الجالية 24 : بقلم : ذ  بدر أعراب//

كنتُ ألمحها يومياً وهي في حالة يُرثى لها، بأسمال رثّة ووجهٍ شاحب ومتعب رغم الحمرة التي تعلو وجنتيها، مستغرقةً في تفكير عميق وطويل بلا نهاية كما يبدو بجلاء على ملامحها الشاردة ومن نظراتها السّاهمة المتمّعنة في اللاَّشيء؛ ظلت لما يقارب الشهر مُلازمةً لمكانها بشارع “محمد الخامس” وسط الناظور، لا تبارحه إلا لماماً، بحيث تقتعد مقعدا خشبيا على جنب الرصيف، طيلة النهار، بدون ركزٍ ولا حركة، كما لو كانت تمثالا..
.

كنتُ في كل مرة أرمقها أحاول عبثاً اِفتراض السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تُلقي بفتاةٍ في عزّ شبابها إلى أحضان الشارع، كما حاولتُ مراراً تخيّل حكايتها التي لن تكون يقينا في حالتها إلاّ مُوجعة، إلى أن صادفتُ أخيراً هَا هُنا على جدران الموقع الأزرق منشورا مرفوقا بصورها، ينقل قصّةً مأساوية موغلة في الوجع وممعنة في الأسى، يتداولها الروّاد على أوسع نطاق..
.

تعود تفاصيل الحكاية – يقول العارفون – عندما اكتشفتْ أنها وقعت ضحية عملية نصب واحتيال على يد شابّ لا يملك قلباً، يعمل سائق سيارة أجرة بـ”إمزورن” بإقليم الحسيمة، المدينة التي تنحدر منها الشابة المُكناة “سميرة”، بعدما أوهمها بالحبّ على مدى سنوات، قبل أن يسطو على مالها الذي ورثته من والدها الذي وافته المنية بعد ممات والدتها وظلت يتيمة بلا أسرة وبلا حاضنٍ يسأل عن أحوالها..
.

وقعت سميرة في حبِّ الشاب إيّاه مثلما وقعت في شِراكه، بعدما وعدها بالزواج غداة تمكنه من توفير راتبٍ محترم كفيل ببناء عشهما السعيد، لذلك سارعت المسكينة إلى مدّه بمبلغ 20 مليون سنتيم مما تبقى لها من هذه “الحياة”، من أجل تحقيق مسعاه الذي يكمن فيه حلمها، قبل أن تكتشف لاحقا أنه مجرد لصّ وحربائيّ وماكر خطّط بخسّة للنصب عليها باِسم الحبّ؛ بل خطّط للعبث بأحلامها والعصف بحياتها قبل اللّوذ بالفرار، تاركاً إياها تواجه بمفردها مصير العُته والجنون والتشرد والضياع، تاركاً في حلقها غصّة لن تزول، تاركاً في جوفها نارا لن ينطفئ.. لن تنظفئ أبداً.
.

لك الله يا سميرة لك الله أنت يا غافلة..