»
الاخبار المهمة »
مغاربة العالم في 2016 .. مواقف بطولية وتشبث بالملكية .
الدكتور عبدالله بوصوف : الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج.
عـاش مغـاربة العالـم سنـة 2016 بكـل اضطراباتهـا ومفاجـآتهـا، وشهـدنـا انتصارات بعضهـم وانكسـارات الـبعض الآخر، شـهـدنا حــرصا شـديـدا علـى مكتسبــات الجـاليـة في ظل سنـة عـرفـت أكثـر مـن تمـريـن انتخـابـي وأكـثـر من استـفتـاء، خاصة بدول أوروبيـة…
استمرار تـداعيـات الأزمة الاقتصادية، واستمرار ضربـات الإرهـاب الأعمـى، أثــرت بشكـل كبيـر على ملــف الهجـرة واللـجوء، سـواء مـن حيث تـمـدد الخطـاب الـسياسي لليميـن المتطرف وتــراجع الأحـزاب الاشتراكية أو علـى الـمستوى القـانـوني؛ حيث الـتلـويـح بـإعـادة الـنظر في معــاهــدة جـنيـف للجـوء وتغليـب كـفـة المقاربـة الأمنيـة على المقاربـة الإنسانيـة، أيضا تعـقيـد مساطـر الـتجنيس والانـتقال من عامـل الأرض الى عامـل الــدم في مجال قــانون الجنسيــة!!
فخريطـة تـواجـد مغاربـة العـالـم في أكـثـر مـن 100 دولــة تجعلهــم يتـأثــرون بشكـل مباشــر بكـل أحـداث دول الاقامــة، وخـاصة على الـمستوى الخطاب والـتدبيـر الـسياسييْـن، مما جعل الجالية تعــرف مـوجـه جـديـدة للهجـرة، لكـن هــذه المرة داخـل دول ” فضـاء شينغـن” نـفسـه، بحثـا عن ظـروف أحسـن لـمستقبـل أبنـائهـم داخـل اقتصاديـات قـويـة في أوروبـا!!
وعلى الـرغم من كـل هـذا الـوضع الضبابـي غيـر المستقـر، فـإن مغاربة العالـم لــم يستسلمـوا للـقراءة الـسوداء أو للـعـدميـة، لـم يــرفعـوا الـراية البيضاء أمـام الخطاب الـيميني العنصري، بـل اسـتمروا في إنـتـاج إشـراقـات في أكـثـر مـن مـيـدان وفي أكـثر مـن بلـد للاستقبــال…
وهكـذا أصبـح أمـرا عـاديـا مشـاهــدة أسماء مغربـية من الجيل الثـاني أو الثـالث تُـؤثث الـمشهـد الـسياسي في أكـثر مـن بـلـد أوروبـي مـن خـلال تـولـي حقـائـب وزاريـة أو مـناصب برلمانيـة أو بلـديــة، أو في ميـدان الـمال والأعمال وكـذا الــرياضة والــفـن في بـلـدان عـديـدة أوروبيـة وأمريكـا وكـنـدا ودول الـخليـج وإفــريقيــا….
فـإشراقـات مغاربـة العالــم كانت دلـيلا قـويـا على الانـدماج الإيجـابي في دول الاستقبــال، وهــو عمل جبــار لـم يـأت بـمحض الـصدفة، بـل نتيجــة تـضحيـات آبـــاء وأمهـات من الجـيل الأول من جهة، والنـبـوغ والـتحصيل لـشباب مغاربــة العالــم من جهـة أخـــرى.
