تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الاسبوع الشاعر والاعلامي عبد اللطيف بنيحيى
(1) كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
1- شاعر تائه في شعاب القصيدة بين الفصيح والعامي،دخل في عالم التصوف والجذب يوم رحلت الياقوت يوم5يناير2017.
(2)ماذا تقرأ الآن وماهو افضل كتاب قرأته ؟
2- ما زلت في بحر المعاني التي صاغها بِبُعدٍ إشاراتي مذهل محمد بن عبد الجبار النِّفري في كتابه(المواقف والمخاطبات)..وأفضل ما قرأت رواية(الإخوة كارامازوف) لدوستويفكي.
3) متى بدأت الكتابة ولماذا تكتب؟
3- بدأت الكتابة في مرحلة مبكرة من شبابي في أواخر الستينات. وأكتب إرضاء لهاجس داخلي لتحقيق توازن ما بيني وبيني.
(4) ماذا تمثل مدينة طنجة بالنسبة لك؟
4- مدينة طنجة معشوقتي وملاذ الروح..هي التي خلصتني من انهيار تام كاد يعصف بي بعد قلق وجودي مدمر عانيت منه خلال سنوات عملي بالدار البيضاء.
(5) هل انت راض على انتاجاتك الابداعية والاعلامية وماهي اعمالك المقبلة؟
(5 قد أكون راضيا كل الرضى عن عملي الإذاعي الصعب الذي أنجزته على مدى ثلاثة عقود بإذاعة طنجة.. أما على مستوى الكتابة فما زلت بصدد الحلم الذي يسكنني من أجل صياغة إشارات صوفية ضاربة في متاهات المعاني وتَنْأَى عن صخب العبارة.
6) متى ستحرق اوراقك الابداعية وتكسر الميكرفون وتعتزل بشكل نهائي؟
6- لن أكسر المكرفون، لأنه رافقني عبر سنوات طويلة،وحققتُ معه أُلْفَةً وصداقة لم أجدهما في غيره.. أما على مستوى الكتابة،فلن يجف حبر القلم.. ما دمتُ مسكونا بكل هذا الشَّجَن..وبكل هذا الألم.
(7) ماهو العمل الابداعي او الصحفي الذي تمنيت ان تكون صاحبه وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
(7) تمنيتُ أن أنجز عملا إذاعيا هادئا وعميقا وممتعا كما أنجزه خيسوس كينطيرو الرائع في برنامج(مجنون التّلّLoco de la colina)..وتمنيت لو كنت في مستوى التوثيق الصحفي الهائل الذي أنجزه الكاتب المصري صلاح عيسى في مجلد ضخم عن تفاصيل جرائم القتل في ملف ريَّا وسكينة.
(8) ماهو تقييمك للوضع الثقافي الحالي بالمغرب؟وما هو دور المثقف او المبدع في التغيير؟
(8)لا يكون التقييم مجديا وموضوعيا لأي نشاط إلا بوجود زخم وتراكم يؤهلانك لهذه العملية..ولا يمكن لي أن أحدد تقييما لِوَهْم اسمه الثقافة عندنا.
(9) ماذا تعني ان تعيش عزلة اجبارية وربما حرية اقل؟وهل العزلة قيد ام حرية بالنسبة للكاتب؟
9- العزلة التي أعيشها حاليا في هذا الحجر الصحي جعلتني ألِجُ كهوفا صغيرة في داخلي لم أكن أفكر في الاقتراب منها في السابق..أما العزلة التي أختارها لنفسي خارج الحجر في مرتفعات نائية وحيث يثوي صوفيون أُجِلُّهم وأحس بنبض مناجاتهم للكون ومبدعه، فإن لها انتشاء روحيا يصعب البوح به.
