الجالية24/ذ. رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الاسبوع الكاتب والقاص والشاعر عبد الواحد العرجوني
(1) كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
العبد الفقير إلى رحمة الله. من مواليد كبدانة. يعشق لألأة لسانها ولوك لاماتها. ولم ينس نصيبه من اللغة العربية التي تجاوزت الفته لها الثلاثة عقود وسبع سنوات تدريسا، لم تكن كلها عجافا، والحمد لله.
(2) ماذا تقرأ الآن وماهو اجمل كتاب قرأته ؟
متذ اكثر من حول وأنا غارق، حد الجنون تعجبا، أحاول فك مغاليق عالم صنعه كاتب ، على غير مثال، وكلما انهيت جزأ إلا ووجدتني، وكأني لم افارق البداية، فأعيد كرة القراءة متغربا في مسالك الرغبات الإنسانية المتناقضة المتصارعة، المنسوجة بصنعة الرواية. وبلغت الكتاب الخامس، الذي جاد به علي العالم الافتراضي، وانا لا أزال أحاول رتق مفازاتي من الكتاب الأول، وأحاذي تيهي من تواليه. وأقفل فاقول: هذه محصلتي من قراءة الكتب الخمسة من رواية “أغنية الجليد والنار” لجورج مارتن.
(3) متى بدأت الكتابة؟ ولماذا اكتب؟
بالنسبة للسؤال الأول ، أجدني عاجزا عن الإجابة بدقة، لأسباب كثيرة، منها خرم لا ينفك يُعمٍل معاوله في ذاكرتي. ما أنا متأكد منه أن عصى الفقيه ، في الكتاب، كانت خليقة بجعل يدي تتعمج وفق إيقاعاتها، وتنز عرقا، حين يتعسر تليين الحرف، صعودا وهبوطا، ما جعلها تأنس قسرا حذوة القلم المبري بالقصب، حتى طاوعته وطاوعها. وحين شب الفتى الذي كنته، عن الطوق، مخض التغرب في الأنحاء والدواخل، سرائره، فنز التغرب ذاك ما خاله، في حينه، شعرا وقصا. كان ذالك حين كان الفتى يعشق الحياة، لا يزال، وحين ولاه بعضُها ظهر المجن، وجد في مغازلة الحروف وعجن أوائلها بأواخرها بعض العزاء، ومع الألفة صار العزاء استقطارا للذة لا تقاوم.
(4) ماذا تمثل مدينة الناظور بالنسبة لك؟
لا أخفيك صديقي، أن علاقتي بمدينة الناظور، مسدتها مراحل شتى، رافقت كلا منها مشاعر متضاربة؛ تعرفتها في مستهل سنوات السبعين من القرن الماضي، حين التحقت للدراسة بثانوية الكندي، وكانت عاصمة إقليم كرط. تنقلت للسكن تلميذا (بوشكارة)، مع جماعة من أبناء البلدة، في جل أحيائها الشعبية، من بوبلاو والعراصي، وإشعالا، ولعري نالشيخ..ولم تكن المدينة آنئذ، تتجاوز شارع الجيش الملكي، وباقي الأحياء، كانت إما في طور البناء، أو عبارة عن مساكن تقليدية متفرقة في أرض يكتسيها الاخضرار. وتحتفظ ذاكرتي بصور تتراوح ما بين النصاعة والقتامة. ثم بعد ثلاث سنوات، غادرتها إلى مدينة تطوان، والتحقت بإحدى أقدم ثانوياتها، وهي ثانوية القاضي عياض، وفي رحابها أطلق علي زملاء الفصل وسم “الشاعر”، ولم أدر لماذا، أنا القادم من أقصى الريف، والذي لم يكن، بسبب