلت إحداها للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية. في الأصل أنا رجل مسرح أنتجت في أوروبا ما يزيد على العشرين مسرحية تأليفا وإخراجا، وفازت إحدى مسرحياتي بجائزة أفضل تأليف مسرحي عن الهيئة العربية للمسرح. أنا أيضا مترجم معتمد لدى وزارة الثقافة البلجيكية متخصص في مجالي الشعر والمسرح، أصدرت كتابين في المسرح والشعر.
2. ماذا تقرأ الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
أقرأ الكثير في ذات الوقت:
مساءً مشغول بكتاب عن المسرح والإسلام. ظهرا رواية بول أوستر الأخيرة (4321). صباحا قصائد سركون بولص مع الموسيقى.
جوابا على سؤال (ما هو أجمل ما قرأت) من المستحيل الإجابة على هكذا سؤال. لقد قضيت حياتي أقرأ أجمل الأشياء. في كل مرة أقول إن هذا أجمل ما قرأت، بعدها أقرأ كتابا آخر فأعود وأقول إن هذا أجمل ما قرأت!
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
بدأت الكتابة وأنا في عمر الـ 14. أما لماذا أكتب، فجوابي هو أني لا أعرف! الإبداع بأشكاله هو نمط عيش. لكي أشعر بأني على قيد الحياة أحتاج لممارسة العمل الإبداعي. عندما أتوقف أشعر بأنني جثة على قيد الحياة. أمرٌ يصيبني بالرعب فأهرب للعمل الإبداعي، للحياة.
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
المدينة التي ولدت فيها: بابل.
5. هل أنت راض على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
الرضا عن العمل هو شكل من أشكال الموت. كلما أعدت قراءة نص منشور لي تجتاحني رغبة في إعادة كتابته. أمر دفعني لعدم قراءة أعمالي عندما تظهر في كتاب. على الصعيد المسرحي الأمر مختلف. فعندما أقرر إعادة عرض مسرحي ما، أقوم بإعادة كتابة النص بالتعاون مع طاقم التمثيل والدراماتورغ والموسيقي والسينوغراف. أعمالي المستقبليّة لا أحكي عنها. عندما أحكي عن مشروع مستقبلي يموت بداخلي ولا أحققه!
6. متى ستحرق أوراقك الإبداعية وتعتزل الكتابة؟
عندما أنضب أتوقف عن الكتابة.
أنا أعي بأن المبدع ينبغي له التوقف عندما يدرك بأنه بدأ يتراجع ذهنيا وعاطفيا. لا عيب في التراجع الذهني والعاطفي فكلنا نتقدم في العمر ونموت. العيب في إنكار ذلك!
7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
لا يوجد عمل تمنيت أن أكون كاتبه. توجد أعمال عظيمة قرأتها وتعلّمت منها. بالمناسبة: لا توجد كتب مقدسة، ولا توجد كتب تُحتذى! نحن نتعلم من بعضنا البعض من خلال التقنيات والثيمات والهياكل والاستراتيجيات والمعالجات وإدراك الجماليات.. لكن لا وجود للقداسة ولا للمثال الأعلى.
8. هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
ثمة أنواع من المثقفين: منهم من هو مثقف عضوي يتفاعل مع المحيط ومنهم من يظن أنّه ربّنا الأعلى، وأنه أنتج أعظم قصيدة في التاريخ وأجمل لوحة وأروع رواية…
.
من المثقفين العضويين قرأت يوما أن شاعرا عراقيا كبيرا وقف في ساحة الأمّة البغدادية في أربعينات القرن الماضي وقرأ قصيدة انتهت بخروج تظاهرة مليونية. وثمة مؤلف مجهول جمع قصصا في كتاب عظيم أسماه (ألف ليلة وليلة).
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
في حال العزلة الإجبارية فهذا يعني لي إنتاجا أكثر! لقد بدأت كتابة (الوقائع المربكة لسيدة النيكروفيليا) بعد شهر من وباء كورونا (يوم 19 مارس 2020)، وانتهيت منها بعد خمسة أشهر (16 أغسطس). هذه فترة قياسية لكتابة رواية. أما على صعيد (الحرية الأقل) فلقد بدأت التخلّص من هذا من 34 سنة. ومن ربع قرن لم أعد أفهم معنى اصطلاح (حريّة أقل). في روايتي الجديدة (الوقائع المربكة) قد تجد مستوى من الحرية يستعصي تخيّله.
10. شخصية من الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
أبي وأمي! هل ثمة داعٍ للجواب عن (لماذا)؟
11. ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
لن أختار طريقا سوى ما اخترته من قبل، لكني لن أرتكب الأخطاء التي أدركتُ أني ارتكبتها.
