في رحلة شاقة و متعبة الى المغرب دامت ثلاثة ايام و نصف قضيتها بين طنجة تطوان و الجبهة و الحسيمة، لاحظت فيها العجب المتعجب.
لم اتكلم هنا عن الاجواء الحميمية التي جمعتني بعائلتي و بأصدقائي و رفاقي في هذه المدن الجميلة التي ذكرتها و خاصة في مدينة الحسيمة جوهرة البحر المتوسط التي قدمت فيها كتابي حول “انتفاضة 58/59 كما رواها لي أبي”، و التي كانت مناسبة لتأكيد بعض المواقف و العزم لمواصلة النضال حتى تتبين الحقيقة كل الحقيقة حول ماسي اهل المنطقة من سياسات التقتيل ليس تلك التي نهجها النظام ابان انتفاضة 58/59 فحسب، بل ايضا تلك التي ادت الى تصفية عشرات من شباب المنطقة ابان انتفاضة 1984، و احراق شهداء حركة 20 فبراير الخمس في وكالة للبنك الشعبي بالحسيمة و اغتيال الشهيد كمال الحساني ببني بوعياش، و اخيرا قتل المواطن كريم لشقر في ظروف تكشف مرة اخرى استمرار التعجرف و التصرفات اللا مسئولة والمخجلة لبعض المحسوبين على “رجال الأمن” مع سكان تلك المنطقة العزيزة.
بل سأتكلم هنا على تفاصيل بعض الشكاوي التي تلقيتها من معانات مغاربة العالم و خاصة منهم الجيل الاول الذي يقضي معظم اوقاته في المغرب و يقاسى من عذابات الادارة و المحاكم المغربية.
بمجرد سماعهم انني في المغرب زار منزلنا اربعة اشخاص من مغاربة الخارج (اثنين منهم لم يسبق لي ان تعرفت او سمعت عليهم من قبل). الاول عامل متقاعد في المانيا من اصل بقيوة/ اقليم الحسيمة و ثلاثة اخرين من اصل يطفتي كلهم مسنون من مغاربة الخارج يعانون اليوم الويلات مع العدالة و السلطات المغربية.
هؤلاء زاروني لأنهم يريدون الدعم و النصح و التوجيه و التاطير. يسمعون عني كحقوقي بالخارج و يعتقدون انني قادر على حل كل مشاكلهم المتفاقمة … او “التدخل” لهم و يجهلون ان المناضلين الحقوقيين المغاربة ايديهم قصيرة بالرغم من قدرتهم من تبني بعض الملفات و الوقوف مع المظلومين وفق امكانياتهم المتواضعة و قناعاتهم الراسخة.
نوعية المشاكل او الشكاوي
الأول، مهاجر مغربي متقاعد في مدينة كولن بالمانيا من اصول بقيوية له منزل بحي ادريسية بطنجة، يشتكي كون انه فعل الخير حيث منح جزءا من “كاراجه” لأحد الضعفاء ليستغله في بيع “السفنج”. و اذا بهذا الاخير يكسر حائط الجزء الثاني من الكراج ليستغله كاملا و بعد عودة صاحب المحل من الخارج، احتج عليه و طالبه بالمغادرة. المشتكى منه رفض مغادرة المحل و طالبه ب 5 ملايين فرنك لكي يخرج.
المهاجر قيد دعوة قضائية و نصب محاميا للدفاع عنه و عاد الى المانيا و بعد ستة اشهر عاد الى المغرب ليجد مستغل المحل باع المفتاح الى اخيه بوثائق مزورة و بعد سنتين مرت و هو يجري في المحاكم و المحامي يطالب باتعابه دون ان يفعل شيئا. و يطالب بحل مشكلته و انه مستعد دفع الاموال لأي محامي شرط انصافه و التوصل الى نتيجة.
