صورة قاتمة يرسمها مهاجرون مغاربة عن قنصلية بلدهم بالجنوب الايطالي وبالضبط بقنصلية باليرمو وقنصلية روما. حكايات تتكرر على كل لسان حول سوء الخدمة المقدمة للمرتفقين لهذه المؤسسات الدبلوماسية، أو طريقة معاملتهم والتي تتسم في الغالب بالمماطلة والإهانة،،بحيث تشعر منذ الوهلة الأولى وقبل أن تلمح العلم الوطني على واجهة القنصلية بباليرمو أنك أمام مقر إداري بطابع مغربي… خارج البناية رجال ونساء يسرعون الخطى للدخول. هواجس كثيرة تقض مضاجعهم أولها أن ركن سياراتهم في المواقف العمومية يكلفهم خمس أوروهات للساعة الوحدة، تحت طائلة الغرامة في حال تجاوزها، آخرون تدبروا أكثر من عذر للحصول على ترخيص بالغياب عن العمل لبعض الساعات من أجل انجاز وثيقة إدارية مغربية، قبل العودة لاستئناف العمل في كثير من الحالات دون إنجاز المطلوب.
علامة الدار على باب الدار
بناية القنصلية لم ترق مع ذلك إلى مستوى ما يصبو إليه أفراد الجالية المغربية، وفق ما استقته “الجالية24” من شهادات يؤكد من خلالها المهاجرون المغاربة أن قنصلية بلادهم تفتقد إلى الكثير من المواصفات لتكون في مستوى إدارة حديثة تواكب مستوى الإدارات الايطالية.
تتوزع خدمات ومرافق القنصلية على الطوابق. في الداخل قاعة استقبال ضيقة يجلس في واجهتها الأمامية المفتوحة عدد من الموظفين،وبعد مشقة يمكن لكبار السن والنساء الحوامل الوصول إلى الطابق الأول،وكذالك مرحاض على بابه ورقة صغيرة كتب عليها بالعربية عبارة “معطل”. هكذا يضطر مرتفقو البناية إلى استعمال مرحاض مشترك خلافا لما يفرضه القانون الايطالي من إلزام المحلات التجارية والمؤسسات العمومية بتوفير مرحاضين للوافدين عليها.
“هادوما ماشي بحال النصارى” تقول شابة مغربية مخاطبة أحد أقاربها الذي اتصل بها وهي بالكاد تهم بمغادرة القنصلية. دليلة (اسم مستعار) تبدو غير راضية تماما على مستوى المعاملة الذي لقيته من خلال قسمات وجهها، والسبب كما علمت”الجالية24″ أنها بعدما اضطرت للانتظار مدة طويلة فوجئت بأن وثيقتها التي أتت من أجلها لا يمكنها الحصول عليها إلا في موعد آخر، وهو ما يعني بالنسبة إليها أن الإدارة المغربية ينتفي فيها ما يعهد في الإدارات الايطالية من سرعة وجودة الخدمة المقدمة وحسن التواصل مع المواطن الايطالي أو أي أجنبي مقيم بالبلد.
ينتظر أولئك المهاجرون حلول موعد زيارتهم للقنصلية متسلحين بقدر كبير من الصبر، كما يقول مهاجر آخر وهو يراقب ملامح كل من يغادر البوابة الرئيسية. هناك وقف مغربي يلعن سوء الخدمة بالمقارنة مع ما تقدمه الإدارة الايطالية من تسهيلات وحسن استقبال.
بعد وقت قصير، يخرج شيخ بلحية بيضاء وبرفقته ابنته. يستجمع هدا المهاجر أنفاسه ليعبر عن سخطه عن واقع القنصلية، التي يقول إنها تبقى بعيدة كل البعد عن مستوى الإدارات الايطالية،رغم أنها توجد فوق التراب الايطالي، “لقد لجأت للمناورة لأحصل على ترخيص من مسؤول الشركة التي أعمل بها، وها أنذا أعود دون أن أنجز الوثيقة التي تخص ابنتي”، وذلك راجع في نظره، للمماطلة والتسويف الذي يلقاه المهاجرون من لدن الموظفين.
الإدارة المغربية تزيد معاناة المهاجر
ومن جهة أخرى، أعرب بعض أفراد الجالية المغربية المقيمين بالديار الإيطالية لـ “الجالية24» عن استيائهم وتذمرهم من خدمات القنصلية المغربية باليرمو، وهي خدمات دون المستوى المطلوب تطبعها البيروقراطية وضعف أداء الموظفين، الذين لا يتوانى بعضهم عن تعطيل مصالح المهاجرين بسبب أو بدونه، ناهيك عن غياب مكاتب للاستقبال مخصصة لتلقي شكاياتهم وطرح مشاكلهم وقضاياهم.
