الجالية24/ ذ.محمد بوتخريط من هولندا
(على هامش ما قيل حول ما عرفته بعض مدن هولندا من “أعمال شغب”على يد شباب من أصل “مغربي”…)

“فوضى و أعمال شغب” عرفتها مدينة لاهاي ، “أعمال شغب” عاشها حي محسوب على الاحياء من ذوي الدخل المنخفض بمدينة لاهاي غرب البلاد…حالة الاضطراب هذه امتدت في اليوم الموالي أيضًا إلى مدينة أخرى “أوتريخت” وسط البلاد …

طبعا ، إدانة هذه “الاحداث” بكافة أشكالها وصورها، باعتبارها ظاهرة تستهدف الأمن والاستقرار ، موقف لا يختلف عليه أحد، كما أنها تستوجب التعاون والتضامن على جميع المستويات لاستئصال مثل هذه الظواهر التي تنشر الفوضى وتزعزع الاستقرار.
لكن ان تكون هذه الاحداث فرصة للمتربصين… ممن يجيدون الاصطياد في الماء العكر ، ويتقنون إثارة المشاكل المختلفة بمنتهى الصفاقة فهذا ما يثير الغضب بل و السخرية في آن واحد ، بل والشفقة عليهم أحيانا ، تلكم العقول الضيقة المنغلقة والرؤى المحدودة التي تعمد إلى التربص بهؤلاء الشباب والإيقاع بهم في مآزق يصعب الخروج منها وذلك ليس إلا لإشباع غريزة الحقد والكراهية التي تتحكم بنفوس اصحابها المريضة ومشاعرها المشبعة بحب الأذى وغير ذلك .
بل ومن بين هؤلاء كذلك فئة من الناس من أبناء جلدتنا يتسمون بثقافتنا ويحملون نفس هويتنا ولكنهم ينسلخون بالكلية عن مطالب واحلام وحقوق هؤلاء الشباب بل ويحاربونه ما استطاعوا لذلك سبيلا… وكان الأجدر بهذه الفئة من أبناء جلدتنا أن تلتفت إلى أحوالها وأوضاعها الكارثية..

تعددت التعليقات والآراء و أدلى الجميع بدلوه… فريق يرى أن هؤلاء الشباب مذنبون و جناة، و آخر يرى أنهم ضحايا و مجنى عليهم…
سمعت من قال :”حان الوقت لاعادة تربية هؤلاء بل وكل الآباء”… ومن قال “وجب التحقيق في دور بعض المساجد والأئمة ودورهما في ما يحدث من طرف هؤلاء المتهورين من الشباب”
بل من ذهب بعيدا وقال : ” لقد حان الوقت لاستقدام الأمن الوطني من المغرب”.
ومن قال :”نحن المغاربة نُربي أبناءنا “بالعصا”… والقانون هنا يمنع الضرب…فلتتحمل الدولة العواقب إذن “.
الخ..الخ…من التعليقات..
و لم يسأل أحد عن الاسباب التي تجعل هؤلاء الشباب يسلكون مثل هذه المتاهات ..ولم تكن لهم الجرأة يوما أن يفتحوا أفواههم بكلمة حق أو أن يُحملوا السلطات هنا ايضا ولو جزءً من مسؤولية ما يقع ..

الاحداث في هذه الاحياء: شخيلدرس فيك ( لاهاي) ، كانال آيلاند وأوفيرفيخت ( أوتريخت) ليست بجديدة ، هي جزء من عملية مستمرة في هذه الأحياء لسنوات..احياء تفتقر للامن ، حتى الشرطة التي تتولى المهمة فيها تفتقر الى الخبرة والتدريب .. يشعر هؤلاء الشباب كما عبروا عن ذلك مرارا “أن الشرطة لا تعاملهم معاملة حسنة… يقولون” إن الشرطة تُعنفهم جسديا و نفسيا و تمارس التمييز في تعاملها معهم ، وتتسم بطابع عرقي ولا تستمع إليهم..”
هي احياء بكاملها ، تعيش مشاكل اجتماعية خطيرة ، والتي لا يتم التعامل معها بشكل فعال ..وحتى السلطات والهيآت الحكومية والغير الحكومية والجهات المسؤولة لا تتعاون بشكل جيد مع بعضها البعض وغالبًا ما تنقصها المعرفة والمهارات ، حيث تفتقر إلى التنسيق فيما بينها وحتى الشرطة من رجال الامن يفتقرون إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع مثل هذه القضايا ..كما أن الآباء لا يشاركون كثيرًا في العميلة ، وأحيانًا “يتهربون” من مسؤوليتهم إما بسبب جهلهم أوعجزهم أو حتى بسبب مشاكلهم الخاصة ..
وطبعا هذا النظام وهذا الجو الذي ينشأ فيه هؤلاء الشباب لا يعمل كما يجب وبالتالي لا يؤتي أُكله.
صحيح ، قد تعمل هذه الهيئات والآباء والشرطة أحيانا جنبًا إلى جنب ، لكنها لا تعمل بشكل فعال..ومثمر .

أحياء معروف عنها و منذ سنوات انها قد تتحول في كل لحظة إلى قنبلة اجتماعية موقوتة في ظل تنامي عدد سكانها وتراكم المشاكل فيها وغياب سياسة مسؤولة و مراقبة مسؤولة تحول دون تطور الوضع داخل هذه الاحياء.
المعلمين في المدارس في هذه الأحياء مثقلون بالأعباء ولا يستطيعون التعامل مع هذه المشاكل … واما مساعدة هؤلاء الشباب في العثور على عمل في هذه الأحياء فيكاد يكون مستحيلاً. وهكذا تزداد المشاكل وتتراكم وتصبح أكبر وأكثر خطورة.
وطالما لم يتم اتخاذ تدابير فعالة يكون فيها التعاون الحقيقي أمرًا بالغ الأهمية ويتم تقديم المُنتظر، ستتكرر هذه الاحداث مرارا بل وأكثر بكثير من قبل .

