الجالية24/ ذ. عبد الناصر حميان
بداية يجب أن نعرف لماذا توجد المقاهي بصنفها التقليدي الذي يرتاده العامة والخاصة من كلا الجنسين، إذ المقهى مكان جُعِل في الأصل قبل حوالي 5 قرون ليرتاده الناس لاحتساء مشروب القهوة اللذيذ.
هذا الأخير الذي كان يحتاج لخبرة وآلات خاصة لإعداده في ذلك الوقت لتحميصه وتنقيته وطحنه وإعداد مشروبه ..الخ، ولم يكن في مقدور عامة الناس توفيره في بيوتهم.
غير أن هذه الفضاءات تطورت مع الزمن وأخذ دورها يتنامى مع تنامي أنماط حياة الشعوب المختلفة، فأصبحت عبر التاريخ مقرات نقابية و فضاءات افراح واحتفالات جماعية للعائلات والاصدقاء ومكان رحب للمواعدة والرومانسية و ملتقى للسياسيين والمعارضين و ملعب للقمار والحظ و مجلس لإنعقاد الاجتماعات والخطابات و منتدى للمناقشة والدردشة … الخ.
فلنعد إلى الريف، فقد تميّزت المنطقة بثقافة محافظة نوعا ما، جراء احتفاظها بخصائصها وروافدها العرفية والدينية التي تبنتها المنطقة منذ قرون، ولم يستطع الاستعمار الاسباني اختراقها كما وقع في المناطق الداخلية الأخرى من المغرب التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي.
لكن دخول المستعمر لابد أن له أثرا في البلدان المستعمرة خصوصا إذا كان هذا الأثر لا يتعارض مع المبادئ والخصوصيات الثقافية لتلك البلدان، وهنا نخص بالذكر فكرة (المقهى) التي انتشرت في الريف دون ما أن تجد مشكلا في ذلك، لكن على غير أدوارها التي تلعبها في أوروبا لم تكن المقاهي في الريف فضاء مشتركا بين الذكور والإناث، إنما تم استيلاب هذا الفضاء إلى حقل الخصوصية الثقافية للمنطقة كما وقع للعديد من الأنماط الحياتية الأخرى المستوردة كتدخين السجائر وشرب الخمر ولبس الملابس العصرية.
لكن مع هجرة أبناء المنطقة نحو أوروبا وانتشار آليات التواصل والاطلاع كالتلفاز والصور والانترنيت وغيرها، تمكّن النمط الحياتي الغربي العالمي من اقتحام قلعة الثقافة الريفية التي صمدت طويلا، وألبستها عباءة التفكير المزدوج بين التعلق بالأصيل والتودد للجديد، فكان أن خرجت النساء من تحت الخيمة الذي كنّ فيه، وذُقنَ بدورهنّ ما ذاق الرجل بشكل امتيازي منذ عقود قبلهن.
وبالعودة من جديد إلى موضوع المقاهي وعلاقتها بالناظور بصفتها إحدى المدن الأساسية بالريف المغربي، فالمدينة التي تقع شرق الريف وتجاور مدينة مليلية المحتلة من طرف الإسبان، والتي تتمتع بحظ وافر من تعداد الجالية بالخارج، تعرف ولا تزال موجة ذوبان وانصهار ثقافي في النمط الحضاري الغربي.
وبالرغم من كون افتتاح مقهى خاص بالنساء أمر غريب إلى حد ما حاليا، رغم ما يروم إليه أصحابها من خلق مشاريع تحافظ على الأصول الثقافية المحافظة وتمكّن النساء من فضاء خاص بهن، يمنح لهن الحرية بين بني جنسهن، لكنها في عمومها تبقى مجرد خطوة أخرى نحو التقليد والاتباع المستمر للغرب، وهي بذلك دليل جلي على صدق ما سبقت الإشارة إليه من كون التوجه الثقافي للمجتمع المحلي يحاول ركوب النمط الغربي العصري دون المساس بالخصوصية العرفية والثقافية في تمايز الجنسين بشكل عنيف.
وكما أن الأمر يبدو في النهاية سريعا ما سيتحول إلى أمر عادي ومتعايش معه، كما تعايش أهل المنطقة مع انعطافات ثقافية كبرى قبل ذلك خلال النصف الثاني من القرن العشرين.