في المقابـل، فهـذا الـنبـوغ والـتمركز في مـراكـز حساســة لمغاربـة العالـم في دول الاستقبــال، لـم يُـلـغ الــوشائـج العاطفيــة مع الـوطــن الأم، بــل عــززها في أكثـر من مناسبـة وجعلهـا تـتفاعـل مع كـل الـقضايا الـوطنيـة، وفي مقـدمتهـا الـصحراء المغربيـة؛ لـذلك شكلـت الجاليــة رقمـا مهمـا فـي الـترافـع حـول مغـربية الـصحراء، ســواء مـن خـلال مشاركتهــا الـحاسمة والفاضحـة لآلـة الـتضليل الانفصاليـة بــالمنتدى الاجتماعي الـعالمي المنعـقـد بـكنــدا من 9 إلى 14 غشـت 2016؛ حيث بصمـت الجاليـة على حضور فـاعـل وقــوي، ســواء خـلال ورشــات الـمنتدى أو مـن خلال مسيـرة لافــونتيـن بموريـال، وكانت بالمرصاد لأطروحـة البـوليساريـو الانفصاليـــة.
لـقـد نـاقشـتْ وحـاورتْ وأقـنعـتْ وفـنــدت حُجـج الـخصوم وأفـحمتْ بـالحجة والبـرهان محاولات الهجوم على المصالح الـوطنية العليـا، ودس المغالطـات في عقـول الـمنظمات المشاركـة في المنتدى الاجتماعي الـدولي. ولـفضح أطـروحة الانفصال الـمتخـفية تحت غطــاء إنسـاني وحقوقـي، فـقـد تــم الاحتكـام لمعاييـر المنطق وحقـائـق التـاريـخ والـجغرافيـا.
وفي تمـاهٍ مع الـشارع المغربي، رفعت الجاليـة صـوتهـا بـالساحات العموميــة وأمام الـمؤسسات مـن الـصين إلى أمريكـا مــرورا بـأوروبا وإفـريقيا، معبـرة عـن استنكارهـا وتنـديـدهـا ضد كل الـخرجات الإعـلامية الخاطئـة والتصريحـات غير الـمحايـدة للأمين العــام الـسابق للأمم المتحدة!
تعـاقــد الجاليـة مع الـمغرب لا تحكمـه ضوابـط ماديـة، بــل ضوابـط روحيـة؛ لــذلك شهـدنـا مـلحمة نــادرة من الحـب الـمتبادل بيـن جلالــة الـملك محمد السادس ومغاربـة العالــم في كل خـرجاتـه واتصالــه الـمباشر معهـم والإنصات لهـم. ففي شهــر أبــريـل 2016، وبيـنمـا كانت أوروبـا جريحـة مـن تـداعيـات أحـداث بــاريس وبـروكسيل، كان جلالة الملك محمد السادس يجــوب شـوارع هـولـنـدا بـدون بـروتـوكـول؛ حيـث شهـدت شـوارع امستـردام تعقـب الآلاف من أفــراد الجاليـة لجولاتــه بـالمدينـة وكـذلك انتظــاره خارج مكان إقـامتـه بهولنـدا لساعـات طويلــة كانت تـنتهي بصور محبـة للذكــرى، وأرخـت للحظـات خالــدة مع جلالــة الملك…في ملحمة حـب ووفــاء عفـويــة وصادقـة وتجـديـدا لبيـعــة مغاربـة العالـم.
وهـو ما يُـبـرر حضور الجاليـة في كـل خُطـب صاحب الجلالـة من خـلال تشخيـص مشاكلهـا والـدفاع عن مصالحهـا والـمطالبة بتحسيـن ظــروف استقبـالهـا وجــودة خـدماتهـا، وكـذا دعــوة الجالـيـة إلى التمسـك بالـديـن الاسـلامي الـوسطي والحفـاظ على السمعة الطيبـة للمغـرب والـدفاع عن الـسلم والعيـش المشتـرك داخـل مجتمعات الإقامــة، ونشـر قيـم الـوسطيـة والاعتـدال واحتـرام الاختـلاف الـذي يقــوم عليه الـنموذج الـمغربي؛ لأن الـشباب الـمسلم بـأوروبا أصبح طُـعما سهلا للجماعات المتطرفـة والـزج بهم في أماكـن ساخنـة باسـم الجهاد كتجـارة دينيــة مـربحـة، وبـصفته أميــرا للمـؤمنين فـقـد خلـع الـشرعيـة عـن الأحـداث الإرهابيـة وأخـرج الإرهاب من الـديـن، خاصة وأن الجاليـة اكـتـوتْ هـي أيضا بـنار الإرهـاب من خـلال مقتـل المهنـدس الـشاب أميـن بنمبـارك في باريس نوفمبر 2015، أو الـمصورة الـفوتـوغرافيـة لـيـلى الـعلوي بـالعاصمة البـوركينـابيـة في يـنايـــر 2016!
