وناقش الدكتور عبد الله بوصوف خلال هذا البرنامج الذي يعده المقدم محمد التيجيني، مختلف الجوانب المتعلقة بقضايا الهجرة ومغاربة العالم، مبرزا مهام المجلس والملفات التي يشتغل عليها منذ تأسيسه، وكذا أهم الإشكاليات المتعلقة بتدبير ملف الهجرة المغربية في مختلف المجالات.
الجالية في طليعة المدافعين على القضية الوطنية:
في بداية اللقاء نوه الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، بالجهود التي يقوم به المغاربة في جميع دول الإقامة وفي المؤسسات التي يصعب فيها الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة بسبب العدد الكبير من المناوئين، معتبرا أن رمال الصحراء تسري في دم الجالية الغربية بالخارج، والتي توجد في الخط الدفاعي الأول عن القضية الوطنية.
وطالب بوصوف الحكومة بتخصيص برامج لدعم هذه الفئة ليس بالموارد المالية فقط ولكن بالتكوين باللغات الأوروبية لقلة وسائل الترافع باللغات الأوروبية، واعتماد المقاربة الفنية لما لها من دور أساسي « لأننا نتحدث مع مجتمعات مثقفة، مجتمعات يحتل فيها الفن مكانة مهمة خاصة وأنها مقاربة يستعملها المناوئون للوحدة الترابية » يضيف.
وذكر في هذا الإطار بالبرنامج الذي بدأ المجلس الاشتغال عليه مع الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون، والذي يعرض جوانب من ملف الصحراء المغربية متعلقة بتاريخ المنطقة لتجنب المغالطات المرتبطة بالمنطقة، وأيضا بالجزائر وعلاقتها بالقضية المغربية، بالإضافة إلى التطور الجيوسياسي في العالم وما يفرضه من تطوير الوسائل التواصلية والانفتاح على الإعلام الأجنبي.
مهام المجلس كمؤسسة استشارية:
قبل التطرق إلى أدوار المجلس واختصاصاته ومنهجية اشتغاله أكد عبد الله بوصوف على أن مغاربة العالم مرتبطين ببلدهم، و على أن الدستور المغربي خصص لهم فصولا وهناك اهتمام خاص بهم من طرف صاحب الجلالة، ومن الضروري الاستجابة لحقوقهم إلى تطلاعتهم وآمالهم.
وقدم الدكتور بوصوف، خلال هذا المرور التلفزي تبذة عن مجلس الجالية المغربية بالخارج، كمؤسسة استشارية واستشرافية، عمله الأساسي هو تقييم السياسات العمومية وتقديم الآراء أو المقترحات من أجل تحسين السياسات العمومية، وجعلها تستجيب لانتظارات الجالية المغربية. مذكرا في هذا الإطار بأن اختصاصات المجلس تتمحور حول تحليل ظاهرة الهجرة المغربية والاشتغال مع باقي المؤسسات التي تعنى بتدبير الملف، وأن عمل المجلس ينحصر في تقديم الاستشارة وتقييم السياسيات العمومية في مجال الهجرة وليس له مهام تنفيذية ولا سلطة تقريرية.
ومن بين الأهداف التي سطرها المجلس منذ نشأته بحسب الأمين العام هو تغيير نظرة المغاربة للمهاجر المغربي وتغيير الصور النمطية للمجتمع المغربي، والعمل على جعل مغاربة العالم كرافعة للأوراش المفتوحة في بلادنا، وأبرز على الهدف من مشاركة المجلس في ترجمة أعمال المبدعين المغاربة في الخارج والمشاركة في المعرض الدولي للنشر والكتاب، هو جعل الرأي العام الوطني يؤمن بأن الجالية المغربية خلقت نخبا في جميع المجالات، وبأن النخب المنحدرة منها في المجال الأدبي تنتج أعمالا بلغات العالم لكنها تستوحي المضامين من الثقافة المغربية. مما يساهم في إعطاء بعد عالمي للثقافة المغربية.
وبخصوص إصدارات المجلس فقد شدد بوصوف على أن المجلس يشتغل وفق ظهير التأسيس، وبأن الكتب التي يطبعها هي هبارة عن تقارير وخبرات يضعها رهن إشارة الفاعل الحكومي والمؤسسات الجامعية، داعيا في هذا الصدد إلى إنشاء وكالة ثقافية بسياسة ثقافية مندمجة لتقديمها للعالم، مثلما تفعل باقي الدول عبر وكالاتها ومعاهدها الثقافية.