(10) ماذا منحك الاشتغال في اذاعة طنجة وماذا اخذ منك بعد كل هذه المدة؟ ولماذا غادرت الاذاعة سنة 2017 بشكل مفاجئ؟
(10)السنوات الطويلة التي أفنيت فيها عمري على مدى أكثر من ثلاثة عقود منحتني فرصة التعرف على الناس الطيبين في مختلف قبائل جبالة..وعلى البحارة الذين يغامرون من أجل لقمة العيش..وعلى عمق معاناة مختلف الشرائح الاجتماعية المهمشة..وعلى مثقفين ومبدعين كبار في المغرب والعالم..وجعلتني أحس أيضا أنني خُلقتُ لأكون إذاعيا. وقد انفصلت عن اذاعة طنجة بإرادتي واختياري،عندما طُلب مني بطريقة شفوية مغرضة أن أقدم برنامجا آخر بدل(صباح الخير يا بحر) بإيعاز من أيادي بعض لوبيات الفساد،مما جعلني أرفض رفضا كاملا وأفسخ العقد الذي أبرمته مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون.
(11) ماذا بقي في طنجة من من فترة الكتاب العالميين: بول بولز، جان جينيه، تينسي وليامز، وليام برووز والاخرون؟
11- فَقَدَتْ مدينة طنجة جوهرها السري الذي جذب إليها الكثير من الكتاب والفنانين العالميين الذين زاروها أو استقروا بها،عندما اكتسحها الإسمنت والحديد، واتسعت رقعتها على امتداد هوامشها بشكل عشوائي وتم الإجهاز على معالمها إرضاء لجشع المنعشين العقاريين،كما أن فضاءها العتيق فقد هويته ببشاعة.
(12) كيف تعرفت على الكاتب محمد شكري؟ وما الذي جعله الكاتب المغربي الوحيد الذي يصل الى هذا المستوى من الصيت العالمي؟
(12)تعرفت على محمد شكري بالصدفة في بيت بول بولز في منتصف السبعينات عندما زرته بتنسيق مع الراوي الشفاهي محمد المرابط،وكان القصد من هذه الزيارة توجيه عتاب لبولز لأنه لا يهتم في ترجماته لقصص تدور حول الدعارة والمخدرات والجرائم إلا بالذين لا صلة لهم بالكتابة،وأنه لا يهتم بالإبداع الذي يمثل الوجه الحقيقي للأدب المغربي،وقد أحس شكري كأنني كنت أعنيه فقال لي بتوتره الريفي المعهود فيه: لا أسمح لك أن تحشرني أو تصنفني ضمن الذين لا يعرفون قراءة ولا كتابة والذين يتعامل معهم بول بولز،لقد نشرت لي مجلة الآداب البيروتية قصة قصيرة لي وهي مجلة لا تنشر إلا للكتاب الكبار. وشهرة شكري تعود طبعا الى تكسيره لكل ما تعارف عليه من سبقوه من طابوهات جنسية وأخلاقية،ودرايته العميقة بتفاصيل حياة الشرائح الاجتماعية المهمشة التي كان خبيرا بها لأنه منها.
(13)شخصية من الماضي تود لقاءها ولماذا ؟
(13)الشخصية الوحيدة التي أتمنى أن يتجدد لقائي بها وأن تترسخ علاقتي بها أكثر هي شخصية محمد شكري،لأنه جزء من شغبي وتمردي وجنوني،ولأنه أيضا مَعلمة من معالم طنجة التي عشقها شكري حد الافتتان والجنون.
(14) في رأيك ما الذي جعل بعض كتب شكري تمنع .الخبز الحافي مثلا.رغم انه في تراثنا كتابات بجرأة كبيرة كالروض العاطر،الف ليلة وليلة، اشعار ابونواس…..؟
14- لقد طال المنع بعض كتابات شكري مثل” الخبز الحافي ” و ” الخيمة ” للجرأة الصارخة التي وظفها شكري بكثير من العنف والاحتجاج والغضب،وتعريته بجمالية باهرة للبؤس الذي تعيش فيه (الطبقة) المهمشة التي تصارع الحياة من أجل لقمة عيش،وكذا سيطرة الفكر الظلامي الذي يتربص بكل ما هو جميل في الإبداع والخلق والابتكار.