12. ما الذي يريده الناس تحديدا من الكاتب؟
قبل كل شيء يريد الناس المتعة من الكاتب. إذا فقدنا عنصر المتعة سيرمي القارئ بالكتاب. أثناء تحقّق المتعة للقارئ يبدأ القارئ بالبحث عن أشياء كثيرة. شخصيا كقارئ أبحث عن جمال وسلاسة اللغة (موسيقاها الداخلية)، جمال الحكاية (أصالتها Authenticity وقربها من القلب)، جمال بناء النص (بصريا أو تدوينيا)، المفاجأة بأنواعها (بوليسية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية..)، أبحث عما أتعلّم منه (فلسفيا واجتماعيا وفنيّا)، أبحث عن شراكات بيني وبين النص، وعن ذكاء الأسئلة والتساؤلات.
13. صياغة الأدب لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثنا عن روايتك الاخيرة (مروج جهنم). كيف كتبت وفي أي ظرف؟
قبل عامين من كتابة (مروج جهنم) قرّرتُ نقل التمارين المسرحيّة اليوميّة من فضاء الصالة إلى فضاء الكتابة، وهي تمارين جسديّة تجريديّة طقوسيّة تخيّليّة. دافعي لمثل هذا الخيار هو أني أحمل الجنسين، جنس المسرح وجنس السرد، وأشعر بحاجة لتنظيم لقاء كيمياوي يضع السرد في مختبر المسرح وبالعكس. سألت نفسي هل يمكن تحويل تمارين جسديّة إلى تمارين كتابيّة؟ هل أستطيع استبدال أدوات حركيّة روحانيّة أكروباتيكيّة رياضيّة راقصة بحروف تُشكّل كلمات، وكلمات تشكّل جملا، وجمل تشكلّ فقرات، وفقرات تشكّل فصولا؟
إذا اعتمدت هذه المقاربة الجسدية فأيّ روابط داخليّة وخارجيّة يمكن أن تنشأ بين الكلمات؟ بين الجمل؟ الفقرات؟ هل حقا إنّ المحتوى هو الروابط؟ هل المحتوى لوحده هو الروابط؟ هل الروابط هي موسيقيّة الكلمة هي الروابط؟ شكلها الخارجي؟ وماذا إذا كانت كلمة موسيقيّة معينة تطرب لها الأسماع وكان محتواها مروّعا؟ هل أسمع تلك الكلمة فأطرب إلى جرسها ثمّ أراها تتجسّد على أرض الواقع فأقرف من محتواها؟ ما هي علاقات التوتّر بين الكلمات وما الذي يدفع كلمة ما للوقوف إلى جانب أخرى عدا المعنى؟
هذه الأسئلة كانت مفاتيح تطبيق التمارين المسرحيّة التجريديّة على الكتابة لأنّ تماريني المسرحيّة تعتمد هذه الأسس.
كلّ يوم صباحًا، أستيقظ، أصحو قليلا، أشرب القهوة ثم (أرمي بنفسي) في لجّة الكتابة. أيّ شيء يطرأ في ذهني أكتبه. أرتجل وأرتجل وأصغي إلى الكلمات وعلاقاتها المتناقضة وعلاقتها المتناغمة. موسيقيّتها ونشازها. سرعتها وبطئها. ثقلها وخفّتها. تأتأتها وانسيابها، أخضِعُ ارتجالاتي للتنويع ولا أمنع نفسي من أيّ شيء سوى أن تسلك سبيل التكرار المؤدّي إلى الرتابة. كان الهدف أقصاه كتابة صفحة A4 في اليوم يليها التوقّف عن العمل.
كثيرا ما حملتني أفكار أو صور أو ثيمات أو أحداث وفتحتْ لي آفاقًا تغويني بالتعمّق فيها أو الاستطراد، فأمنع نفسي وأغادر الورقة متعهِّدا لنفسي أن لا أعود إلى العمل غدا بما علق في رأسي ووجداني من استطرادات وآفاق وغوايات. هدفي كلّ يوم كان التمرين التجريديّ لا الإنتاج.
هي أربع ساعات إلى خمس ساعات تبدأ صباحا ثم أتوقّف. …
لأجل الحفاظ على طزاجة وعفويّة وتقنيّة التمارين السرديّة أقنعت نفسي بأنّ الكتابة بحاجة أيضا إلى تمارين ارتجاليّة يوميّة لا تضع في بالها نشر ما يَنتجُ عنها.