الخجل والانطواء، بمكنته زحزحة دجاجة عن بيضها، كما يقال. وكم كانت رحلة العودة بعدها طويلة وشاقة، استغرقت عمرا ناهز عقدا ونصف أو أكثر، مرورا بأمثار من إليم الشاون، إلى تفرسيت، لأحد الرحال بعد لأي بأزغنغان، التي أكن لها حبا يوازي حب بلدة مسقط الرأس. ولم تفارق الصور والأحداث والأشخاص والاماكن الذاكرة الحبلى. فكان اللقاء، هذه المرة، صادما بمعنى الكلمة، مع بداية التسعينيات، وأشد إيلاما من الفطام. وباختصار، كانت الناظور اسما على غير مسمى، ولا تحمل من المدينة إلا اسمها…
(5) هل انت راض على انتاجاتك وماهي اعمالك المقبلة؟
بكل صراحة، اخي الأعز، لا أعتبر نفسي ، في مقام يسمح لي بالرضى عن القليل الهزيل الذي دبجت باختلاس. أقف دائما وباستمرار على شفا التعلم والاخذ ممن أعطى ولا يزال. أستهلك اكثر مما انتج، وأراني دائما تلميذا يأخذ عن هذا وذاك، ولا يحسن في احيين كثيرة حتى هذا الأخذ. وما أكثر ما تساءلت. لماذا أكتب؟ أو لماذا أحاول الكتابة؟ لأجيب عن الشق الثاني من السؤال السابق، فرض تأجيل نفسه على غير وعي مني ربما. هذا سؤال محير حقيقة، كلما حاولت الإجابة عنه إلا ووجدتني والحيرة تجلدني جلدا، وتفتك بي فتكا. أحاول التعبير عما يجيش بالخاطر، وعما يدور من حولي. كثيرا ما أراني فارا من الواقع إلى عوالم أختلقها تزين بعض القبح الذي يحف بنا من الجهات الأربع.
أما بالنسبة للسؤال الثاني، أخي الأعز حفظك الله، هناك خربشات كثيرة ومسودات أكثر؛ بعضها في حاجة إلى إعادة نظر، وبعضها الآخر يرقد إلى أجل غير مسمى. وبعضها يرقد في رفوف بعض المطابع. تاريخنا المحلي يجب أن نعيد كتابته بطريقة أخرى، نوظفه في الرواية وفي المسرح، كما يفعل غيرنا، الكتابات التاريخية الصرفة التقليدية تعيد نفسها، لأنها تعتمد وسائل تقليدية، لذلك أخذت على نفسي أن أحاول كتابة رواية تاريخية، ليس من النوع التقليدي، أقصد الرواية التاريخية، كما هي معروفة في أدبياتها، فكتبت رواية عن حرب الريف الأولى، وبشكل ما عن شخصية الشريف محمد أمزيان، وسمتها ب”من باب البحر يهب النزيف”، أصررت على إهدائها إلى أزغنغان أهلا وأرباضا، هذه القلعة لم تنل حضها مما تستحق، امضيت فيها أكثر من ثلاث سنوات مرت، ودفعتها إلى المطبعة، ولأسباب شتى لم تخرج بعد إلى الوجود. وأردفتها بمجموعة قصصية تحت عنوان “احتمالات يوم أزرق” منذ سنتين، أي منذ 2018، وهي ترقد بدورها في رفوف إحدى دور النشر التي تدعمها وزارة الثقافة. بالإضافة إلى مسرحية بالأمازيغية “باغور”، عرضت عدة مرات في مهرجان مسرح الشباب، وقافلة المسرح الأمازيغي.
(6) متى ستحرق أوراقك الابداعية وتعتزل الكتابة بشكل نهائي؟
ستحترق من تلقاء نفسها، مع احتراق آخر لحظات العمر، إن شاء الله.
