عبد الله بوصوف
قــاومْ دمـوعـك كيـفما تـشـاء، اكبـحْ عـواطف إنسانـيتـك كيـفما تـشـاء…ـليس عيـبـا أن تُـجهـر بـدموعـك وأنت تُـشاهـد الـممثل الكبيـر دانـزيــل واشنطـن مُـتقمصا لـدور سْـتيفان بـانتـو بيكُـو، الحقـوقي الكبير والمُـنظر المثقـف من جنوب إفريقـيا في فـيلم “صرخة الحرية”، والـذي لـقي حتفـه في ظـروف غامضة بمخفـر الـشرطـة رقـم 619 في شتـنبـر 1977…!
…مشاهـد الـقتل والـدمار والاغتيال وعاصفة رصاص فـوق رؤوس أطفال جنـوب إفريقيـا، من أجل رفـع مظاهـر العنصرية والعيش الكريــم، مـن أجل رفـع مظاهــر الأبـارتـايـْـد (الفصل العنصري)…!
الـيـوم، وبعـد مـضي أكثـر مـن عشريـن سنـة على نهايـة الأبارتايــد، هـل تعيش جنوب إفـريقيا كـل مظاهــر العـدالـة والتـوزيع العادل لثـروات بـلـد تعـج أحشـاؤه بثــروات طبيعيـة هائـلـة..؟ هــل تقـلصت الـفوارق الاجتماعية بين البيض والـسود من سكـان جنـوب إفـريقيـا…؟ وهـل تحققـت كل أحلام مانـديـلا وستيـف بيـكــو وغيرهم من مناضلي المؤتمر الوطني….؟
عنـدما أقـال رئيس جنوب إفريقـيا جاكوب زوما (74 سنة) السيد بْـرافـان غُـوردْهـان، وزير المالية في حكومته يــوم 31 مارس 2017، وعوضه بوزير الداخلية السيد مالوسي غيغابا، عـرى عن آخـر شجرة كانت تُـخفي الغابــة…!
فـالرئيس جاكوب زوما ومنذ وصوله لـرئاسة جنوب إفريقيا سنة 2009 خـلفـا للرئيس مْبيــكي، لم يكـن فــألا حسنا على شعـب جنوب إفريقيا الــذي عانى من ويـلات العنصرية، وعانى مناضلوه كل أنواع التعذيب والاغتيال والسجن والمنفى…رغم أن الرئيس زوما نـفسه عانى من السجن عشرة سنوات ونُـفي إلى زامبيا وزيمبابوي…!!
ويكفي الـقول إن نسبة الفوارق الاجتماعية قــد زادت بين البيض (حوالي % 9 من السكان) والسـود، وأن نسبة البطالـة ارتفعت منذ 2009 من % 23 إلى % 27 ، كما تضاعف الــدين الخارجي…
لـقد تـآكـل الـرصيد اللامادي من المقاومة والنضال والاحترام الذي خلـفه مانديلا وبيـكــو وكل مناضلي حزب المؤتمر الوطني، نتيجـة سيـاسات جاكوب زوما غير الشعبيـة وغير الاجتماعية، فـفي سنة 2012 فقــد حوالي 34 شخصا من عمال المناجم حياتهم و74 بجروح خطيرة في ما يعرف بـ”مجزرة ماريكانا”، نتيجة مواجهة مع الشرطة لـفــك الإضرابات المطالبة بالـرفع من الأجـور وتحسين ظـروف عمل المنجميين…وهي أحداث وصفت بالأخطر بعـد نهايـة الأبارتايْـد..!
فحزب مانديـلا الذي قــاد البـلاد منذ 1994، أي منذ نهايـة الأبارتايـد، سيُـمنى بهزيمـة قـاسيـة في معاقله بمناسبة الانتخابات البلـديـة في غشت 2016، لـيكشف عن تـآكـل آخـر وعـن تــراجع في شعبيـة الحزب المؤتمر الوطني تحت قيـادة زوما منذ 2007، ونتــائج انتخابـات 3 غشت 2016 الـسلبيـة وصفهـا البعض بأنها عقابيـة للـرئيس جاكـوب زوما، الـذي وصلت عــدد الـدعاوى لـدى القضاء إلى 783، بصكوك اتهـام متنـوعـة بيـن الـرشوة والـغـش وتبييض الأموال والاغتصاب… ويـبقى أخطرهـا هـو “خـرق الـقسم الرئاسي”، وتبديـد أمـوال دافعي الضرائب، إذ رفـض إرجاع حوالي 20 مليون أورو كـان قـد صرفها في إعادة بنـاء وتجـديــد منـزلـه الفـاخـر..!
