بروفايل.. زاوية بموقع يورونيوز عربي، تسلط الضوء على شخصيات عربية أو مسلمة أو غيرها تقيم في أوروبا و بشكل خاص في بلجيكا. عبر هذا الركن سنحاول كشف ما يحدثه أفراد الجاليات الأجنبية من تأثير في أوروبا على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها. هذه الزاوية تهتم أيضا بالهيئات والمؤسسات أو المراكز ومنظمات المجتمع المدني التي تعنى بالشؤون العربية أو ما يتعلق بالشرق الأوسط وكيف تسهم برؤاها و تطلعاتها في أن تكون قيمة مضافة في أوروبا عبر الاهتمام بالجوانب الإيجابية لما يمكن أن تقدمه الجاليات المقيمة ببلجيكا للمجتمع الأوروبي.
عيسى بوقانون-يورونيوز-بروكسل
نستضيف اليوم، صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا والرئيس السابق للهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا ونائب رئيسها الحالي.وسألناه عن رؤيته في تسيير الشان الديني في بلجيكا واستراتيجيته لمحاربة الصور النمطية عن الإسلام و المسلمين.وتعتبرالهيئة التنفيذية الجهة المعترف بها من السلطات الحكومية البلجيكية و التي ترعى شؤون المسلمين في البلاد.
صالح الشلاوي من مواليد الدار اليضاء وجاء إلى بروكسل في العام 1987 وتدرج في مناصب عديدة في التعليم بوزارة التربية الوطنية إلى أن أصبح مفتشا عاما للتعليم الإسلامي في المنطقة الناطقة بالفرنسية بوزارة التربية البلجيكية.
سألنا صالح الشلاوي عن توجهه الفكري الإسلامي في تسيير الشأن الديني في بلجيكا.
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“إن تجمع مسلمي بلجيكا يضم جمعيات من أصل مغربي و إفريقي تتقاسم في ما بينها ثوابت دينية مشتركة ومساجد. وتوليت رئاسة الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا على المستوى الفديرالي المهمة التي أتممتها خلال 2018. حيث إن ما اتفق عليه أن تكون ثمة رئاسة دورية ما بين الجاليتين من أصول مغربية و تركية ويتولى الرئاسة اليوم بلجيكي من أصول تركية وهو- محمد استيون المشرف السابق على التعليم الإسلامي في مقاطعة إنتورب شمال البلاد، ورئيس مسجد السلطان أحمد في مقاطعة ليمبورغ الفلامنية-..ولا زلت نائب رئيس الهيئة و رئيس المجموعة الفرانكفونية داخل الهيئة التنفيذية في بلجيكا.
توجهنا الفكري يعتمد على المنهج الوسطي فندرك أن الإسلام تم الاعتراف به كدين في بلجيكا في 1974. وهذا الاعتراف كانت له تبعات كما له واجبات مفروضة فضلا عن حقوق اخرى أيضا.المسلمون هنا هم مواطنون من الدرجة الأولى وهم مواطنون بلجيكيون و ليسوا بأجانب . حتى وإن كان بعض عناصر الجالية المسلمة في بلجيكا يحمل الجنسية الأجنبية” .
سألنا السيد الشلاوي عن عدد المسلمين من المواطنين و المقيمين في بلجيكا؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“ليس هناك تحديد دقيق لعدد المسلمين في بلجيكا. ولكن حسب الدراسات العلمية التي أنجزتها بعض الجامعات كجامعة بروكسل الحرة وجامعة غان، فإن عدد المسلمين يناهز 800 ألف .وهم يشكلون مختلف الجاليات وأغلبهم من المغرب و من تركيا أيضا فضلا عن جنسيات أخرى من البلقان ودول آسيا وغير ذلك.