وقال في هذا الإطار إن الثقافة المغربية هي أحد العناصر التي تربط المهاجر المغربي مع بلده الأصلي، وهي من العناصر التي يمكن أن نواجه بها التطرف وفكر الكراهية، ولا محيد عنها للدخول إلى العالمية.
المشاركة السياسية وأولوية إشراك مغاربة العالم في مؤسسات الحكامة:
«ميزانيتنا ضعيفة لا تناسب الطموحات ولكننا نقتسم جزءا منها مع الجمعيات المغربية » بهذه الكلمات أجاب الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج مقدم البرنامج بخصوص مسألة دعم الجمعيات المغربية بالخارج. ويرى الأمين العام للمجلس أنه أمام الانتظارات والمشاكل التي تواجه مغاربة العالم فلا بد من دعم الجمعيات التي تشتغل حول مختلف القضايا الوطنية، مشيرا إلى أن الهدف هو أن نوصل الجمعيات المغربية إلى درجة من الجاهزية والقدرة على التدبير العقلاني.
وانتقد بوصوف عدم التجاوب الحكومي مع مراسلات المجلس بخصوص مجموعة من المواضيع، وتغييب بعد الهجرة من النقاشات العمومية، واعتبر في نفي الآن بأن كونه مهاجر سابق يجعله صوت مغاربة العالم داخل المغرب، يعبر عن المعاناة التي تعيشها الجالية المغربية.
كما انتقد عبد الله بوصوف عدم تنزيل مضامين الدستور فيما يتعلق بالجالية المغربية وفيما يتعلق بالحقوق سواء كانت حقوق سياسية أم باقي الحقوق؛ وتوقف على مسألة المشاركة السياسية التي يعتقد البعض بأن المجلس طرفا في تجميدها ورفض مبدأ التمثيلية النيابية لمغاربة العالم في البرلمان.
وأكد على أن المجلس جعل من قضية المشاركة السياسية أولوية منذ تأسيسه، وجعل لها مجموعة عمل عرفت نقاشات حادة تترجم الحرص على مصالح الجالية ومصالح المجلس. كما وضح على ان منهحية اشتغال المؤسسة في أكثر من قضية تقتضي عليها إعطاء أكثر من رأي، وعرض مختلف السيناريوهات الممكنة لتجعل الفاعل الحكومي يختار حسب تقديراته.
وفي ملف المشاركة السياسية، يضيف نفس المتحدث، كان أول سيناويو تم وضعه هو تمثيلية الجالية في مجلس المستشارين، والاعتماد على تصويت الناخبين الكبار أي الجمعيات المغربية التي تستجيب لمجموعة من الشروط. « كنا سنضمن على الأقل ثلاث مسائل أساساية أولها إعادة هيكلة النسيج الجمعوي المغربي الذي يعاني من التفتيت، وخلق مجلس استشاري يراقب الدوائر القنصلية فيما يتعلق بشؤون مغاربة العالم؛ إضافة إلى وجود ممثلين عن الجالية في المؤسسة التشريعية سيعملون على إنضاج فكرة المشاركة السياسية » يضيف.
وأعاد الأمين العام للمجلس التأكيد على أنه لا يمكن الحديث عن رفضه الشخصي أو رفض المجلس للمشاركة السياسية. وشدد على أنه سيكون أول الداعمين لمقترح تشريعي للحكومة المقبلة بخصوص تنزيل المشاركة السياسية، مستغربا في الآن ذاته عدم تمرير مقترح قانون في البرلمان لتنزيل هذا المبدأ، بالرغم من كون المشاركة السياسية تمثل نقطة توافق لجميع الأحزاب سواء في الحكومة أو المعارضة.
وإضافة إلى ملف المشاركة السياسية، فقد توقف عبد الله بوصوف خلال هذا البرنامج الحواري المباشر على عدم تمكين مغاربة العالم من المشاركة في المؤسسات الدستورية ومؤسسات الحكامة. وعدم إشراكها في إعداد النصوص التشريعية التي تهم جوانب من معيشها اليومي. وأبرز في هذا الباب على أن المجلس بعث برسالة استعجالية إلى رئاسة الحكومة على سبيل المثال بعد اطلاعه على مشروع القانون المتعلق بتأسيس المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، ينبه فيها إلى عدم إشراك الجالية في حين أن المشاكل الأساسية للجالية المغربية موجودة في الأسرة وفي الطفولة.