ساعدني في هذا، إلى جانب عملي المسرحيّ القائم أساسا على هذا التصوّر، معايشة أصدقائي الفنّانين التشكيليّين والموسيقيّين. التشكيليّ يتمرّن يوميّا على التخطيط والتلوين ويدفع نقودًا لاستضافة موديل تقف أمامه في الأتيليه لكي يضبط تقنياته ويربطها بأحاسيسه المؤدّية إلى تثقيف العفويّة والزاوج بها. الموسيقِي يعزفُ ارتجالات يوميّة لساعات دون أن يفكّر بتحويل الارتجال إلى ألحان. لكن إذا تحوّلت تلك الارتجالات إلى لحن فذاك أمر مفرح.
إنّ الدوافع الأهمّ هي المتعة والحفاظ على ليونة الأدوات وتجديدها وتحديثها وما بعد تحديثها.
هكذا اشتغلتُ ستّة أسابيع.
أدخلُ غرفة العمل، بعد خمسين دقيقة استراحة عشرة دقائق، عودة إلى العمل 50 دقيقة فاستراحة وهكذا.
عند انتهاء الأسابيع الستّة وجدتُ أن (التخطيطات السرديّة) على الورق تحتوي شخصيّات تُعاود الظهورَ بمختلف الطرق والأسماء وأنّ الثيمات تعود بلحمها ودمها إلى جسدٍ تعرّض للتشظّي. وجدتُ أنّي أشتغل حينا على تقنية الريبورتاج وحينا على آليّات القصّة القصيرة وأحيانا أخرى على أسلوب المونولوج المسرحيّ أو على منوال الراوي وقد أقتفي أثار أمور السحر غير الواضحة لدى أحمد بن علي البونيّ في (شمس المعارف الكبرى).
وضعتُ الصفحات التي تعود بتقنياتها إلى المونولوج على جهة وتلك التي تنتمي إلى الريبورتاج في جهة ثانية وتلك التي تنتمي للقصة جهة ثالثة والروحانيّات في جهة رابعة..
تلك كانت طريقة في التشكّل عدتُ من خلالها إلى تقنيات التصوير الزيتيّ للهولنديّ يان فان آيك. ثمّ صرتُ أربط الصفحات مع بعضها بعضا. فتارة أستدعي الموسيقيّة والإيقاع، وتارة أعتمد اللون والأجواء، وتارة الثيمة والمحتوى، وتارة أخرى ترابط الشخصيّات أو سياق الأحداث.
خيّاطا لمختلف أنواع الأقمشة الكتابيّة صرتُ.
عندما اكتمل الرداء الريبورتاجيّ ضبطتُ تقنياته الصحافيّة وحين أنجزتُ المونولوج اعتمدتُ الدراماتورغيا، وكذا الأمرُ مع بقيّة العناصر.
أنت ترى بالطبع أنني لا أتحدث عن المحتوى.
14. كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
عملية النشر في فضاءات التواصل الاجتماعي تمكنت من تحرير الكثير من الكتاب من الرقابة على النصوص. فالرقابة أنواع، منها الرقابة الذاتية التي نمارسها خفية على أنفسنا، ومنها رقابة السلطات والأنظمة، ومنها رقابة الناشرين، فالكثيرون من الناشرين يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة وأنهم هم من يقررون للشعوب ماذا يجب أن تقرأ وماذا لا يجب أن تقرأ. التخلّص من الرقابة شيء مهم جدا.
أنا أعرف أن الكثيرين يشتكون من تراجع المستوى الأدبي بسبب سهولة النشر في مواقع التواصل، وأعرف أن هناك الكثيرين ممن أصبحوا انفلونسار influencer وهم يجهلون أصلا آليات الإبداع. هكذا هي الحياة صديقي: لقد ظهرت الكثير من الأكذوبات الأدبية والفنية في حياتنا قبل ظهور وسائل التواصل أيضا.
ثمة فتاة جميلة لا تفقه شيئا في التمثيل صارت نجمة لجمال جسدها وبسبب سيلان لعاب المخرج الفلاني أو المؤلف الفلاني. وثمة فتى أصبح شاعرا عملاقا لأنه ينتمي لسلطة معينة أو حزب قائد
.
الاختلاف أن تلك الأكذوبات كانت تعتمد آليات مختلفة عن آلياتنا اليوم لكي تفرض نفسها وتصبح انفلونسار influencer ومن بين الكثير من تلك الآليات الانتماء لأحزاب سلطات فاشية (علمانية ودينية)، وبيع الذات لشياطين السوق.
15. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
أجمل ذكرى هي ولادة ابني البِكر (رامي). وأسوأ ذكرى هي وفاة والدتي التي أعقبتها وفاة والدي.
16. كلمة أخيرة او شيء ترغب الحديث عنه؟
شكرا لكم.