تحدثنا مع الأستاذ الشلاوي عن السبل المنطلقات التأسيسية التي تسمح للجالية المسلمة ببلجيكا بممارسة تعاليم دينها في ظل تنامي الخطاب الشعبوي المناهض للمسلمين في أوروبا وفي بلجيكا بشكل خاص.-إثر وقوع تفجيرات بروكسل في مارس (آذار) 2016 والتي تورط فيها أشخاص من أبناء الجالية المسلمة في بلجيكا حيث تتخوف الجالية المسلمة من انعكاسات الهجمات الإرهابية التي ضربت أوروبا وتخشى الخلط بين المسلمين والمتشددين”
وسألناه أنت من دعاة إسلام وسطي ومعتدل في بلجيكا. ما هي استرتيجيتكم لتحقيق هذا المشروع الكبير في المساجد مثلا؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“لدينا قناعة أن للإسلام مكانته داخل المجتمع البلجيكي واعتراف الدولة البلجيكية به هو دليل على أن السلطات الرسمية تولي هذا الدين ثقة كبيرة وفي كون المسلمين يمثلون قيمة إضافية داخل المجتمع و بإمكانهم أن يساهموا في بناء مجتمع يروج للسلم و التعايش معا و الحوار والتواصل ما بين بني البشرومختلف المعتقدات هذه هي قناعتهم. وكون إنسان يتشبث بدين معين فهذا لا يتعارض مع أسباب التطور والحضارة و التقدم و القوانين الكونية المشتركة. فعلى العكس من ذلك فإن للإسلام القدرة على أن يعطي ما أعطاه في فترة ما يقارب القرون الوسطى لدى الأوروبيين. لكن الهدف ليس هو العودة إلى هذه العصور. ولكن نقول ما دام الحقبة الإسلامية استطاعت أن تنتج الفارابي و ابن سيناء وابن رشد فهي قادرة على أن تنتج في عصرنا الحالي مثل أولئك..ومن يضاهيهم ”
وسألنا ضيفنا بما أنك تدعو لإسلام وسطي ..ما موقفكم من ارتداء النقاب في الأماكن العامة؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“توجد ثمة قيم مشتركة علينا نحن المسلمين أن نتعاون من أجل تحقيقها. ولا بد أن نفصل ما بين البعد الروحي للدين وما بين البعد الاجتماعي بمعنى كيف نعيش الدين ونمارسه داخل المجتمع. نحن نعيش داخل بلد حسم أمره في ما يتعلق بالدين و السياسة وعلاقة الدين بالأمور التدبيرية داخل المجتمع. لا بد للمسلمين أن يفهموا هذا الأمر. نحن جزء من هذا المجتمع البلجيكي ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان نعيد عقارب الساعة إلى الوراء. وليس من حقنا أن نقول للمجتمع الأوروبي والغربي بشكل عام إننا نطمح إلى نعود بكم إلى تصور آخر. لا بد علينا أن ننخرط في هذا المجتمع. هناك قيم مشتركة. ونحن نتقاسم مساحة مشتركة وهي ما تسمى بالمساحة العمومية، هذه المساحة العمومية ينبغي التفاوض بشان كيفية أن يشغل الجميع حيزا فيها و بداخلها حيث لا نصدم الآخر وتصوراته ولا نخدش معتقداته.
“المشكلة التي تعيش داخل بعض المسلمين أنهم يريدون ممارسة الشعائر الدينية الإسلامية بانفصال عن الواقع المعيش. يعيشون الإسلام و تطبيقاته بنظرية وعبر رؤى نستقطبها من دول إسلامية وشرق أوسطية بطبيعة الحال هنالك ضرورة للتفاوض مع المجتمع الغربي والمسؤولين داخل ذلك المجتمع وحكمائهم أيضا من أجل تقنين حدود ما يسمح به بشان الممارسات الدينية. ماهي الامور التي يمكن ان تسبب إزعاجا للمجتمع وما هي الامور التي من شأنها أن تبعث الطمأنينة داخل المجتمع؟”.
“لا يمكن ان نتصور نحن كمسلمين رؤية نساء بالنقاب في الشوارع البلجيكية حيث يشق على من يهمه الأمر معرفة من يرتدي النقاب رجلا كان أم امرأة؟ وبخاصة في ظل ظروف أمنية معقدة و في ظل تنامي العمليات الإرهابية التي أصبحت تضرب العالم برمته. فنحن نعتبر النقاب ليس من الدين في شيء بقدر ما هو يدخل في نطاق التقاليد وثقافات قادمة من مجتمعات أخرى. أما الدين فهو أكثر انفتاحا من تلك العادات”.
وقلنا للسيد صالح الشلاوي إثر وقوع تفجيرات بروكسل في مارس (آذار) 2016 والتي تورط فيها أشخاص من أبناء الجالية المسلمة في بلجيكا.
تداعت الاتهامات صوب مسجد بروكسل الكبير بأنه كان نواة للتطرف .ما الذي دعا الحكومة البلجيكية بالضبط إلى سحب إدارة المسجد الكبير في بروكسل من السعودية الذي كانت تشرف عليه منذ أمد بعيد؟.
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“تنبغي العودة إلى مسألة اعتراف الدولة البلجيكية بالإسلام سنة 1974. عندما اعترفت بلجيكا بالدين الإسلامي فهي سلّمت تسييره الإداري إلى المركز الإسلامي حينها، و المعروف الآن بالمسجد الكبيرببروكسل. وكان هذا المسجد تحت إشراف لجنة إدارية مكونة من ممثلي الدول الإسلامية والعربية .يمكن القول إنه من 1974 وحتى 1986 لم يعرف المسجد توجها سلفيا ولا راديكاليا متطرفا باعتبار أن الأساتذة ممن كانوا يحاضرون كانوا يستقدمون من الأزهر بمصر و من الزيتونة بتونس.ا.
