بقلم: دة.سناء بلحسن (أستاذة بكلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية- مكناس)
من المسلم به أنه لا قانون بلا مجتمع ولا مجتمع بلا قانون، فهذا الأخير هو الأداة الأولى للضبط الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة. وهو أي القانون من لوازم الحفاظ على المجتمع الإنساني وتحقيق الاجتماع البشري لأهدافه.
ويقوم القانون بتحقيق التناسق والتنظيم فيما بين سلوكيات ورغبات الأفراد في المجتمع، من خلال إحداث التوازن فيما بين تعارض المصالح الفردية فيما ما بينها من جهة، وتنازعها مع المصلحة العامة من جهة أخرى.
ومن المتفق عليه أن كل نظام قانوني أيا كانت مرجعيته، يتضمن مجموعة من القيم الأساسية، وهذه القيم متغيرة ومتطورة باستمرار، فهي قيم نسبية، تمثل انعكاسا للفلسفة القانونية والسياسية والاقتصادية السائدة في المجتمع. كما أن القيم القانونية والتي تمثل في ذات الوقت أهداف القانون، وفضلا عن تحقيق النظام العام، فهي : تحقيق العدالة والانصاف، تحقيق الصالح العام في المجتمع.
يشير مفهوم الإنصاف إلى صالح الجماعة ككل، أي تحقيق الخير للمجتمع ككل وليس لفئة معينة أو فرد معين، ويقترن مفهوم الإنصاف بخاصية العمومية والتجريد في القاعدة القانونية، حتى إنه يمكن القول أن القاعدة القانونية توصف بأنها قاعدة عامة ومجردة انطلاقا من كونها تهدف إلى تحقيق العدالة والإنصاف.
ومن خلال استقراء وجهة نظر فلاسفة القانون في الانصاف وعلاقته بمفهوم القانون، نجد أن أفلاطون يربط بين غاية القانون في تحقيق العدل وغايته في تحقيق الإنصاف، حيث يشير بأن الصالح العام هو الغاية الأساسية للقانون، لأن الاهتمام بالمصلحة العامة، يؤدي إلى تقوية نظام المجتمع ويؤكد تماسكه، كما أن القانون وبتحقيقه للفضيلة في المجتمع، فهو يستهدف تحقيق العدل والإنصاف. وفي نفس الاتجاه يرى أرسطو أن غاية القانون تكمن في كل ما هو منصف، بل إنه اعتبر أن الوظيفة الأساسية للقانون هي تحقيق سعادة الاجتماع الانساني من خلال تحقيق الإنصاف التام.
وهكذا، فهناك ارتباط بين المصلحة العامة كهدف للقانون وبين الإنصاف العدالة، فالقوانين العادلة هي تلك التي يترتب عليها تحقيق الإنصاف، وأن القوانين توصف بأنها ظالمة نظرا، لأنها لا تهتم بتحقيق العدالة، بل تسعى لخدمة طائفة معينة من الأفراد على حساب البعض الآخر.
وبالعودة إلى مشروع قانون 22.20 نجده يناقض المبادئ العامة للعدالة و لا يسعى البتة إلى تحقيق الصالح العام، ويتعارض مع المنطق القانوني السليم، حيث وجود المنطق داخل النص القانوني أمر لا يمكن الاستغناء عنه. فالعلاقة بين المنطق والقاعدة القانونية كالعلاقة بين القانون والمجتمع، فكما لا قانون بلا مجتمع، ولا مجتمع بلا قانون، وأيضا، فلا وجود لقانون بدون منطق، فالقانون فكرة منطقية كما هو فكرة اجتماعية.
المنطق إذا من جوهر القانون، كما أن القانون وسيلة لإدراك غاية، فإن هذه الغاية لابد لها من منطق يحكمها، لهذا فإن التأمل في محتوى نص مشروع القانون 22.20 يظهر غياب الرابط المنطقي بين مقتضياته. وبالتالي فإن تغلغل اللامنطقي داخل جل أحكام هذا المشروع يجعله أبعد ما يكون على تحقيق الإنصاف والعدالة والأمن القانوني. حيث إن المتأمل في نص مشروع القانون22.20 يكتشف بالإضافة إلى العيوب التي رافقت مسطرة إخراجه-حيث أحيطت هذه العملية بتكتم تام، في خرق سافر لقانون الحق في الحصول على المعلومة- أن هناك مظاهر عدة في غياب المنطق القانوني في هذا المشروع، ويبقى من أهمها مصادرة حرية التعبير عبر وسائط ومنصات التواصل الاجتماعي، فإذا كان مشروع القانون ينص على ضمان حرية التواصل الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أنه اشترط ذلك، بعدم المساس بالمصالح التي يحميها القانون، وكأن التعبير بحرية عن رأي يخص جودة منتج أو خدمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يعتبر مسا بالمصالح المحمية قانونا. الأمر الذي يتضح معه مدى التناقض بين أحكام مشروع القانون وأحكام قانون حماية المستهلك والذي يوفر للمستهلك كطرف ضعيف في العلاقة التعاقدية، حماية قانونية من عيوب المبيعات، خدمات كانت أو سلع.
والأدهى من ذلك أن بعض الأفعال المجرمة في إطار مشروع القانون يمكن تصنيفها في خانة الجرائم الشكلية، حيث ينفرد هذا النوع من الجرائم بطابع خاص يجعل أركان الجريمة مكتملة حتى من دون تحقق النتيجة الجرمية. وهو منحى خطير في سياسة التجريم والذي لا يمكن اللجوء إليه إلا في حالة الجرائم الخطيرة، وهذه الخطورة لا يمكن البتة أن تتوافر في أفعال وسلوكيات من قبيل إبداء الرأي حول منتج أو خدمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الدعوة إلى مقاطعته افتراضيا.
إن المتأمل لواقع التشريع بالمغرب سيكتشف وللوهلة الأولى أن بعض من القوانين والتشريعات وقفت عائقا أمام تقدم الأفراد والمجتمع ككل، حيث يتم استغلال القوانين من قبل البعض لمصادرة الحقوق والحريات. كما تستعمل بعض “اللوبيات” آليات الدولة لمآرب خاصة ولفائدة مصالحها الضيقة، والتي غالبا ما تكون اقتصادية، تحت ذريعة تحقيق النظام العام، في تجاهل تام لاحترام الحرية الإنسانية كمعطى ثابت وطبيعي.
نخلص فنقول، بأنه لا يمكن الحديث عن مشروع تنموي حقيقي، إذا لم يعد الاعتبار للحرية الفردية المقرونة بالمسؤولية، باعتبارهما قيما إنسانية كونية، تساهم في تحفيز الأفراد والجماعات لتضعها في مشروع التقدم على جميع الأصعدة. ولا يمكن تحقيق كل ذلك من دون تشريعات تحمل الإنصاف بداخلها.