وفي نـوفمبر 2016 نشـر تقريــر (مؤسسة ضد الرشوة) مفاده أن زوما سمـح لـ”عـائلـة غُــوبْـتـا”، وهي عائـلة ثـريـة ذات أصول هنـدية، ولأصدقائها ولشركاء ابنه بالتـأثـير في تعيـيـن الحكومة. وطـالـب الـتقريــر بتشكيل لجنة الـتقصي لكشـف الحقيقـة..
الشهـر نفسه مـن سنة 2016 ستعرف ساحات وشـوارع مـدن جنوب إفريقيا احتجاجات كبيـرة قـادهـا الطلبـة، بعد أن رفـع زوما من رسـوم التسجيل الجامعي وطالبـوه بتـقـديـم الاستقالـة…وهــو الطلب نـفسه الـذي رفعه بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الوطني وأيضا وبعض أعضاء حكومتـه…
الإجماع بالمطالبـة باستقـالـة الـرئيس جاكوب زوما ستُعبـر عنه أيضا “مـنظمة مانـديـلا”. وسيـتـقـدم حزب التحالف الـديمقراطي أمام البرلمان بطلب حجب الـثقــة وعــزل جاكوب زوما، إلا أن الـ 214 بـرلمانيا مـن حزب المؤتمر سيصوتـون بـرفض العـزل، وكـأن الأمر أمر حزبي داخلي.. إذ يُـشاع داخل أروقـة الحزب أنه تـعهـد بتقـديـم استقـالته سنة 2018 وعـدم الترشيح لولايـة ثـالثـة، لــذلك فهـو يُمهـد الطريـق لـطليقـته دلاميني زومـا لـرئاسة حزب المؤتمر الوطني أولا، ثم الجمهورية ثانيـا سنت 2019…!
وإقـالـة ـوزيـر الـمالية السيد غُوردهـان في 31 مارس 2017 كانت هي النقطة التي أفاضت كأس الغضب وسـط الحزب الحاكم، وتسببت في انقسام داخلي وسط الحكومة وأيضا تــأثيرات سلبية على مستـوى الاقتصاد وجلب الاستثمارات الأجنبية ومـؤشرات سـوق البورصة…
عنـدما نتـأمل في أفكـار مانديلا وستيفان بيكــو وغيـرهــم من آبـاء المقاومة في جنـوب إفـريقيــا، نـتألـم كثيـرا لحـال بـلـد إفـريـقي كبيـر، زج بـه الـرئيس زوما في طريق مظلـم ومحفوف بمخاطـر النزعات القبلية والانقلابـات، في الـوقت الـذي يجب أن يكـون مثـالا للـديمقراطية وللتعـايـش والأخـوة (أُوبُــونْـتُـو)…ولـيـس موجـات العنصرية ضد المهاجريـن الأفارقـة التي عرفتها جنـوب إفـريقيـا في مـدن جوهانسبورغ ودوربـان… وغيـرهـا مُخـلـفـة عشرات المـوتى والجرحى وتخـريـب ممتلكـات المهاجريـن وعمليات تـرحيـل إلى أوطانهـم، خاصة من الـموزمبيق وزيمبابوي ونيجيريـا والملاوي…
..كان يجب أن يكـون مثـالا تُـحترم فـيه الـشرعيـة الـدوليـة وحـقوق الإنـسـان، ولـيـس الـمطالـبة بـالانسحاب من المحكمة الجنائيـة الـدوليــة سنة 2015 للإفـلات من عيـون العـدالـة الــدوليــة…
وفي انتظـار إقـالـة أو استقالـة زوما، نـقـرأ الـسلام على روح مانـديلا والكبـيـر ستيفـان بيـكــو…!