وعرفت الجلسة الافتتاحية التي ترأسها الدكتور مصطفى المرابط، مكلف بمهمة بجلس الجالية المغربية بالخارج مداخلة كل من الأمين العام للمجلس، عبد الله بوصوف، ووزير الثقافة والاتصال، محمد الأعرج، ومدير مؤسسة البيت العربي بمدريد، بيدرو مارتينيث آبيال.
بوصوف : الأمة المغربية توافقت على ثقافة متعدد وعالمية
وخلال مداخلته في هذه الجلسة الافتتاحية سلط الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، الضوء على عالمية الثقافة المغربية منذ القدم، وكذا على قدرة الإنسان المغربي على استيعاب الثقافات الأخرى وتخصيبها انطلاقا من ثقافته المتعددة، مؤكدا تعالي الشخصية الثقافية المغربية عن الزمان والمكان والسياسية وعن الجغرافيا وهذا ما ساهم في استمراريتها من نتحية العطاء. « الثقافة المغربية تكونت عبر مراحل وتوافقت عليها الأمة المغربية بديانتها واثنياتها ولغاتها المتعددة، وهذا التنوع هو من يسهل لها استيعاب الأخر والتأثير فيه » يضيف.
وذكر المؤرخ بوصوف كمثال عن هذا الحضور العالمي، وجود حوالي مليون شخص في السودان من أصل مغربي، يحافظون إلى حد الساعة على أصولهم الثقافية المغربية، وأيضا بعضا من سكان الدول الإفريقية، وهم من ذوي البشرة السوداء الذين يحملون أسماء عائلات مغربية. وأشار إلى كون استكشافات الرحالة المغاربة على مر التاريخ، جعلت العالم يتعرف على ثقافات جديدة خاصة الثقافات شرق آسيا التي كانت مجهولة بالنسبة للشطر الغربي للعالم.
وأكد الأمين العام للمجلس، أن الشخصية المغربية كما هو منصوص عليها في ديباجة الدستور، شخصية أمازيغية عربية صحراوية، مسلمة ويهودية مع ترسبات مسيحية، دخلت عليها تأثيرات أندلسية ومتوسطية. وأضاف أن هذه الديباجة لم توضع من باب تنميق الكلمات ولكنها تعكس واقعا تاريخيا حقيقيا عاشه المغرب.
وبعد أن أشار إلى بعض المظاهر الدخيلة على الثقافة المغربية والتي تؤثر سلبا في المجتمع وفي صورة المغرب، شدد بوصوف على أن هذه العناصر الدخيلة على الثقافة المغربية ليست مهيمنة وأن المبادئ الكبرى للإنسان المغربي تتجلى في كونه وسطيا معتدلا ومتسامحا ويحترم الآخرين، مما يجعل العالم اليوم في حاجة إلى الاستفادة من الاعتدال والوسطية اللذان يطبعان الشخصية المغربية في مواجهة التشنجات الهوياتية الكبرى التي تعترضه بسبب انتشار خطابات الكراهية والعدوانية والإرهاب.
ولم تفت بوصوف الإشارة إلى أن تورط بعض الشباب في العمليات الإرهابية راجع إلى افتقادهم لهويتهم الثقافية المغربية، وهو الأمر الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار قبل تصدير الإنتاج الثقافي للمغاربة المقيمين بالخارج، بسبب اختلاف السياقات الاجتماعية والسياسية التي يعيشون داخلها.
وفي سياق الحديث عن إسهامات مغاربة العالم في إغناء المشهد الثقافي المغربي وراء الحدود، قال بوصوف إنهم يساهمون بإمكانات ذاتية في التعريف بالثقافة المغربية داخل بلدان إقامتهم، مضيفا أن كثيرا من الكتاب من الجيل الثالث لمغاربة العالم يكتبون اليوم بلغات بلدان إقامتهم، إلا أنهم يستوحون مضامين هذه الكتابات من الموروث الثقافي لبلدهم الأصلي، مشيرا إلى وقوف المجلس إلى جانبهم من خلال نشر وترجمة جزء من هذه الكتابات، ليتعرف عليها القارئ المغربي.
وختم بوصوف مداخلته بالتنويه بالمجهودات التي تقوم بها وزارة الثقافة والاتصال ومساهمتها إلى جانب المجلس في التعريف بالثقافة المغربية في صفوف مغاربة العالم، مؤكدا ضرورة الجمع بين المجهودات المختلفة في المجال الثقافي الموزعة بين القطاعات في شكل وكالة ثقافية تروج للنموذج المغربي وترقى به إلى مستوى الفعالية.
