في إطار البرنامج الثقافي الذي يشارك به في الدورة الـ 25 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، نظم مجلس الجالية المغربية بالخارج ندوة يوم السبت 9 فبراير 2019 برواقه بالمعرض، ندوة ناقش فيها الحضور موضوع « الثقافة المغربية في إفريقيا والبلدان العربية ».

وعرفت الندوة مشاركة كل من الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية إسماعيل الركراكي، والباحث والروائي المغربي إدريس الگنبوري وعضو المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة فرع موريتانيا محمد الحنفي دهاه، وسير أطوارها عضو المجلس سيدي محمد فارسي.

الحنفي داداه: إمارة المؤمنين ضامنة لاستمرار العلاقات الروحية للمغرب مع إفريقيا

في مداخلة له في هذه المائدة المستديرة، قال محمد الحنفي دهاه في إن الثقافة المغربية الدينية رافد أساسي للثقافة الإفريقية، مذكرا بأن بدايات هذا التأثير كان مع وصول أول معلم مغربي إلى الصحراء في القرن الخامس الهجري، وهو عبد الله بن ياسين الجزولي القادم من بلاد سوس. وأضاف أن قدومه كان ملهما لحركة المرابطين التي توسعت في المنطقة وامتدت إلى الأندلس، وساهمت في نشر الإسلام السني المالكي الأشعري داخل عدة ممالك إفريقية.

SIEL19 D2 T2 HANAFI

وأكد دهاه أن مكانة المغرب في المذهب المالكي محفوظة، وترجيحات المغاربة مقدمة على ترجيحات العراقيين وإن كان هؤلاء أقرب إلى مدينة الإمام مالك، وأضاف أن المصادر والمراجع المعتمدة لدى الأفارقة الدارسين للعلوم الدينية هي بالأساس كتب ومصادر مغربية من بينها مقدمة ابن عاشر.

وعرج المتحدث إلى الحديث عن الدور الريادي للزوايا المغربية في نشر التصوف داخل إفريقيا، وجدد الأستاذ بجامعة نواكشوط، التأكيد على كون القارة الإفريقية تستمد ثوابتها من المغرب، وذكر بالدور التاريخي الذي لعبته فاس كعاصمة دينية وعلمية، توافد عليها الأفارقة ليتتلمذوا على يد علماء القرويين.

واعتبر عضو المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أن مؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب كانت ضامنا لاستمرارية هذه الروابط الروحية والثقافية، من خلال إنشاء معهد لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات؛ حيث ساهم هذا المعهد في إنقاذ القارة الإفريقية من الطفرة التي غزتها خلال السبعينات، وجعلت شبابها يتلقون تربية دينية مختلفة عن تلك التي عرفها آباؤهم.

وأضاف المحمد الحنفي أن استمرار هذا العطاء المغربي يحتاج إطارا ينتظم فيه، يكون مشتركا بين القارة الإفريقية والمغرب، وهو الدور الذي تقوم به اليوم مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة؛ من خلال تنظيم أنشطة علمية متنوعة تجمع العلماء من إفريقيا ومن المغرب، بهدف العمل على التمسك بالثوابت الشرعية في الحفاظ على وحدة الشعوب.

عناصر الحضور الثقافي المغربي في العالم العربي 

في حين يرى الباحث والروائي إدريس الكنبوري أن موضوع حضور الثقافة المغربية في المشرق العربي معقد ويتداخل فيه الجانب السياسي والتاريخي؛ حيث إن العلاقة التي جمعت بين المغرب والمشرق كان ملخصة في ثنائية المركز والأطراف. ولطالما شكل المشرق المركز، إلى أن انكسرت هذه الثنائية في مراحل تاريخية.

SIEL19 D2 T2 GUANBOURI

ويضيف الباحث في الدراسات الإسلامية، أن خصوصية الثقافة الإسلامية تتجلى في وجود فريضة الحج التي تشكل فيها مكة نقطة التقاطع والالتقاء بين الثقافات واللغات المختلفة، يأخذها بعضها من بعض، ثم يعود كل إلى أصله محمل بما أخذ عن الثقافات الأخرى.

وأكد الكنبوري، أن الحضور المغربي في المشرق العربي يظهر جليا من خلال تدريس المذهب المالكي  من طرف علماء مغاربة داخل جامعة الأزهر، ومن خلال الزوايا الصوفية التي صارت لها فروع بكل من مصر والعراق تحمل روح التصوف المغربي.

النموذج الديني المغربي كوسيلة للتأثير الدبلوماسي

من جهته، اهتم الركراكي بحكم اختصاصه في العلوم السياسية بالإشكالية التي صار يطرحها الإسلام في حقل العلاقات الدولية، بحكم السياقات التي حكمت السنوات الأخيرة، بدءا بالصراع العربي الإسرائيلي والثورة الإيرانية، وأحداث 11 شتنبر، وأحداث 16 ماي بالمغرب.

SIEL19 D2 T2 RAGRAGUI

وأكد الباحث في العلوم السياسية أن المغرب يتوفر على نموذج ديني فريد وجب تسويقه على شكل ماركة في مواجهة خطابات العنف والكراهية، مضيفا أن السوق العالمية اليوم ليست سوقا للرساميل ولكنها سوق للأفكار أيضا. واعتبر أن هذه الماركة طريقة من أجل تسويق النموذج المغربي لدى الشعوب التي لها إمكانات التأثير على حكوماتها، داعيا إلى تطوير الديبلوماسية المغربية لتصير حاملة لهذه الصورة.

وفي هذا الاطار اكد الباحث على أن إمارة المؤمنين مؤسسة ذات صبغة خاصة يمكنها تصدير صورة للعالم عن الإسلام المعتدل، قبل أن يعرج المتحدث على ذكر المجهودات التي تقوم بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من أجل تسويق صورة الإسلام المغربي، من قبيل إرسال أئمة خلال رمضان للجالية المغربية بالخارج ليتواصلوا معهم بلهجتهم الأصلية، سواء الأمازيغية أو الدارجة أو غيرها..

 ويرى الركراكي، ضرورة التوجه أكثر نحو العالم الرقمي، لمخاطبة الجالية التي أصبحت معرضة لخطابات دينية دخيلة ولا تشبه في شيء الثقافة المغربية.  ودعا الباحث في الآن ذاته المسؤولين عن الحقل الديني في المغرب إلى تسطير أهداف وتحديد مدة زمنية معينة، مع رصد الوسائل، حتى يتسنى لها إنجاز تقييم موضوعي لحصيلتها في هذا المجال.