الشخصان الثاني و الثالث: من عائلة واحدة، و هما مهاجران سابقان بالولايات المتحدة الامريكية و هما من اصول يطفتية ايضا. يشتكيان من كون في اطار توسيع “طريق الرباط” (المدخل الرئيسي لطنجة من جهة اصيلا). اتصلت بهما السلطات و طلبتهم بالتخلي على ثلاثة متر من منزلهم و قبلوا المقترح مادام يدخل في المصلحة العامة، شرط تعويضهم و هذا ما تم فعلا اذ توصلا برسالة مكتوبة موقعة من رئيس جهة طنجة، يؤكد لهم حقهم في التعويض في ثلاثة متر. لكن بمجرد وصول الجرافات بدؤوا يهدمون الحائط ليس على بعد 3 متر، بل ارادوا تهديم ثمانية ( 8 ) مترا، مما جعلهما يحتجان و بقوة على هذا القرار المنافي للاتفاق الحاصل مع السلطات. و الان يتنقلان طيلة اليوم من الصباح الباكر الى الساعات المتأخرة من الليل بحثا عن جهة ما قادرة على انصافهما. لأنهما لا يتقبلان انهما قضيا طوال حياتهم و هم مهاجران من اجل بناء منزل محترم و الان بجرة قلم و بقرارات طائشة يكذب عليهم، و يهدم منزلهم على رؤوسهم بالقوة.
الشخص الرابع:هو ايضا من اصل يطفتي و يسمى “م. الميموني”، قضى طوال حياته في جبل طارق و بنى منزلا في طنجة. و ذات يوم (في عيد الصغير الماضي على حد تعبيره)، وصلت الجرافات و شرعت في تحطيم سطح منزله فوق رؤوس اولاده. و عندما هاتفته زوجه، جاء و احتج بشدة و اتجه الى مستشار في الجماعة. و عند تدخل المستشار المتصل به، و اتصاله بالقائد، اعتذر هذا الاخير و قال بان “هدم منزله كان عن طريق الخطأ؟؟؟”
توجه السيد الميموني الى العدالة لكنه منذ سنة كاملة لا احد انصفه و لا احد عوضه عن المخاسير التي الحقت بمنزله “عن طريق الخطأ” الذي اعترف به القائد.
السيد الميموني الشخص الوحيد الذي من بين الاربعة قال انه مستعد لنشر ما وقع له للصحافة في حين يفضل الاخرين ايجاد حلول لمشاكلهم دون ضجة.
احلت الاربعة على محامي منتدى حقوق الانسان لشمال المغرب بطنجة، الاستاذ انوار بلوقي لإعطاء لهم استشارة قانونية و هذا ما بوسعي فعله الان هو كتابة هذا المقال و توجيه هؤلاء الضحايا من ألمهاجرين. و مع ذلك استنجت من خلال الام الناس و مشاكلهم مدى معاناتهم الحقيقية مع السلطات المغربية وهي كثيرة و كبيرة . و ان صعوبات الحقوقيين المغاربة اصبحت اكبر و اعظم بالنظر الى انتشار الفساد و الزبونية و التدخلات من اعلى مستوى.
فالمخزن يريد ان تلعب لعبته و ان تتصل بهذا و ذاك و تدفع الرشاوي الى هذا و ذاك. و الناس للأسف يطالبونك بفعل نفس الشيء او فعل اي شيء لحل مشاكلهم و اخراجهم من دهاليز المحاكم و وضع حد لمعاناتهم……. اما الحقوقيون الشرفاء فعليهم الصمود و الدفاع عن دولة الحق و القانون و محاسبة المعتدين و المجرمين كيفما كان نوعهم و مكانتهم.
اعترف بان مهام المناضلين الحقوقيين اضحت صعبة جدا في المغرب لان الامر يتجاوز البيانات التنديدية او الوقفات ألاحتجاجية، و ان الامر يتطلب كيف اخراج الناس من وحل الفساد الاداري و السياسي………… و اقول لرفاقي في منتدى حقوق الانسان لشمال المغرب و باقي الجمعيات الحقوقية المغربية “الله ايكون في عونكم……و في عون كل العاشقين للحرية و الديمقراطية و ألكرامة