صحيح ، يجب التعامل مع الوضع بحزم فهذا أمر غير مقبول.، لكن القمع ليسا حلا..
إذ إن الامر هنا ليس هو مشكلة ” أحداث و شغب “، فهو إشكالية مُتعلقة بخيار ” القمع ” كإحدى الآليات التي تستخدمها الدولة بدواعي الحفاظ على الأمن.
وفي تقديري، أنه كان جديرا قبل أن تستسهل الدولة اللجوء لقرار القمع ، أن تبذل جهدا أكبر في إيجاد حلول تقي الجميع شر هذا الوضع ، و بأن تتضافر جهود الدولة والمؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية والجمعيات و…و… لايجاد حلول جذرية ناجعة بدل إلقاء اللوم على هؤلاء الشباب…و الحرصﻋﻠﻰ إﺷﺮاك الجميع ﻓﻲ إﻳﺠﺎد الحلول اﻟﻨﺎﺟﻌﺔ.
المشكلة أعمق بكثير جدا من مجرد ” أحداث شغب”، المشكلة في الأساس متعلقة بما أوصل هؤلاء لهذا “الشغب”، وبالتالي فالقمع والمطاردات والتوقيفات ليس حلاً على الإطلاق ..
أن هذه السلطات كلها ترفض أن تتعلم الدرس، فالتضييق والمبالغة في القمع لا يحمي هذه الاحياء، بقدر ما يجعلها هدفاً سهلاً لمزيد من الشغب والاحتقان..وكلما تزايد القمع والمنع والإكراه و…التمييز والتهميش الذي تمارسه السلطات على هؤلاء الشباب، كلما عجلت بنهاية وموت هذه الاحياء.

ثم أن هناك ثمة حقيقة ينساها أو يتناساها هؤلاء هي ، أن هؤلاء الشباب الذي يتحدثون عنه ويقولون عنه ” الشباب المغربي” هم فئة من الشباب الهولندي بالدرجة الأولى، ولدوا وترعرعوا في هذا البلد الأوروبي، وليس لهم أية علاقة ببلدهم الأصلي”، باستثناء التوجه إليه لقضاء العطل.

مشاهد تتكرر في شوارع هذه المدن وخصوصاً في أحيائها الشعبية. يحاول هؤلاء الشباب من خلال هذه “الأعمال” توجيه رسائل مفادها أنهم يرفضون التمييز بين مواطني البلد الواحد… وانه يكفي أن يعامَل جميع المواطنين كآدميين لهم الحقوق ذاتها وعليهم الواجبات عينها.

خلاصة الحكاية..
كان على هؤلاء المتربصين… ممن يجيدون الاصطياد في الماء العكر – على الأقل – استحضار بعض الدراسات الحديثة التي تناولت مثل هذه الأمور ليقتربوا من بعض الحقيقة..
دراسات تكشف عن معاناة هؤلاء الشباب من “التمييز”، سواء خلال البحث عن عمل أو سكن أو الحصول على قروض او حتى في التوجيه الدراسي ..دراسات تشير إلى أن هؤلاء يجدون صعوبات كثيرة مقارنة ببقية الشباب من اصول هولندية …
واستحضار واقع حال هؤلاء الشباب ، فشكاويهم من التمييزهنا مرتفعة جدا ، ( دراسة حديثة همت عينة من 1433 شابًا مغربيًا تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا ، كشفت عن هذه المعاناة حيث صرح 83 في المائة بمواجهتهم صعوبات في البحث عن العمل، و57 في المائة قالوا إنهم واجهوا صعوبات في الممارسة الدينية، و42 في المائة قالوا إنهم وجدوا صعوبات في التوجيه الدراسي، و35 في المائة وجدوا صعوبة في السكن.)

ويكفي هؤلاء أن يستعيدوا بعض مضامين دراسات سابقة تربط بين (ما يسمونه) بـ”انحراف” هؤلاء الشباب والاختلافات الكبيرة بين الثقافتين المغربية والهولندية. هذه الاختلافات التي قد تؤدي أيضا إلى التصادم ومشاكل في السلوك لدى الشباب.
وهناك دراسات أخرى اشتغلت بصفة خاصة على الجانب النفسي مركزة على حالات خاصة تكون فيها العلاقة بين اختلاف الثقافة ومشاكل الشباب واضحة…

دراسات، وأخرى كثيرة تقدم مختلف أشكال التمييز ، التي عبر و يعبر عنها الشباب “المغربي” هنا .. بل ونقاشات كثيرة تعرفها هولندا وباقي الدول الأوروبية حول إشكالية التمييز ..

هي أمور ، المفروض أن تفرض على هؤلاء وعلى جميع المسؤولين الانصات إلى آراء الشباب حول بعض مشاعر التمييز التي يواجهونها في حياتهم اليومية و خلق نقاشات هادفة متعلقة بـ”التمييز الموجه ضد هؤلاء الشباب “.. وخاصة تعامل الشرطة معهم والذي يكون في أغلب الاحيان إن لم نقل دائما ، مستفزا جدا.. والأخذ بالتالي نتائج هذه النقاشات والدراسات بعين الاعتبار..
بمعنى: البحث عن حلول والتفكير في المستقبل بدل إلقاء اللوم على هؤلاء.

فيا أيها المذنبون الضحايا هل لديكم “حجتكم” معكم كما أنا ادعيت أعلاه ؟
أخبرونا ، و أخبروا من تخاذل ، و من يلقون عليكم باللوم.