محمد الأعرج: سنشتغل مع مجلس الجالية لتعزيز حضور الثقافة المغربية في الخارج
من جانبه، عبر وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج في مداخلته عن الأهمية التي يكتسيها المعرض الدولي للنشر والكتاب باعتباره تظاهرة دولية ومساحة للنقاش الثقافي الحر والمستفيض، ونوه بدوره بمشاركة مجلس الجالية المغربية بالخارج في هذه التظاهرة من خلال برنامجه الثقافي والذي يطرح فيه موضوع حضور الثقافة المغربية وراء الحدود، مبرزا أن هذا الموضوع يسائل جميع الفاعلين؛ الحكوميين والسياسيين ومكونات المجتمع المدني والجالية المغربية بالخارج، وأن العمل على تعزيز حضور الثقافة المغربية في الخارج هو المبتغى الذي يتطلب مقاربة تشاركية من أجل تحقيقه.
كما أكد لعرج أن الموقع الاستراتيجي للمغرب وعمقه التاريخي والحضاري جعلاه بلدا غنيا ثقافيا، ومن مسؤولية الفاعلين العمل على تسويق هذا الغنى والتعدد الثقافي عبر العالم.، وذكر في هذ الإطار بمختلف المعارض والفعاليات التي شاركت فيها الوزارة بمختلف البلدان، معتبرا أن المغرب من خلال المشاركة بهذه المحافل، فهو يدرك أهمية الإشعاع الثقافي.
واستطرد وزير الثقافة والاتصال بالقول إن الإشعاع الثقافي وحده غير كاف، وينبغي تعزيزه بآليتين اثنتين، هما الإنتاج الثقافي والصناعة الثقافية، معتبرا أن الوزارة تحاول تدارك إشكالية الإنتاج الثقافي من خلال إعادة إصدار بعض المجلات الثقافية المتوقفة، وأيضا تأطير الانتاج الثقافي الوطني وتعزيز حضور المغرب في المحافل الثقافية الدولية.
وعبر الأعرج عن رغبة الوزارة في الاشتغال وفق مقاربة تشاركية مع مجلس الجالية الغربية بالخارج كمؤسسة دستورية من أجل تقوية اقتصاد المعرفة، والعمل معها على تصدير الصناعة الثقافية المغربية للخارج وتسهيل ولوجها إلى مختل فالبلدان التي يتواجد فيها المغاربة.
بيدرو أفيال يبرز الموروث الثقافي المشترك بين المغرب وإسبانيا
في مداخلته خلال هذه الجلسة قدم بيدرو أفيال نبذة عن مؤسسة البيت العربي التي يشرف على إدارتها وهي مؤسسة ثقافية تابعة لوزارة الخارجية الإسبانية تهدف إلى فتح نافذة إسبانية على العالم العربي وفتح نافذة عربية على إسبانيا، وتعزيز العلاقة مع العالم العربي وخصوصا مع المغرب الذي يحتل صدارة الدول العربية الأكثر أهمية بالنسبة لإسبانيا وبالنسبة للبيت العربي.
وعن أهمية العلاقة بين إسبانيا والمغرب أكد بيدرة سانشيث أن البلدان يتشاركان في التاريخ وفي الاقتصاد وفي قضايا الهجرة والأمن وبالتالي فإن استقرار إسبانيا من استقرار المغرب، ولا خيار للبلدين الجارين غير العيش المشترك وتطوير العلاقات، داعيا في هذا الإطار إلى تعميق العمل الثقافي بين البلدين بالنظر لنقاط التشابع الكثيرة، وتسليط مزيد من الضوء على هذا التقارب الثقافي والتشارك في الثراث وفي الموسيقى وفي نمط الحياة.
كما نوه مدير مؤسسة البيت العربي انطلاقا من تجربته الدبلوماسية الطويلة، بعمل مجلس الجالية المغربية بالخارج في حفظ الارتباط الثقافي للمغاربة في إسبانيا، مشددا على أن المواطنين المغاربة في إسبانيا هم إسبان أيضا وبالتالي فإن ثروتهم الثقافية تساهم في إثراء الثقافة الإسبانية أيضا.
وأضاف نفس المتحدث بأنه على المجلس العمل على تقريب الثقافة المغربية للإسبان لأن الثقافة تسهل عملية التعارف، وتساعد على تقريب وجهات النظر وتجاوز الصور النمطية، « لدينا تاريخ طويل مشترك ولا يمكن تقزيمه في الفترة الاستعمارية التي تبقى ضعيفة جدا مقارنة مع الوجود الاسلامي في الأندلس الذي استمر لثماني قرون » يضيف.