ومن جملة ما يعانيه أفراد الجالية المغربية بإيطاليا، حسب تصريحات بعضهم، ممن التقت بهم “الجالية24″، تأخر مصالح هذه القنصلية في إنجاز مساطر الحصول على جوازات السفر التي تستغرق وقتا طويلا. ويضيف أحد المهاجرين أن هذا التأخير يصل أحيانا إلى أشهر عدة، مع ما تتطلبه مثل هذه العمليات من تنقلات متكررة وتكاليف باهظة تثقل كاهل المهاجرين، سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، الأمر الذي لا يتماشى مع وتوجيهات الملك محمد السادس القائمة على الحكامة الجيدة وتخليق الإدارة المغربية وتقريبها من المواطنين، وجعلها في خدمتهم، انطلاقا من إيجاد الحلول الناجعة والعاجلة لمشاكلهم، خاصة تلك المرتبطة بالوثائق الإدارية والهوية المغربية، تعزيزا وتقوية للروابط فيما بينهم وبين بلدهم الأصلي. وأكد عدد من أفراد الجالية المغربية المقيمة بباليرمو وروما، الذين التقت بهم “الجالية24″، أن مطالبهم بسيطة ولا تحتاج إلى إمكانيات ضخمة لتحقيقها، وتتجلى في تسهيل المساطر الإدارية في قنصليات المملكة، وإجبار الموظفين على خدمة المهاجرين وقضاء مصالحهم،. ويطالب أفراد الجالية من الجهات المعنية بتخصيص مكاتب خاصة للمهاجرين في المغرب لتسهيل حصولهم على الوثائق الإدارية المطلوبة، كما أضافوا أن آليات التواصل بين المسؤولين عن الجالية بإيطاليا والمهاجرين، تكاد تكون شبه منعدمة بقنصليتي “باليرمو وروما”. وفي ظل هذه الأوضاع، تطالب الجالية المغربية بإيطاليا، الوزير المكلف بالجالية المغربية ووزير الخارجية والتعاون بالتدخل العاجل لرفع المعاناة والظلم الذي يتعرض إليه أبناؤها.</span>
وفي اتصال أجرته الجالية24،مع القنصل العام للمملكة المغربية بمدينة باليرمو،من أجل معرفة حقيقة ما يتداولونه المهاجرين المغاربة،عن معاناتهم مع القنصلية،إلا أن هذا الأخير يظل هاتفه يرن دون مجيب،مما يطرح علامة استفهام حول الساهرين على مصالح الجالية.
وزير الخارجية والتعاون يدعو القناصلة الجدد على التواصل مع الجالية
كما دعا وزير الخارجية والتعاون،أخيرا، القناصلة الجدد،ببذل المزيد من الجهد من أجل إعطاء منصب القنصل العام للمملكة المكانة التي يستحقها، وذلك بإخراجه من الصورة النمطية التي كانت تحصر وظيفته في حدود العمل الإداري الروتيني ونفض الغبار عن مهامه التقليدية نحو اضطلاعه بأدوار جديدة تروم انفتاح العمل القنصلي على محيطه الاقتصادي والثقافي، خاصة عبر التواصل مع الجالية وإيجاد حلول للمشاكل التي تتخبط فيها بأرض المهجر، مع رفع وتيرة الأداء على مستوى نسج علاقات مع عوالم السياسة والاقتصاد بالدوائر التي يزاول القناصلة مهامهم فيها ببلدان الاستقبال. كما دعا مزوار القناصلة الجدد إلى وضع مخططات عمل بأهداف واضحة تركز على البعد الاقتصادي عبر جلب الاستثمارات إلى المغرب من خلال نسج علاقات قوية مع الفاعلين الاقتصاديين، مشددا على أهمية الدفاع عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة من خلال التعريف بمشروع الحكم الذاتي باعتباره الحل الأمثل لهذا النزاع المفتعل وإقناع مكونات المجتمع المدني وبرلمانات دول الاستقبال بوجاهته ومصداقيته.
كما اعتبر وزير الخارجية أن إصلاح العمل القنصلي سيأخذ مساره الطبيعي من خلال تحسين ظروف الاستقبال بالقنصليات والمساطر الإدارية ووسائل العمل.