(7) ماهو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
تمنيت الكثير، ولا أخفيك، أنه كلما أنهيت قراءة رواية إلا وتمنيت لو كنت كاتبها، ولو كان بمكنتي أن أختار لكاتب مغربي، لحرت بين عملين، هما “غريبة الحسين” لأحمد التوفيق، و”ثورة زنو” لعبد الكبير العلوي المدغري، ولو خيرت بين الأعمال العربية، لاخترت “قمر على سمرقند” لأمين معلوم، رغم انها كتبت بالفرنسية، ولو خيرت بين الأعمال العالمية، لاخترت رواية “آلموت” للأديب السلوفيني، فلاديمير بارتول.
وبالنسبة لطقوس الكتابة ليست هناك طقوس معينة، وكلما عنت لي فكرة سارعت إلى اقتناصها.
(8) ماهو تقييمك للوضع الثقافي الحالي بالناظور؟وما هو دور المثقف او المبدع في التغيير؟
الوضع الثقافي في الناظور، يتراوح بين المد والجزر، كما هو الأمر في جل مدن بلادنا. وبالنسبة لدور المثقف، فذلك يتعلق بتكوين الأشخاص، لكن يبقى نشدان التغيير نحو الأفضل هو الغاية، وكل بوسائله ، وطرائق تعبيره.
(9) ماذا تعني ان تعيش عزلة إجبارية وربما حرية أقل بسبب الحجر الصحي ؟وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
هي تجمع بين القيد والحرية، بحسب الظروف، ولا أظن أن الظرف الحالي، يدفع بأي شخص، إلى الرغبة في التحرر من جدران البيوت، ورغم مرارة العزلة الإجبارية، التي لا يمكن أن ينكرها أحد، وتأثيرها السلبي على النفوس، فإنها مفيدة من جوانب، إن أحسن استغلالها، لخلق جو حميمي بين أفراد الأسرة أو العائلة، بحسب الوضع، والانصراف إلى القراءة والكتابة أو ممارسة بعض الهوايات الأخرى، عن بعد، والحمد لله لأن وسائل التواصل متوفرة، وتكسر بعض الشيء من هذه العزلة.
(10) شخصية من الماضي تود لقاءها ولماذا ؟
هناك شخصيتان شغلتا بالي لزمن ليس بيسير، هما الشريف محمد أمزيان، بسبب الذي يشوب سيرته، لأنه حينما حاولت قراءة ما كتب عنه اصطدمت بصعوبات جمة، لأن معظم المراجع التي كتبت عنه، إما كانت تأخذ عن الإسبان، وهذه الأخيرة، حاولت طمسه، أو مغربية تكتفي في الغالب من الأخذ عن العربي الورياشي، رحمه الله، وذلك لا يشفي الغليل. أما بالنسبة للشخصية الثانية، فهي شخصية غامضة، لم أجد عنها إلا إشارات محدودة، ذكر بعض قليلها الأستاذ الحسن الفكيكي، وهو قائد كبدانة “سيذي البشير” الذي قاد ألف مقاتل من أبناء كبدانة للمشاركة في حصار مليلة في عهد المولى عبد الله.
(11) ماذا كنت ستغير في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
سأتمنى أن أستعيدها كما عشتها حامدا شاكرا لله.
(12) اجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
أجمل ذكرى، الحصول على الباكلوريا في الدورة الأولى، سنة 1982. وأسوؤها اتهام أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي، لي بعد أن قدمت له محاولة شعرية لنشرها في مجلة الثانوية، بالسرقة الأدبية، رغم أنه لم تكن له أي علاقة بالشعر.
(13) كلمة أخيرة أو شئ تود الحديث عنه؟
شكرا جزيلا أخي السي رضوان أتمنى لك التوفيق في مساراتك كلها وعلى رأسها الإبداع الشعري، كما أتمنى من مبدعي المدينة في جميع المجالات أن يضعوا يدا في يد من أجل الرفع من القيمة الرمزية لمدينتنا. وأتمنى أخيرا زوال هذا الوباء الذي حل على العالم ضيفا ثقيلا. وهذا متم قولي دامت لك المودة نضاحة بالمحبة.