تعاقـد مغاربـة العالـم مع الـوطـن يتجـاوز الـمساهمة في ضـخ العملـة الـصعبة؛ بحيـث احتلـت الـمرتبة الأولى في سنة 2016 التي عرفـت تراجعـا في مداخيل الـفوسفـاط. فحسب تـقاريـر مكتـب الصرف، فـقـد لامسـت الـتحويلات التي تُـساهـم بـدون شـك في الـتنمية الاقتصاديـة للـمملكة بمبلـغ 58 مليــار درهــم على الـرغـم من الـظرفيـة الاقتصاديــة الـتي تعـرفهـا أوروبــا.
تعـاقـد مغاربـة العالـم يـمتـد إلى الـمساهمة الـرياضية ضمن الـبعثـة الـمغربية للألعـاب الأولمبيـة فــي دورة ريــو دي جانيـرو في سـنـة 2016؛ حيـث بفضلـهـم نـافـس المغرب في أصناف رياضيـة لـم يـسبـق لــه أن خـاض غمارهــا في الالعـاب الاولمبيــة…
تعاقـد مغاربــة العالـم لـم يـستثني تسجيـل إبــداعاتهـم الـوازنـة في أكبـر حــدث دولي للمنـاخ نُـضم بمـدينـة مــراكش في نــوفمبـر 2016…
لكـل هـذا، يحـرص جـلالة الملك محمد السـادس على تكـريس تقـليـد تــوشيح بعض كفــاءات مغاربـة العالــم في الـمناسبات الـوطنية، إلى جانب كفـاءات ورجـالات المغـرب بالــداخـل.
ففي يـوليـوز 2016 وبمناسبــة عيـد العـرش، وشــح جـلالة الملك عـدة كفـاءات من الجاليــة بأوسمة مختلفـة الـدرجة، تــوزعت بيـن الـميدان الـطبي، كعبـد الـجبار المنيــرة (السويـد) والبـروفيسور خالــد سهـولي (ألمانيـا) ومحمد عـزيز بيهي (انجلترا)، وميـدان علــوم الـتكنولوجيــا، كعثمان لعــراقي (الولايات المتحدة)، والخـدمات كـيـوسف صقلي (الـولايات المتحدة)، ومـيـدان الـمحاماة، كهيبـة اوعـايسي (فــرنسا)، والميـدان الاجتماعـي والإنسـانـي كفـاطمة بـركـة (استراليــا) ونــوال الـصوفي (إيطاليــا)، بالإضافة الى كل من رشيـد عمـروس (اليـابـان) والمختـرع مجيـد بـوعـزاوي.
إن كل هـذه الأسمـاء وغيـرهـا من الإشراقـات الـمغربية بـالخارج تجعـل من الـحلم بحيــاة أفضل حقيقــة مُمْكـنـة، كما أنهـا تـوفــر الـقـدوة الإيجابيـة للأجيـال الـجديـدة وتُـسهـل تجـاوز معـوقـات الانـدمـاج والعيـش المشتـرك، وتجعل العـديــد مـن الشبـاب ينظــر إلى المستقبــل مـن خلال نـصف الكـأس المملـوءة بــالتضامن واحتـرام الاختـلاف… وسط ضجيـج الـفكـر الـمتطرف وايــديولـوجيات نـشـر ثقـافـة الخـوف والكــراهيــة…
وفي انتظـار الـمزيــد من نجـاحات مغاربة العالـم وتحقيـق المزيـد من الـمكتسبـات في سـنــة 2017 .. كل عــام وأنـتــم بـألــف خيــر وسنــة سعيـدة للجميـع.