وطالب بوصوف الحكومة المقبلة بتمكين الجالية من المشاركة في مؤسسات الحكامة وفي تنزيل النصوص التشريعية، وإلى التعامل مع تمثيلية الجالية في هذه المؤسسات بمنطق النسبية؛ أخذا بعين الاعتبار لثقلها الديمغرافي، وتساءل عن عدم توفر المجلس الأعلى للتعليم في تركيبته على أعضاء من الجالية بالرغم من أنهم يمكنهم الدفع بالنقاشات إلى الأمام لأن لديهم تجربة مكتسبة من الدول التي يعيشون فيها.
تنزيل النموذج الديني المغربي في السياق الأوروبي :
من بين المحاور التي تم التطرق إليها في هذه الحلقة من برنامج « ضيف الأولى » هي النموذج المربي في مجال التأطير الديني، حيث اعتبر عبد الله بوصوف، بأنه نموذج صالح للعالم لكن علينا أن ننزله في سياقات تاريخية مختلفة؛ وأن تكون هناك أقلمة للنموذج الديني المغربي الذي له عناصر أساسية تميزه هي: العقيدة الأشعرية الوسطية التي لا تكفر أحدا، والمذهب المالكي الذي يتميز بالمرونة ويمكنه الإجابة عن الأسئلة الراهنة في أوروبا وإبداع أجوبة تناسب هذه المجتمعات، بالإضافة إلى التصوف.
ولم يفت الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج التنويه بالعمل الذي تقوم به وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في التأطير الديني لأفراد الجالية المغربية، وأبرز على أن الدولة المغربية عبر وزارة الأوقاف خصصت لأول مرة 120 مليون درهم للتأطير الديني في الخارج.
وذكّر عبد الله بوصوف على أنه قبل منتصف التسعينات، لم يكن للنموذج المغربي بأركانه ومرتكزاته أي وجود في أوروبا وكان هناك طغيان لمذهب معين مدعوم بآلة مالية كبيرة استطاعت أن تستحود على جميع العقول. وأشاد في هذا السياق بعمل كل من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، من خلال البعثات المغربية، والعلماء الغاربة الذين كانوا يخوضون معارك مع أنصاف العلماء القادمين من دول أخرى، مؤكدا على أنه لو لم يكن هذا العمل لكان عشرات الآلاف من الشباب المغاربة سقطوا في أحضان التطرف.
« نحن نثمن ما وصلنا إليه الآن ونطمح إلى الأفضل، أي أن يكون لنا خطابا دينيا يقدم النموذج المغربي بلغات أوروبية، وأن نفتح المعاهد والجامعات المغربية للشباب الأوروبي… » يخلص عبد الله بوصوف.
« خراف العبور » واستشراف السياسية المغربية للهجرة:
خلال مداخلته في محور السياسة المغربية الجديدة في مجال الهجرة، ركز عبد الله بوصوف على الانتماء المشترك لأسرة الهجرة بين مغاربة العالم والمهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في المغرب « نحن جميعا ننتمي إلى أسرة الهجرة وإن كنا ندافع عن حقوق الجالية المغربية في الخارج فمن الضروري الدفاع على حقوق المهاجرين في المغرب لأن الحقوق كل لا يتجزأ » يقول.
وشدد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج في نفس الوقت على أن المجلس كان من السباقين إلى إنجاز دراسة وتقديم رأي استشاري في موضوع الهجرة من دول جنوب الصحراء نحو المغرب، وهي أول دراسة أنجزت حول الهجرة الإفريقية والتي تحدثت على « خرافة العبرور » وعلى ضرورة العمل على تسوية وضعية المهاجرين في المغرب.
وبعد الإشارة إلى دور المجلس الريادي في التعاون مع المهاجرين الأفارقة في المغرب منذ البداية، اعتبر بوصوف أن المغرب كان دائما ملتقى للهجرة وتنوع الثقافات وهو ما يؤكده تنوع الروافد التي تشكل الشخصية المغربية؛ وفي هذا الإطار فقد أنجز المجلس بتعاون مع عدد من المؤرخين المغاربة كتبا بيداغوجية للشباب تحت « الشخصية المغربية: دينامية التنوع » تنهل من دباجة الدستور وتقدم شخصيات تجسد مختلف الأبعاد المكونة للشخصية المغربية.
وقال بوصوف في نفس السياق إن المغرب بقيادة جلالة الملك بدأ يضع الوسائل لاستقبال الهجرات من دول إفريقيا جنوب الصحراء ويعمل على إدماجها في المجتمع المغربي…وحان الوقت ليركز على مسألة الاندماج؛ مشددا على كون المغرب الآن يتحمل مسؤولية إنسانية « حتى لا نجعل المهاجرين الأفارقة يغرقون في البحر، لأننا من إفريقيا وإفريقيا منا ولنا مصير مشترك ».