(15) كنت من بين الفعاليات الثقافية والاعلامية التي شاركت في التأثيث لفضاء ات مهرجان ايراراورار بالناظور سنة 1995 والتي عرفت مشاركة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، حيث قدمت الامسية الفنية الختامية بالملعب البلدي اضافة الى تغطية المهرجان على اثير اذاعة طنجة.بماذا تحتفظ في ذاكرتك من تلك الاجواء والفعاليات الناظورية مثل صديقك قيس مرزوق الورياشي ؟
(15)ذكريات لن أنساها أبدا،وأفتح شرفة الذاكرة لاسترجاعها بفرح وانتشاء،عندما قام مجموعة من الشباب بتنظيم مهرجان أبهرني رغم الإمكانيات المحدودة التي رصدت له،وكنت سعيدا بتقديم حفل غنائي لمجموعة ” إثري ” حضره جمهور غفير يعد بالآلاف في ملعب كرة القدم بالناظور،وقمت بتقديم برنامج ليلي مباشر تغطية لهذا المهرجان الكبير على أثير إذاعة طنحة امتد لساعتين كاملتين.
– الورياشي قيس مرزوق من خيرة المشتغلين بعمق ودقة وذكاء في مجال السوسيولوجيا عندنا في المغرب..يشدني إليه تفاؤله وعشقه للحياة ولكل ما هو جميل أو بإمكاننا أن نجعله جميلا..شاءت الصدفة أن يدرس معي في نفس القسم والمستوى بالمدرسة الإدارية بالرباط في موسم 1972/1971..كان بإمكانه أن يستمر لكنه انسحب الى كلية الآداب،بينما انسحبت أنا لأشتغل في ميدان الصحافة بالدار البيضاء إلى جانب الراحل عبد الله ابراهيم.
(16) لك علاقة وطيدة وحميمية بالبحر وتشترك مع مبدعيين آخرين في هذا العشق مثل ارنست هيمنغواي وحنا مينا وصديقنا عبد الحكيم معيوة.من اين جاء هذا الوله وكيف توطدت هذه العلاقة بينكما؟
(16) علاقتي بالبحر بدأت منذ مرحلة مبكرة من طفولتي، عندما كانت الأسرة تقطن بيتا بمحاذاة سور القصبة، يطل مباشرة على الحاجز الوقائي للواجهة الخلفية لميناء طنجة،وأيضا عندما انتقلت الأسرة لتقطن مرتفعَ فضاء مرشان الشاسع، والذي يطل على عدة شواطيء صخرية ورملية من بينها سيدي بوقنادل والحافة وللا جميلة والسنسول ومرقالة إلى حدود الزهاني والكريان..وكنت أجد ملاذي في هذه الفضاءات الساحلية لممارسة السباحة وصيد السمك إلى غاية انتقالي الى الرباط لإكمال دراستي الجامعية في أوائل السبعينات. وبفضل الدراهم التي كنت أحصل عليها عن طريق بيعي للسمك مساء في ساحة السقاية بالمدينة العتيقة كنت أشتري الكتب من مكتبة نصر الله الحريشي رحمه الله بشارع الحرية،لكتاب عرب وعالميين، منهم طه حسين ويحيى حقي وجبران ومحمود تيمور،ويوسف السباعي،ويوسف ادريس،ونجيب محفوظ..الخ.. وما زالت علاقتي بالبحر متجذرة في قلبي ووجداني وأنا في هذه المرحلة المتقدمة من عمري،كما أن الأعمال الروائية والشعرية عن البحر تشدني إليها بعشق وانتشاء،وبالخصوص أعمال هيرمان ميلفيل وجاك لندن وارنست همنغواي..
(17) ماذا كنت ستغير في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
(17)- لو أتيحت لي هذه الفرصة، لتمنيت العودة إلى أحشاء أمي.
(18) اجمل واسوء ذكرى في حياتك؟
(18)- أسوأ ذكرى في حياتي أن أعيش هذه الحالة من الرعب الغامض مع كورونا هههه
أجمل ذكرياتي، تلك التي ترتبط بتجربة الحب الأول التي دخلتُ غمارها وأنا في الخامسة عشر من عمري بكل عنفوان وتجرّد عن كل القيم القمعية الزاجرة،والحديث عنها قد يتطلب مساحة واسعة من التفصيل والجرأة.
(19) كلمة اخيرة او شئ تود الحديث عنه؟
(19) – ليست لدي كلمة أخيرة ما دمتُ بصدد تمحيص ومراجعة لكلمتي الأولى..