وسألنا صالح الشلاوي بشان اللغة التي تلقى بها خطب الجمعة والأعياد؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
كانت الخطب تلقى باللغة العربية
وسألنا ضيفنا إذا ما كانت الهيئات الإسلامية تفكر في أن تحرر الخطب بلغات غير العربية، أي بالفرنسية او غيرها من لغات بلجيكا؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“هذه التهم المتعلقة باحتضان المركز الإسلامي للإرهاب ينبغي أن أرد عليها .هذه تهم ينبغي التدقيق بشأنها فنحن لا نملك المعلومات التي تمتلكها الجهات الأمنية المختصة. يقال إن بعض الشباب مر عبر المركز و توجه إلى الجهاد في سوريا. كما أن هناك شبابا مروا من خلال مساجد أخرى. لكن الشيء المؤكد هو أنه يوجد فعلا خطاب سلفي تقليدي تنامى في إطار المسجد الكبير أو المركز كان يجعل من العيش المشترك مسالة صعبة للغاية. فاللجنة البرلمانية التي قامت بالتحقيقات حول العمليات الإرهابية التي ضربت بروكسل في 2016، أشارت بأصابع الاتهام إلى المركز الإسلامي وإلى جهات أخرى أيضا. وخلص التقرير إلى أن العمل الذي يقوم به المسجد لا يؤدي إلى إسلام أوروبي أو بلجيكي او لنقل إلى إسلام متجانس مع القيم المشتركة
هل تعتقدون أن الخطاب الديني في المساجد هو سبب في تطرف الشباب؟ هل ثمة مراقبة على محتوى الخطب في المساجد من قبل الهيئات الدينية أو الحكومية حتى؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“الأمر لا يتعلق فقط بتغيير الخطاب الديني أوخطبة الجمعة، بقدر ما يشمل في إعادة النظر في الخطاب الديني الإسلامي برمته .لابد من بناء منظومة فكرية متجانسة مع المجتمعات الأوروبية و الغربية دون قطيعة مع تاريخنا وأصولنا ومعتقداتنا وأفكارنا باعتبارنا مرتبطين بالدين الإسلامي. ينبغي إعادة النظر في شكل التدين الذي نريد العيش وفقه داخل المجتمعات الغربية. الأمر لا يتعلق بالمركز الإسلامي فقط بل بالخطاب الديني إجمالا عند المفكرين و الخطباء و الأئمة.
ومن بين مشاريعنا التي نطمح إلى تحقيقها ابتداء من السنة الأكاديمية المقبلة إنشاء معهد لتكوين الأئمة. نريد في المستقبل أن يتخرج الأئمة من هذا المعهد الموجود ببلجيكا. قضية اللغة مسألة أساسية ..فقد قمنا بتكوين الأئمة باللغة الفلامنية و الفرنسية وهذا التكوين مستمر لكن ما أقصده بمعهد تكوين الائمة هو معهد لتخريج الأئمة فالشان يشمل اللغة و العلوم الدينية والشرعية أيضا ويتم ذلك بالتعاون مع الجامعات البلجيكية في ما يتعلق بالعلوم الإنسانية”
وسألنا صالح الشلاوي، هل إن الأئمة سوف يتلقون تكوينا بالخارج ؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
يمكن أن يكون تعاون ما بين جامعات ومعاهد إسلامية، لها باع في مجالات التكوين الخاص بالأئمة في دول لها جاليات كبرى حاضرة ببلجيكا يمكن أن نفكر في المغرب أو تركيا. وهذا لا يعني تدخل تلك الدول، بقدر ما نحن نتكلم هنا عن شراكة مع مؤسسات علمية وأكاديمية و ليس مع الحكومات لأن بلجيكا ترفض تدخل دول أجنبية في تسييرأمورالدين داخل البلاد.
هل لديكم رؤية خاصة لإسلام بلجيكي؟
صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا
“حتى لا يحرف كلامنا أو يتم إخراج كلمات عن سياقها هناك إسلام واحد. ذلك الإسلام الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وموجود في القرآن. غير أن طريقة ممارسة الدين وفهمه فقد عرف الشأن أشكالا متعددة وعندما تتجول داخل البلدان الإسلامية تجد أن من يعيشون الإسلام في المغرب يختلفون عن أولئك الذين يعيشونه في باكستان او تركيا .
الواقع و العرف و تاريخ المجتمع له تأثير على أشكال التدين فعندما نتحدث عن إسلام بلجيكي أو إسلام أوروبي يعني أن يكون ثمة إسلام يأخذ بعين الاعتبار تاريخ تلك البلدان وثقافتها و قيمها حتى يكون دينا فاعلا و له قيمة مضافة في بناء هذا المجتمع.. مجتمع السلم”.